العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ

التحالف المسيحي: روبرتسون - ريد... اليد اليمنى لله!

يُعتبر التحالف المسيحي التبشيري - الذي بدأ نشاطه منذ الستينات - من أقوى جماعات التأثير في الحزب الجمهوري. ويرد الكثير من المؤلفين الأميركيين تسييس هذه المجموعة إلى مبادرة القس بات روبرتسن - الذي مارس وظيفة رجل الدين في الكنيسة البروتستانتية المعمدانية - مستخدما وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وأدار برامجَ دينية في شبكة البث المسيحية (Christian Broadcasting Network) منذ العام 1961 ثم أسس «جمعية نادي السبعمئة» التي حصلت على دعم وتمويل من الميسورين الحريصين على مواجهة تيار التحديث في المجتمع الأميركي.

انتشرت تيارات اليمين المسيحي التبشيري انتشارا سريعا منذ منتصف السبعينات، وكان أكبر تجليات دخولها بقوة على خط السياسة الأميركية، دعمها ترشيح الرئيس السابق رونالد ريغان للانتخابات الرئاسية، الذي فاز في دورتين رئاسيتين متواليتين (1980-1984).

وفي حين خصص التيار المذكور نسبة مهمة من نشاطاته للتبشير وتدريس العقيدة المسيحية البروتستانتية ونشرها، إلاّ أن نشاطه اتسع ليشمل القضايا الاجتماعية والعمل السياسي لمواجهة الإصلاحات الليبرالية والعَلمانية في المجتمع الأميركي، بينما ظل بعضها ذا طابع ديني متشدد.

وأبرز مجموعات الضغط التي أثرت في القرار السياسي منذ التسعينات، التحالف المسيحي الذي تأخر انتشاره بالنسبة إلى المجموعات الأخرى، حركة للغالبية الأخلاقية التي قادها جيري فالويل. أما التحالف المسيحي - الذي ظل في الثمانينات أقلية ناشطة، فقد أصبح اليوم أقوى مجموعة منظمة قادرة على التأثير على الحزب الجمهوري. فهو دائم النشاط ويظل حاضرا بأنشطته حتى بعد انتهاء الحملات الانتخابية، وله طابع جماهيري لا ينحصر في بعض النخب السياسية، ويحمل عقيدة متكاملة لا يفرط فيها ولا يتنازل عنها.

وعقيدة اليمين المسيحي تعتمد على نظرة لاهوتية مسيحية وإنجيلية للنظام العالمي، مع أنه ليس كل البروتستانت في أميركا من أنصار هذا التيار. وهي نظرة لاهوتية تسقط مفاهيمَ الحرب الباردة على تحليل الصراعات السياسية في العالم، فهي حركة تنتظر مجيء المسيح، وتندد بانحلال المجتمعات الغربية، وتقسم العالم بين الخير والشر في نظرة ثنائية حادة، وتتمثل قوى الشر اليوم - في نظرها - في العالم الإسلامي. وتتمثل خطورتها في قدرتها على التأثير على إدارة بوش، بما لديها من قوة عقائدية، ومندوبين ونواب في الكونغرس.

هل هي بداية النهاية للتحالف المسيحي؟

نشرت مجلة «بند ويكلي نيوز» مقالا مطولا للكاتب بيل بيركوويتز، في مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي، تساءل فيه: هل هي بداية النهاية للتحالف المسيحي؟

ويذهب بيركوويتز إلى القول إن قوة التبشيريين بدأت تضعف مع تفكك «التحالف المسيحي» الذي يقوم بتحشيد أصوات المسيحيين المتدينين في الانتخابات.

ويتحدث عن رئيس «كريستي ميديا» ورئيس تحرير «تشرش ريبورت» جاسون كريستي، الذي عُيِّنَ مديرا تنفيذيا للتحالف المسيحي، والذي واجهته صعوبات في التوفيق بين عمله في التحالف المسيحي وإدارة أعماله التجارية المتنوعة. وخلال أقل من عام واحد، صوّت مجلس إدارة التحالف على تعيين مؤسس «المواطن المسيحي» القس جويل هنتر، من كنيسة نورثلاند بفلوريدا.

وهنتر هو مؤلف كتاب «الجناح اليميني الطائر الخاطئ: لماذا لا تفلح تكتيكات جناح المتدينين مع غالبية المحافظين المسيحيين؟»، والذي عبّر عن إرادته بأنَّ تركز جهود المنظمات المسيحية على قضايا الفقر وحماية البيئة، بدل التركيز على قضايا الإجهاض والزواج بين المثليين، ولكن زعماء التحالف الآخرين لم يتفقوا معه في ذلك.

ويجب النظر إلى أن التحالف المسيحي ارتبط في حينه بالغالبية الأخلاقية للأب جيري فولويل، وقد أرسى التحالف المسيحي عبر القس بات بيترسون المواصفات الذهبية للجهود المنظمة للمحافظين المسيحيين، وقدراتها المالية وجهد التجمع وتشكيل جماعات الضغط في فترة التسعينات.

وفي ذروة صعودها، أعلنت قدرتها على توزيع كتيباتها الإرشادية على الناخبين، ففي العام 2000، وزعت أكثر من 70 مليون كتيب انتخابي في الكنائس في طول الولايات المتحدة الأميركية وعرضها، بما فيها 5 ملايين كتيب بالإسبانية (وهناك مليونا كتيب تقريبا وزعت في فلوريدا وحدها).

وفي الدورة الانتخابية للعام 2004، ادعت الجماعة أنها وزعت نحو 30 مليون كتيب إرشادي انتخابي، ولكنها في هذه المرة كانت تستهدف الولايات والمقاطعات الانتخابية، التي اختيرت بدلا من تركيز جهودها على المناطق التي تشهد مزيدا من التنافس والاستقطاب السياسيين.

التحالف المسيحي الذي أُسس قبل 17 عاما، على يد القس بات روبرتسون، بصفته آلة أو رافعة للتجمع السياسي وجمع المال لليمين المسيحي، بحسب صحيفة «واشنطن بوست». وفي الواقع، إن المنظمة لم تعد كما كانت منذ أن تولى الرجل ذو الوجه الطفولي رالف ريد، الذي عمل على الترويج لأجندتها في البرامج التلفزيونية. وهو شخصية من مواليد ولاية فرجينيا الأميركية، وأتقن مهارات العمل السياسي خلال سنوات نشاطه الطلابي مطلع الثمانينات، حيث بزغ نجمه في أوساط شباب الجمهوريين. وفي مطلع الثمانينات، مرّ ريد بفترة تحوّل نحو الدين، وفي العام 1989 عرض عليه القس المشهور بات روبرتسون العمل مديرا تنفيذيا للتحالف المسيحي وسط جهود الرامية إلى حشد قوى المسيحيين المتدينين السياسية. وبقي ريد في منصبه حتى العاك 1997 وساهم في تحقيق شهرته الواسعة، إذ حرص على استخدام التكتيكات الناعمة، وتفعيل دور المسيحيين المتدينين في الحزب الجمهوري الذين ساهموا في فوز الجمهوريين في انتخابات 2004 التشريعية، التي ساعدتهم على الحصول على غالبية مقاعد مجلس النواب لأول مرة منذ عقود. وسبق أن نشرت مجلة «تايم» في مايو/ أيار العام 1995 صورة ريد على غلافها وتحتها تعليق يقول «اليد اليمنى لله... رالف ريد والتحالف المسيحي».

ولكن ريد استقال من إدارة التحالف في العام 1997 بعد أن تعرض التحالف لاتهامات بالفساد المالي، ويقول البعض: إن ريد نجح متحدثا باسم التحالف ولكنه فشل إداريا؛ ما أدى إلى تراجع مكانة التحالف تدريجيا. وعاد بعد ذلك إلى جورجيا ليؤسس شركة تدعى «استراتيجيات القرن»، مستفيدا من علاقاته بالشخصيات الجمهورية ذات النفوذ.

وفي العام 2002 نافس ريد على منصب رئيس الحزب الجمهوري بجورجيا، وهو منصب شرفي، ولكن هذه المنافسة تحوّلت إلى معركة بسبب معارضة بعض الجمهوريين له، الذين انتقدوا أساليبه الانتخابية واتهموه باستخدام الدين غطاء لنشاطه السياسي، ولكنه فاز بالمنصب. وفي مطلع العام 2005 أعلن ريد نيته ترشيح نفسه لمنصب حاكم ولاية جورجيا، وادعى أن الرئيس جورج بوش يدعمه، علما بأنه عمل في حملة بوش الانتخابية في العام 2004. مع ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي العام ضعف التأييد من قِبل الجمهوريين في جورجيا، وفي المقابل حرص بوش وكبار الجمهوريين على التزام الحياد في المعركة، بل إن بعضهم أعلن معارضته، فيما تسربت معلومات عن ارتباطه بفضيحة فساد سياسية ضخمة بطلها صديقه جاك إبراهوموف.

كل ذلك أدى إلى خسارة ريد الانتخابات التمهيدية بفارق كبير، وهي الخسارة التي كتبت عنها مجلة «تايم» في 31 يوليو/ تموز العام 2006 مقالا تحت عنوان «صعود وسقوط رالف ريد».

البعض يعتبر ريد وجها براغماتيا وتقدميا لليمين المسيحي، رفض استخدام الدولة لفرض القوانين المسيحية، كما انتقد موقف الكنيسة البيضاء من حركة الحقوق المدنية بأميركا. ففي العام 1995 ألقى خطابا بصفته مديرا تنفيذيا للتحالف المسيحي، اعترف فيه صراحة بأن بعض الكلمات التي يستخدمها اليمين المسيحي تمثل إنذارا خطيرا لليهود كالقول: إن الله لا يسمع دعاءهم، وإن أميركا «بلد مسيحي». ولكنه في العام 2002 أسس مع حاخام يدعى يشيل إيكستين منظمة «قف بجانب إسرائيل» تهدف إلى تعبئة المسيحيين المتدينين لدعم «إسرائيل». وفي أبريل من العام نفسه، كتب مقالا في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، يشرح أسباب مساندته «إسرائيل»، قال فيه: «بالنسبة إلى البعض، ليس هناك دليل أكبر على سيادة الله على هذا العالم في يومنا هذا أكثر من بقاء اليهود ووجود (إسرائيل)»!

العمل المسيحي... مجالس استشارية وعمل اجتماعي مشترك

في شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2005، تم تعيين أحد أهم الناشرين المسيحيين التبشيريين البارزين في منصب مدير تنفيذي للتحالف المسيحي الأميركي.

الناشر ورئيس تحرير «تشريش ريبورت» - الصحيفة الوطنية والاقتصادية للقساوسة والقيادات المسيحية - جاسون كريستي، قدمته رئيسة التحالف المسيحي روبرتا كومب في 19 سبتمبر العام 2005، وهي تقول: «لقد اعتمد التحالف دائما على القيادات ذات الفهم العميق للمجتمع المسيحي الاميركي، وعلى قضايا السياسة العامة التي تؤثر عليه». وتوضح «لقد تبيّن أن كريستي يمتلك ذلك الفهم، بالإضافة إلى القدرة على الإيحاء وتشجيع الناس المؤمنين على العمل، وأنا أتطلع إلى العمل معه».

كريستي (34 عاما) من خريجي جامعة بوسطن، وقد شارك في إصدار عدد من المجلات الناجحة خلال عمله في حقل النشر مدة 12 عاما. وقد ظهرت اهتماماته بالشأن السياسي العام من خلال النقاشات على المستوى الوطني التي كتب عنها، بما فيها التغير الذي طرأ على تعريف الزواج في المجتمع، ومسائل الحق في الحياة.

ويقول كريستي: «إني فخور بتواضع أن يتم اختياري من مجلس مديري التحالف المسيحي لهذا المنصب الحيوي، إذ إنه من الحاسم في هذه الفترة من حياة المؤمنين في شعبنا، الاشتغال بالثقافة وإدراك ما يمكن إحداثه من تغييرات أساسية».

ومن أولويات كريستي أن يتم تشكيل مجلس استشاري من عدد كبير من القيادات المسيحية من مختلف المناطق، وبعضهم سبق أن عمل معهم ناشرين مسيحيين، بمن فيهم نائب رئيس إدارة شبكة «TBN» بول كروتش، الذي أعرب عن رغبته الكبيرة في «التعاون بين المنظمات المسيحية المختلفة، وتحقيق أمنيات الرب بالعمل المشترك».

ويذهب المدير التنفيذي للكاتدرائية في غاردن غروف بكاليفورنيا، جون تشارلز إلى أن «رغبة كريستي في رؤية الكنيسة وهي تقوم بالتغيير في المجتمع، تجعله الاختيار الأنسب لتوجيه التحالف المسيحي»، فالكنيسة تحتاج إلى قيادة قوية لإدخال تأثير قوي على الميدان العام.

ويصر كريستي على أنه من المهم لجميع المسيحيين المشاركة في القضايا الثقافية والسياسية، «فالإيمان المسيحي يوجب علينا أن نكون فاعلين في النقاشات والقضايا العامة؛ كيلا يتم تهميش رؤانا وقيمنا. وهو ما يوجب علينا العمل من أجل أن نطمئن إلى بقاء أطفالنا وأحفادنا يعيشون في مجتمع يعطي الأولوية للحياة والحرية والتحرر والعدل».

العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً