العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ

الشرق الاميركي الاسرائيلي الجديد

الملف السياسي لهذا الشهر يبحث عن بعض الأجوبة لمشكلات منطقتنا عبر سبر أغوار ايديولوجية النخبة التي تحكم البيت الأبيض حاليا... هذه النخبة صغيرة في عددها، ولكنها جاءت عبر الانتخاب. النخبة يطلق عليها مسمى «المحافظون الجدد»... ولكن من هم المحافظون الجدد؟ ما هي مدرستهم الفكرية؟ ما هي جذورهم؟ وماذا يريدون؟

الناخبون الأميركيون الذين أعطوا ثقتهم للمحافظين الجدد يقودهم تحالف للكنائس المسيحية البروتستانتية التبشيرية... هذا الاتجاه متدين في جذوره، ويؤمن بأن مهمته هي «التمهيد لظهور المسيح (ع)»... ولكي يظهر المسيح فإن على الممهدين له أن يسهلوا المهمة، ومن متطلبات الظهور أن يتجمع اليهود في القدس. وعليه، فإن الدعاء لـ «نصرة اسرائيل» أصبح جزءا أساسيا في كل الصلوات التي تقام في الكنائس... وهذه الكنائس تفتخر بما تقوم به وتنشر على مواقعها الالكترونية أنها جزء لا يتجزأ من حملة «مناصرة إسرائيل».

الناخبون المتدينون ينطلقون من الكتاب المقدس الجديد (الإنجيل)، وينشطون من أجل نصرة اليهود في «إسرائيل» الذين يقولون إن الكتاب المقدس القديم (التوراة) بشّر شعب الله المختار بالسيطرة على القدس، وإعادة بناء «هيكل سليمان»، وأن هذا المعبد يجب أن يقوم في المكان نفسه الذي يوجد فيه بيت المقدس (المسجد الأقصى).

المتدينون اليهود يقيمون نظاما على أساس أن الله أعطاهم أرضا، وأن هذا النص الديني يجب أن يطبق على الأرض... والمتدينون المسيحيون في الولايات المتحدة الأميركية يؤمنون بوجوب التمهيد لظهور المسيح من خلال تجميع اليهود في القدس، وعليه فإنهم أعطوا أصواتهم للحزب الجمهوري الأميركي الذي سيطرت عليه نخبة ايديولوجية يمينية متطرفة، وهم المحافظون الجدد.

المحافظون الجدد وحلفاؤهم السياسيون - الدينيون في «إسرائيل» يرون أن البقعة التي أطلقت عليها بريطانيا وفرنسا مسميات «المشرق»، «الشرق الأوسط»، و «شمال إفريقيا» ليست على الشكل الذي يريدون. فبريطانيا وفرنسا أصبحتا من التاريخ، والحاضر تحكمه أميركا، وهذه المنطقة يجب إعادة تشكيلها بصورة مختلفة، وعبر استخدام القوة لفرض التغيير الجديد.

الفكرة من الأساس لا تمت الى الديمقراطية بشيء... فالمتدينون المسيحيون في أميركا لهم حقهم في أن يؤمنوا بما يشاؤون، وكذلك المتدينون اليهود في أي مكان في العالم لهم الحق في أن يؤمنوا بما يشاؤون. غير أن المشكلة أن هؤلاء يريدون إجبار كل العالم على أن يؤمنوا بأفكارهم الدينية ذات الأبعاد السياسية التي تتطلب طرد شعب بأكمله من أرض فلسطين، وخلق قوة نووية إسرائيلية تهيمن عسكريا على كل دول المنطقة التي سماها البريطانيون والفرنسيون بـ «الشرق الأوسط»... واستخدام القوة العسكرية الأميركية لإزاحة الأنظمة التي لا تتماشى مع النهج غير الديمقراطي والذي لا يعترف بوجود وجهة نظر أخرى، ولا يعترف بوجود شعب فلسطيني، ولا يعترف بوجود المسجد الأقصى، ولا يعترف بأية جهة قد تشكل في يوم من الأيام تهديدا لـ «المصالح الحيوية».

مفردات متداخلة بين الإنجيل والتوراة، بين الدين والسياسة، بين المصالح الحيوية والتحالف الاستراتيجي الأبدي بين أميركا و «اسرائيل»... وللوهلة، تبدو كل هذه التشابكات من أفلام الخيال التي تعرضها هوليوود، ولكن الواقع يحدثنا عنها عبر المآسي التي تمر بها منطقتنا، والحروب التدميرية التي تستخدم فيها كل ما وصلت إليه التكنولوجيا المتطورة في القتل والدمار.

ليس كل ما يجري، أو سيجري، يتم بحسب خطة محكمة تطبخ في واشنطن وتل أبيب... فالرياح تجري بما لا تشتهي السفن، والخطط تنقلب على رأسها، والنتائج قد تكون معاكسة... ولكن علينا أن نتفحص النظر في العقيدة والفكرة التي تحرك قوة عظمى تسيطر على مقدرات العالم، وذلك لأننا بعض ضحاياها التطبيقية.

في داخل الولايات المتحدة الأميركية يجد الإنسان - عموما - شعبا فاضلا في الأخلاق، يعترف بالآخر، ويحترم النوع الإنساني... ولكن كل تلك القيم تختفي عندما يتعلق الأمر بمنطقتنا، وعندما يتفحص المرء الايديولوجية التي تختمر في ذهن المحافظين الجدد، وفي أذهان التحالف المسيحي التبشيري، بشأن منطقتنا يذهل بسبب الخرافات التي تحرك سياستهم الخارجية. فكيف بهذه الأمة التي تؤمن بالديمقراطية تضحي بيقينها من أجل عقيدة خاصة بمذهب مسيحي معين وببعض اليهود؟ فأين هي الديمقراطية في محاولة فرض آراء استخرجت من كتاب مقدس ملزم لأتباعه فقط؟

ثم كيف تقوم إدارة أعظم قوة في عصرنا اليوم بتغيير جغرافيا وتاريخ منطقتنا، وتطلق عليها مسمى «الشرق الأوسط الكبير»، تارة، وتارة تسمينا «الشرق الأوسط الموسع»، وأخرى «الشرق الأوسط الجديد» من دون أن تأخذ بآراء شعوب المنطقة؟ أين هي الديمقراطية في كل ذلك؟

قبل أكثر من ربع قرن، آمن الرئيس المصري محمد أنور السادات بأن 99 في المئة من الحل لمنطقتنا تمسكه أميركا، ومن الأفضل الذهاب إليها والنزول عند شروطها... غير ان المحافظين الجدد لا يقبلون بأن نسلمهم 99 في المئة من أمرنا، فنحن ليس لنا وجود من الأساس، وهم يروننا مجرد مخلوقات مزعجة تعيش في «الشرق الأميركي الإسرائيلي الجديد». إننا لمستغربون كيف يهبط التفكير لدى بعض الأميركان وبعض اليهود إلى هذا المستوى غير الديمقراطي وغير الإنساني.

العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً