العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ

احتفاء بالجسد كثقافة

مارسيل يغني لحداد، وأميمة خليل تقف إكراما للحب في المنامة، على المسرح فراشات تؤدي رقصاتها على إيقاع «مجنون ليلى»، التصفيق يشعل القاعة المكتظة حتى أخرها، هل هي نصوص جديدة لم نسمعها؟، هل هي إضافة وسمة جديدة في الموسيقى؟، أم هو صوت غنائي جديد، يقترح حضورا لافتا؟، أم أن الرقص قدم صورة مغايرة، وتجاوز الشكل الاعتيادي للباليه أو بخلط مدارس الرقص المختلفة؟، كنت أحاول البحث في التفاصيل التي ذكرها الأصدقاء لي، حين غادروا الأمسية في اليوم الأول، لأجدني في مكان مختلف، مكان تصله الثقافة الجسد، والثقافة كفعل حب.

لم تكن موسيقى مارسيل جديدة، فقد حملت الثيمة نفسها التي طالما عمل خليفة عليها، وكذلك غناء أميمة الرائع لم يكن متغربا منها، ولم تكن نصوص حداد جديدة، أو تم القاءها بصورة مغايرة أو مختلفة، وفي جانب آخر، لم يكن الرقص جديدا في سمته الغالبة، وإن حمل شيئا من الجرأة، فلست أبالغ إذا قلت إن الرقص عبارة عن حب على المسرح.

الجميل والمختلف يكمن في تلقي هذه التجربة من منظار ثقافي، فهي تتعامل مع فعل الحب ليس كتهمة، تحتاج أن تدافع عنها، بل قدمته كمقدس يحرم المساس به، وفعل الحب كطقس صوفي روحاني، هو أنبل أفعال الإنسان، هذه الثقافة التي قلت عنها احتفاء بالجسد كثقافة هي الرسالة التي حاول المقدمون إيصالها، وإن كان الرقص جريء بشكل ما، فلأنه يحاول صدم ثقافة مجتمع قائمة على أن فعل الحب وممارسته حرام، ونجس يستوجب التعزير والرجم.

بعيدا عن فرض قيمة من منظور اجتماعي أو ديني أو حتى فني، بعيدا عن تفاصيل بشأن جديد مارسيل في الموسيقى، أو بعث متغير للنص الذي قدمه حداد، بعيدا عن انتماء الرقص لمدرسة، أو هل أضاف إلى نص «مجنون ليلى» قراءة مغايرة أو متعمقة؟، بعيدا عن هوس التفاصيل، كانت الأمسية صدمة خلاقة، صدمة تجعلنا نعيد النظر في ثقافتنا، ونظرتنا المترسبة عن فعل الحب، إذ لم ترفع أمسية مجنون ليلى التهمة عن فعل الحب، لأنها أكدت طهرانيته وقداسته فقط، هي لم تحاول تبريره ورفع دونيته أو «نجاسته»، بل تعاملت معه على أنه طقس صوفي مقدس، وروحانية لا تغفر المساس بعناصرها.

كانت ليلة تحتفي بالجسد بوصفه حلقة ذكر مباركة، وآية تستحق الإذعان لكمالها، وبوصفه قيمة تنسب إليها وبها رفعت الموجودات وسموها، بذلك هي الجهة المعاكسة لثقافة ترى في فعل الحب رذيلة، توجب التطهير والعقاب، ثقافة تجد الحب ذنبا لا يبرئ صاحبه إلا رجما وتعزيرا، هذه الليلة أعادت المفاهيم إلى محلها ومكانها، ليلة كانت تقول بكل وضوح: تعسا لمستغفر عن فعل حب، ألا أن القائم بالحب قائم بالعبادة الحق، والصراط الحق.

هنا تبادل المواقف أمكنتها، ويصبح الحب سيد الموقف، إذ به تقاس القضايا لا بغيره، أي ليس بالمنظور الاجتماعي أو الديني، وبالنسبة لي ليس من المنظور الفني أيضا، فأنا أبحث عن جمالية تنحاز في طرحها لكل ما هو جميل، وإن كنت سأكتب عن تفاصيل الموسيقى أو الرقص أو الغناء أو النص فهناك أبواب أخرى يجب أن أعتمر قبعة الناقد فيها، وأقوم بتقديمها كما يجب، وبآلتها النقدية التي تليق بها، والتي لا أملك.

العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً