العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ

لماذا يرتمِينَ في أحضان المشعوذين؟

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

كنت مع صديقي قبل أيامٍ معدودةٍ، فمرت علينا زوجته وهي قريبة لي، وكانت تحمل طفلها الصغير على يديها بينما يتدلى كيس فيه بعض المتاع الثقيل نسبيا من أصابعها التي تلتف حوله عنوة لتمسك به، التفت إلى صديقي وقلت له: خذ شيئا من هذا الحمل عن زوجتك، إما الكيس وإما الطفل الصغير، فرد عليّ ببرود منقطع النظير قائلا: ولماذا يا شيخ؟ أليست الجنةُ تحتَ أقدامِ الأمهات؟

إذا فليدفعن الثمن المطلوب لهذه المكانة العظيمة، وفعلا تركها على حالها، وأخذ يجد السير كي يصل إلى سيارته وهو مترنح اليدين.

أمثال هذه المرأة كثير في بلادنا، ممن يعشن في بيوتهن الزوجية ولكنهن بمثابة الخدم (مع الاعتذار) فهن المربيات والطاهيات والمعلمات لأبنائهن، وهن من يقمن بالغسيل والكوي والتنظيف ومراجعة الأطباء لعلاج الأولاد، كل ذلك وأكثر يفعلنه وهن راضيات قانعات.

والسؤال: لماذا تتحول نساؤنا فجأة إلى مرتادات لأماكن السحر ومراكز الشعوذة وبيوت الدجل، ودهاليز الضياع؟

لماذا يرمين أنفسهن وأعراضهن وعوائلهن في الجحيم؟ ولماذا يصبرن على ضرب الدجالين الذين يزعمون إخراج الجن من أجسادهن؟ ويصبرن على ابتزازهم، ويقبلن أن يصبحن أسارى للوساوس والأعمال الشيطانية التي تجرهن إلى سواد الوجه في الدارين؟ لماذا يتحركن في الخفاء، ويعتمدن الصمت والتستر، حتى يصلن إلى الدهاليز المظلمة، والأنفاق التي لا يستطيع داخلها أن يخرج منها إلا بثمن باهظ، أقله سمعته وعرضه، وكل ما يملك من شرف وكرامة وعزة؟

ربما تستعجل في إجابتي وتسرع في القول: لأنهن ضعيفات إيمان بالله سبحانه وتعالى، وبعيدات عن قراءة القرآن الكريم، والتذلل والخشوع والدعاء والسؤال من الواحد الأحد.

وربما تبادر بالرد أنهن قليلات وعي وثقافة، وجاهلات وبسيطات؛ ما يجعلهن قابلات للضحك عليهن واللعب على عقولهن، وجرهن إلى السوء.

بدوري سأتفق معك في كل ذلك، ولن أرد عليك أن ممن يُخدعن بمسائل الشعوذة طبيبات، ومعلمات، ومثقفات وواعيات، وستصدمك الأيام إن التقيتهن وعرفت مكانتهن، وشهاداتهن، ومراكزهن، كما لن أخالفك أن فيهن من لا يتركن صلاة أو صياما أو عبادة إلا كن السبّاقات إليها، بل لعل غالبيتهن التجأن بادئ ذي بدء إلى ما يعتقدن به من عبادة وصلاة وتلاوة القرآن، ولكنهن أخيرا وصلن إلى ما وصلن إليه من ارتماء في أحضان المجهول.

لن أجيبك عن كل ذلك؛ لأنني أعلم أن ما تقوله ما هو إلا تسترٌ على الواقع، وهروبٌ للأمام وسكوتٌ عن أجواء الظلم والاضطهاد والممارسات المسيئة، التي نصبها على المرأة من دون رحمة حتى تسودّ الدنيا في عينيها، وتغلق عليها كل الأبواب، وحينها لا يبقى أمامها إلا باب الدجل والشعوذة، فتسلكه مرغمة مضطرة منهكة متعبة وحيدة فريدة، بعد أن يتخلى الجميع عن نجدتها وعن مساعدتها.

لنبتعد عن التشريق والتغريب، ودعنا أمام مثل لامرأة يهينها زوجها ويحقرها ويمسك يده بخلا عن الإنفاق عليها، ويضربها ضربا مبرحا تصبح به وتنام عليه، أو يستطيب له أن يعلقها فلا هو يعطيها ما يعطيه الأزواج لزوجاتهم ولا يسرحها ويطلّقها، ترى أمام هكذا حالات وأشباهها، من الذي يقف إلى جانب المرأة؟ ومن الذي يواجه عنجهية الرجل وجبروته، وتحديه وعنفه، وتجاهله حقوقها وكرامتها؟ يا ويلها لو تحركت تشكو أمرها لقريب ناصح، أو عاقل مؤثر، يا ويلها من زوجها الذي تذب في عروقه فجأة الغيرة على العائلة وعلى أسرارها وعلى خصوصياتها ليذيقها أمرّ العذاب والهوان على ما اقترفت من فضح وإشهار لخصوصيات عائلتها.

أما لو ذهبت إلى القضاء والمحاكم، فستضحك عليها كل الملفات السابقة على قضيتها، وستضحك عليها ملفات القضايا المنسية، وملفات القضايا المعلقة، وملفات القضايا الضائعة، وملفات القضايا طويلة الأمد التي وراءها محامون لا يكلّون ولا يملّون، وأخيرا ملفات القضايا التي لا آلية فيها لإلزام الزوج ما يصدر عليه من حكم تجاه هذه المرأة الضعيفة.

أما خارج المحكمة فلن يرحمها أقاربها والمحيطون بها؛ لأنها نقلت خلافات منزلها إلى المحاكم ودمرت عائلتها وخربت بيتها وهتكت ستر الله عليها.

دعني أكمل إذ لن يتدخل جيرانها حتى لو سمعوا صراخها وأنينها، فذلك زمن ولى، ونصرة قد ماتت «يرحمها الله»، إذ لكل أسرة ولكل بيت ما يشغله من الهموم والقضايا، ولا يريد لنفسه صداعا جديدا ولا هما إضافيا. أما إخوانها فلكل واحد منهم شأن يغنيه.

لن يبقى لها إلا والدها إن كان حيا وقادرا على فعل شيء، وبعض الصالحين من طلبة العلم الذين سيقدّمون إليها مجموعة من النصائح التي لا تعالج المشكلة، ولا تردع الرجل عن طغيانه وعن تماديه، بل هي حلول نظرية ونصحيّة تطلب من المرأة «غالبا» الصبر والتحمّل والمرونة في استيعاب الذل والهوان والتنازل عن الإنسانية والحقوق والتسليم للقضاء والقدر، كأنها ما خُلِقَت إلا لتخوض هذه المعاناة الجارحة والمدمية والنكداء.

الوحيد هو المشعوذ الذي يقول لها: أنا أمتلك الحل لمشكلاتك، وأنا من يمكنه إراحتك، ومن يعرف سبب معاناتك ويستطيع تغييرها، وهنا تسلّم المرأة نفسها للضياع والخداع والابتزاز؛ لأنها لم تجد غيره ضاربا على صدره، ومدعيا ضمان حقها ومنحها السعادة والإنسانية.

ليس عندي شك في أنها غير معذورة في سلوك هذا الطريق الحرام، ولكن هل الإثم عليها فقط؟ هل الخطأ منها فقط؟ هل نحن كمجتمع شركاء فيما وصلت إليه حال النساء من ضياع لحقوقهن واستلاب لإنسانيتهن وتعدٍ على كرامتهن؟ أم نحن فقط من يوزع الألقاب، فاسقة، فاجرة، منحرفة، ضالة... والعياذ بالله من الجميع؟

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً