من خلال متابعتنا للأسباب التي تؤدي إلى الحالات السلبية في المجتمع سواء على مستوى العلاقات الزوجية أو علاقات أفراد الأسرة ببعضهم بعضا، وجدنا أن غالبيتها نتجت عن بعد تلك الأسر أو الأفراد أو الجماعات عن التعاليم الإلهية التي بلغها الرسول الكريم (ص) لأمته. عندما بحثنا في حالات الطلاق على سبيل المثال الذي كثر في هذه الأيام بين الفئات الشبابية بصورة مخيفة لاحظنا أن السبب الرئيسي في هذه المسألة جهل الزوجين أو أحدهما أو كليهما بالمفاهيم التربوية الأساسية، ما جعلهما لا يميزان بين الواجب والمستحب والمكروه والمحرم في علاقتهما الزوجية، فحياتهما يسيرانها في بعض مفاصلها خلاف الأوامر الإلهية السمحاء والسنة النبوية الشريفة.
وأحاول أن أستعرض بعض تلك الفئات التي تصدعت أو تضررت حياتها الزوجية بالشكل الذي يهدد بتفتت وضياع الأبناء وتأزم العلاقات الأسرية والاجتماعية بين أطراف كثيرة لها علاقة مباشرة بالزوجين، من جراء السقوط في حبائل الهوى والجهل بالتعاليم الإسلامية المحصنة لهذه الشراكة في كل زواياها المختلفة الإنسانية والمعنوية والمادية.
الفئة الأولى: رجل عارف بالمفاهيم التربوية الإسلامية بكل تفاصيلها وحيثياتها وحدودها، تزوج بامرأة جاهلة كليا بأبسط التعاليم الإلهية ولا تعطي لنفسها الفرصة للإطلاع أو الاستماع إلى شيء من تلك التعاليم الربانية حتى ولو على مستوى العناوين الرئيسية، وتعتبر نفسيا أن كل التعاليم الإسلامية التي تنظم الحياة الزوجية إنما وجدت لصالح الرجل وتكرس عبودية المرأة بصورة مطلقة للرجل... هذا المفهوم المغلوط والبعيد عن واقع التعاليم الإسلامية عند بعض النساء لم يأت من فراغ، فلو بحثنا عن حقيقة هذا الأمر سنجده إما أنه واقع عايشته تلك المرأة في فترات طويلة من حياتها من خلال علاقة والدها بوالدتها التي كانت تعاني الأمرين من تعامل أبيها المتسلط لأمها التي تراها مستضعفة لا حول لها ولا قوة أمام تسلط أبيها وجبروته الذي لا حدود له، ولم تجد من ينصفها ويعدل من وضعها المأسوي المرير، والأدهى من كل ذلك إذا كان الأب الظالم لأمها من المصلين والطائعين لله من خلال ممارسته الظاهرية، فتراه مكرما ومقدرا في مجتمعه وله مكانة متميزة في أوساط علماء الدين... هذه الحال النفسية التي تعيش الزوجة في دائرتها وكان سببها الأب الذي كان يفصل ما يتعلمه من التعاليم الإلهية عن علاقته الزوجية، وأكثر من كل هذا، كان بذلك السلوك السلبي يخالف ما ترشد إليه الشريعة الإسلامية تماما، والسبب الثاني أن الزوجة لم تحاول الاطلاع على حقوق الزوجة في الشرع الإسلامي من مصادره الحقيقية واعتبرت ممارسات والدها نابعة من الدين، فهذا التباين الواسع بين فهمي الزوجة والزوج للمعاني التربوية السامية التي سنها الله سبحانه وتعالى يجعل الزوجة الجاهلة تعيش في الواقع السلبي الذي صنعه والدها لأمها، والذي ليست له علاقة لا من بعيد ولا من قريب بالإرادة الإلهية التي تجل المرأة وتقدرها وتعطيها المكانة اللائقة التي تجعلها وكأنها الملكة في بيت زوجها.
فلهذا تلك الزوجة التي أوهمت نفسها بتعاليم بعيدة كليا عن أدبيات وأخلاقيات الإسلام، ترى أن تعامل زوجها العارف بالتعاليم الإسلامية والذي يحاول تجسيد ما يطلبه منه الرسول الكريم (ص) في حياته العملية خلاف ما كان يعمله والدها مع والدتها في أحيان كثيرة تظن خلاف الحقيقة وتتصور أن تعامل زوجها الإنساني لها بحسب ما تمليه عليه الشريعة الغراء عليه، أن لا يظلمها ولا يأمرها إلا في الحدود التي حددت له ولا يطلب منها خدمة في البيت، ولا يجبرها على رضاعة الأبناء إن هي رفضت القيام بهذا المهمة، ولا يخدشها بكلمة، ولا يمد يده عليها وأن يقوي شخصيتها أمام أولادها وبناتها وفي وسط أسرتها وأسرته ومجتمعه ويجلها ويقدرها ويوقرها ويلبي لها طلباتها التي حددتها لها الشريعة السمحاء.
تلك الزوجة ترى ذلك ضعف في شخصية زوجها، وبهذا المفهوم الخاطئ تبدأ التطاول عليه أمام الناس وأمام أولاده وفي المحافل الاجتماعية وفي كل وقت وحين، وكأنها تنتقم لأمها التي ظلمها أبوها، من زوجها الذي أراد إكرامها وتقديرها، ولا تكتفي بهذا القدر بل تتعداه إلى درجة أنها تقوم بإسقاطه في مجتمعاتها النسوية وتنعته في غيابه بنعوت ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تدري أنها بهذا العمل السلبي تهدم علاقتها الزوجية، ولا تدرك أن ما تمارسه معصية كبيرة يحاسبها الله سبحانه وتعالى عليها يوم الفزع الأكبر.
الفئة الثانية: زوجة فاهمة إسلاميا بكل الجزئيات المتعلقة بالحياة الزوجية وعارفة بالمرتكزات الإسلامية التي تكون حياة سعيدة هانئة تبنى على حسن التعامل والطاعة في حدود التعاليم التي حددها الباري لها تجاه زوجها، وبهذه الأسس القيمة تتعامل مع زوج متمرد أو جاهل بكل التعاليم الإسلامية التي تنظم علاقته الزوجية على أسس سليمة ومتينة، ذلك الزوج يفهم الزواج بمعناه البسيط والساذج الذي لا يرتقي إلى أكثر من أنه متعة وسنة من سنن الحياة، ولا يحمله أكثر من هذا المفهوم الخاطئ، وأكثر الأزواج الذين ينظرون إلى مسألة الزواج من هذه الزاوية سيتصورون أن ما تقوم به الزوجة من تطبيقها للشريعة السمحاء بأنه ضعف في شخصيتها، وبهذا المفهوم البعيد عن الحقيقة يتعامل معها وكأنها خادمة أو جارية ولا يتورع ولا يتقي الله في معاملته معها لدرجة أنه يؤلمها جسديا ومعنويا في كل حين وفي كل مكان ويحاول دائما أن يضعف من شخصيتها أمام أولادها وبناتها وأفراد أسرته.
وبعضهم يتجاوز هذه الحدود، و يتعامل مع صمتها وصبرها بعنجهية جاهلية حمقاء تؤدي في نهاية المطاف إلى إنهيار حياته الزوجية وبعد ذلك لا ينفع الندم.
الفئة الثالثة: زوج وزوجة بعيدان تماما عن كل التعاليم الإسلامية التي تشكل الدعامة الأساسية لبناء حياة كريمة وهانئة أسسها المودة والمحبة، وآلياتها التفاهم المبني على المنطق السليم. غياب الزوجين عن هذه المرتكزات الراقية يجعلهما يتخبطان في تعاملهما مع بعضهما بعضا ويكونان عرضة للاختلاف والشقاق اليومي ويختلفان في أكثر مفاصل حياتهما الزوجية لجهلهما وجعلهما الهوى حكما بينهما في حل مشكلاتهما، وسماحهما للأقارب والأباعد بالتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتهما، فالزوجة تفشي ما يحدث بينهما من خلاف إلى أمها وأبيها، والزوج بدوره ينقل كل ما يدور بينهما إلى أمه بالدرجة الأولى، فتلك تعطيها أمها التعاليم المتشددة، وذاك يستمع إلى إرشادات أمه التي تدعوه إلى أن يكون حازما وصارما مع زوجته وأن لا يعطيها الفرصة للركوب على ظهره كما يقولون، وعلى إثر تلك الإرشادات من القيادات المركزية للطرفين تشتد المواجهة ويتسع الخلاف ويتأزم الحال.
نقول قد تستمر الحياة الزوجية عند البعض، ولكن لن تكون قوية ورصينة، وفي أكثر الأحيان تدفع بهما نحو زاوية الطلاق والعياذ بالله، وتداعيات هذا القرار كثيرة لا حصر لها على واقع الأبناء في كل الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية ويصبح وضعهم لا يحسدون عليه. وهذا طبعا ينعكس سلبيا بصورة مباشرة على واقع المجتمع.
الفئة الرابعة: علاقة بنيت على أسس إسلامية بين زوجين مدركين للمفهوم الحقيقي للزواج ويعلمان أن الهدف السامي للزواج بناء أسرة وإنجاب أبناء صالحين يحملون رقيا في النفس ويتمتعون بمعنويات عالية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى رفيع، هدفهما في حياتهما الزوجية تحقيق أمنية الرسول الأكرم (ص) لأمته عندما قال مخاطبا الأمة «تناكحوا تناسلوا تكاثروا لأباهي بكم الأمم يوم القيامة»، وكلنا نعلم أن التباهي لا يكون إلا بالأمر الجميل والفاضل وليس من المعقول أن يتباهى الرسول (ص) بأمة لا تتقيد بالتعاليم الإسلامية في حياتها، ومطلب الرسول الأعظم (ص) أن يكون نتاج زواجنا طيبا صالحا نافعا لأنفسنا ولأسرنا ولمجتمعنا ولوطننا ولأمتنا، وخلاف ذلك يكون مؤلما وموجعا لقلب رسول الرحمة (ص).
علاقة زوجية تحقق ما يريده الله منها تكون حياة مباركة في كل مفاصلها وموفقة في كل خطواتها، وأساس ذلك الاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين، والحياة البعيدة عن كل المهاترات والقيل والقال واجتهادات الناس وتدخلاتهم في حياة الزوجين والانصياع التام للإرشادات النبوية في علاقتهما الزوجية والأسرية والاجتماعية.
ما أريد إيصاله إلى كل زوج وزوجة وإلى كل فرد ينوي الدخول في مشروع الزواج أن يبحث عن التعاليم الإسلامية الخاصة بالعلاقة الزوجية للتعرف على الأسس الرصينة التي تبنى عليها تلك العلاقة المقدسة حتى نتجنب الكثير من المنعطفات التي عادة تبرز بقوة وبنسب متفاوتة بين زوجين لم يستطيعا تلمس الهدف الحقيقي والواقعي من وراء الزواج. المسألة ليست صعبة ولا مستعصية بل هي في غاية السهولة، فمثلما تريد أن تنجب أبناء أصحاء جسديا وتتحرك باتجاه تحقيق هذا الهدف عن طريق إجراء الفحوصات الصحية قبل الدخول في مشروع الزواج وهو من الأمور المحببة والممدوحة عند العقلاء، فلابد أن تفكر في الزاوية الأهم بأن تنجب أبناء أصحاء معنويا لتجنبهم الوقوع في الرذيلة ولتجنب المجتمع كوارث اجتماعية لا يعلم مداها إلا الله جلت عظمته.
سلمان سالم
العدد 1673 - الخميس 05 أبريل 2007م الموافق 17 ربيع الاول 1428هـ