العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ

لست صفويا... لكنني مع إيران!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

إذا كان مفهوما أن أميركا تمارس الضغط على الجمهورية الإسلامية في إيران، من أجل كسر شوكة الممانعة التي تمثلها إيران وسورية أمام التوجهات الأميركية لتركيع كامل الأمة الإسلامية بهدف فتح أسواقها وأجوائها وموانئها ومطاراتها أمام الدولة الصهيونية وبضائعها، في استسلام تام يخطط له اللوبي الصهيوني منذ أمد بعيد ويوظف في سبيل تحقيقه كل أدواته السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية أيضا.

وإذا كان مفهوما أن تهاجم «إسرائيل» مواقع الممانعة الأخرى لدى الأمة العربية والإسلامية وتسعى إلى إذلالها وسحقها، كما يحصل مع المقاومة الإسلامية في لبنان التي يمثلها حزب الله، والمقاومة الإسلامية في فلسطين التي تمثلها حركة حماس وحركة الجهاد والفصائل الفلسطينية المقاومة الأخرى.

وإذا كان مفهوما أن تمارس الولايات المتحدة وحلفاؤها شتى صنوف الإرهاب الرسمي العسكري، تحت سمع وبصر العالم في العراق وأفغانستان والصومال، بهدف بسط سيطرتها الكاملة على مفاصل القرار في الدول الإسلامية للقبول بالحلول التي تطرحها القيادة الأميركية باعتبارها السيد المطلق في العالم.

إذا كان كل ذلك وغيره الكثير من الضغوطات الأميركية مفهوما، فإن ما هوغير مفهوم أن تتطوع بعض الأقلام الصحافية العربية والبحرينية منها على وجه الخصوص، لمساعدة هذه الضغوطات وتقديم التبريرات المناسبة لها لكي توجد في مياهنا الإقليمية وتهدد بتوجيه ضربات عسكرية للجمهورية الإسلامية في إيران.

إن ما يقوم به عدد من الصحافيين البحرينيين المهووسين بمقارعة المد الصفوي المزعوم الذي تشكله إيران في مخيلتهم المريضة، وسياسة الإرهاب الفكري التي ينتهجونها، وسعيهم الحثيث لبث الخوف والهلع في قلوب المواطنين من أبناء الطائفة الشيعية في البحرين تحديدا، وفي منطقة الخليج عموما، من خلال مهاجمة الجمهورية الإسلامية في إيران، وربط كل الشيعة في العالم بها، متهمين الجميع بالانتماء إلى الصفوية التي تسعى بحسب ما يروجه من أفكار مسمومة، إلى السيطرة على العالم الإسلامي، هو في مجمله محض افتراء لا يستند الى دليل.

لقد زاد الماء على الطحين، وأصبح من غير الجائز السكوت على هذه الاتهامات الممجوجة البلهاء، المجوفة والفارغة من أي مضمون غير الحقد والكذب الفاضح وخدمة المخططات الأميركية والصهيونية في المنطقة بقصد أو من دون قصد، ذلك أن الأحاديث عن تيارات سياسية شيعية ترتبط بالنظام الإيراني وتنسق معه لقلب أنظمة الحكم في الدول العربية من خلال نشر المذهب الشيعي، هي أحاديث مريضة ليس لها وجود سوى في مخيلة هؤلاء المرضى الذين يروجون لها.

ومن دون شك فإن ذلك هو عين ما تحتاجه أميركا والكيان الصهيوني من مبررات، لتغطية وجودها الكثيف والمرعب في مياه الخليج، بحجة إجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي السلمي، على رغم أن هذا البرنامج قد بدأ العمل عليه في عهد الحكم الشاهنشاهي العميل لأميركا والذي ذهب غير مأسوف على شبابه إلى مزبلة التاريخ، وعلى رغم أن هذا البرنامج قد حظي بمباركة أميركا والكثير من كبريات دول العالم التي تقف ضده اليوم، حين كانت إيران دولة تقيم علاقات مع «إسرائيل» وتسير في فلك السياسة الأميركية.

ولسنا نجد عند هذا البعض من الصحافيين أية مبررات للهجوم على إيران الإسلامية، أو الهجوم على عموم الشيعة في العالم بل واتهام كل من يتعامل معهم حتى ولو كان من التيارات الفكرية الأخرى (اليساريين، العلمانيين، الشيوعيين) أو حتى الديانات الأخرى كالمسيحيين، يتهمهم بأنهم قد أصبحوا تبعا وأذيالا تجرجر خيبتها وراء المد الصفوي.

وهنا من المهم التوقف عند استخدام هذه الألفاظ والعبارات النابية، التي يزخر بها قاموس عدد بائس من الصحافيين الذين يقلبون الحقائق، فينسبون كل شيعة العالم إلى (المد الصفوي المزعوم)، فإذا كان معظم أهل إيران قد تشيعوا لمذهب أهل البيت في أيام الشاه عباس بن شاه إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن صفي الدين الموسوي الأردبيلي الحلي الذي حكم إيران خلال الفترة من 908 ـ 930 ، فإن ذلك لا يعتبر جريمة تعاقب عليها القوانين والأنظمة العالمية، وهي في الوقت ذاته ليست خطوة تتعارض مع كونهم مسلمين، إلا إذا كان هؤلاء الصحافيين يقولون بإخراج الشيعة من الإسلام والعياذ بالله؟

وبالمناسبة فإن الأسرة الصفوية ليست ذات جذور فارسية كما يردد عدد من الصحافيين مثل البغبغاوات الغبية، بل هي أسرة عربية هاشمية، سادة وأشراف ينتسب جدهم صفي الدين الحلي الذي جاء من الحلة في العراق إلى الإمام موسى الكاظم (ع) الذي ينحدر من نسل الإمام الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الكريم عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام، لذلك فإن هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون يجب أن يتوقفوا عن تزوير التاريخ وقلب الحقائق، وخصوصا أن الجميع يدرك بأن مذهب أهل البيت كان موجودا قبل تاريخ تأسيس الدولة الصفوية في العام 905 على يد الشاه إسماعيل بمئات السنين (حتى في إيران نفسها).

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يعني ذلك أن مجرد انتشار مذهب أهل البيت في إيران قبل أكثر من 500 سنة، قد حول هذه البلاد من معسكر الخير إلى معسكر الشر، وهل نفهم مما يسعى هؤلاء الحمقى إلى ترويجه، بأن شيعة أهل البيت هم كالداء العضال الذي يجب أن يتم عزله، ومن ثم استئصاله من المجتمع.

إنها دعوات إن وجدت، تذكرنا بالقرار العبثي الظالم الذي اتخذه كفار قريش حين طالبوا الرسول العظيم (ص) بأن يتراجع عن دعوته، فقال لهم (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أن اقتل دونه)، وهنا حاول الكفار قتل الرسول الكريم (ص) وطالبوا عمه أبو طالب (ع) بتسليمه لهم لكنه أبى ورفض ذلك، ففرضوا عليهم سياسة العزل، وحاصروهم وقاطعوهم في شعب أبي طالب لأكثر من ثلاث سنين، حتى أظهر الله الحق إذ أرسل حشرة تأكل صحيفتهم التي علقوها على جدار الكعبة، ولا تترك إلا أسم رب العزة والجلالة.

فهل يريد هؤلاء الصحافيين المرضى بالحقد الأعمى، والموتورين بالنفس الطائفي البغيض، أن يعيدوا فصول التاريخ للوراء ويخرجوا لنا وثيقة جديدة، تدعو إلى محاصرة شيعة أهل البيت ومقاطعتهم، تمهيدا لاستئصال شأفتهم من العالم الإسلامي.

وهل يصح أن تسكت القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية في بلادنا والسنة منهم على وجه الخصوص، حيال هذه الدعوات الغارقة في التخلف، والمتمرسة في نشر سياسة الإقصاء والتهميش المذهبي والفصل العنصري والعرقي.

وإذا كانت مملكة البحرين اليوم تضم خليطا من المواطنين الذين جاءوا من منابت وجذور عرقية متعددة، من مختلف الدول المجاورة لنا، فإن هذا الخليط لا ينتمي إلى مذهب من دون غيره، ذلك أن جذور الكثير من الأسر البحرينية ومن المذهبين الكريمين، تمتد جذورها إلى إيران التي يهاجمها هؤلاء الكتبة الأفاقين أو إلى أي بلد آخر، فلماذا التهويل وتصوير الأمر وكأننا أمام غول إيراني صفوي شيعي يهدد كيان بلادنا بالزوال؟.

وحتى لا تتعقد الأمور أكثر، فإن هناك الكثير ممن يتعاطفون مع إيران في هذه البلاد وغيرها، وهم لا يمتون لها بأية جذور أو انتماءات عرقية، لكنهم يقرون لها بحق الدفاع عن نفسها، وبحقها في البحث عن مصادر الطاقة البديلة عبر البحث العلمي ومن خلال تشييد مفاعلات نووية سلمية أو غير سلمية، وبأن من حقها أن تتقوى وتتسلح وخصوصا أن أميركا و»إسرائيل» توجهان لها التهديدات صباح مساء، بل ونطالب أميركا أن تكف عن سعيها لتحويل منطقتنا إلى ساحة استعراض عسكري لحماية ربيبتها «إسرائيل».

وإذا كان من كلمة أخيرة نوجهها لهؤلاء المرضى والحمقى، فهي إنكم لن تخيفونا ولن ترهبونا، ولن تمنعونا من التعاطف مع إيران الدولة الجارة والمسلمة في معركتها مع الأميركان والصهاينة بمجرد التلويح لنا بالاتهام بأننا محسوبين على الجمهورية الإسلامية في إيران لمجرد أننا ننتمي للمذهب ذاته الذي تنتمي إليه غالبية الشعب الإيراني.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1621 - الإثنين 12 فبراير 2007م الموافق 24 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً