العدد 2534 - الخميس 13 أغسطس 2009م الموافق 21 شعبان 1430هـ

التيار الوطني الديمقراطي والخيارات الصعبة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وهو في خضم مساعيه من أجل تعزيز تماسك صفوفه الداخلية، وفي سياق محاولاته من أجل توسيع دوائر نفوذه في صفوف تحالفاته وجماهيره، سيجد التيار الوطني الديمقراطي نفسه أمام مجموعة من الخيارات صعبة المطالب بالتعامل معها وتحديد الأكثر ملاءمة له وتلبية لاحتياجاته.

هذه الخيارات ليست مرتبطة بشكل مباشر بانتخابات المجلس النيابي المقبلة، وإن كانت ذات علاقة ما بها. ذلك أن حصرها في تلك الانتخابات يقلص من بُعدها الاستراتيجي ويجردها من مقومات الاستمرارية والنمو.

الخيار الأول، وربما يكون الأصعب، وهو أن يخوض التيار الوطني الديمقراطي معاركه السياسية منفردا ومعتمدا على قواه الذاتية.

رغم كون هذا الخيار يعطي التيار بعض التميز والتفرد، لكنه بالقدر ذاته سوف يصدم ذلك التيار أول العقبات وأكثرها صعوبة وتعقيدا، والتي هي تمزقه كتيار عريض، وتشظي كل فريق من أعضائه على حدة. هذا التجزؤ، بغض النظر عن مسبباته التاريخية، يفقد مبرراته الراهنة، بحكم حاجة الساحة السياسية البحرينية إلى مثل هذا التيار الذي - بغض النطر عن صغر حجمه - بوسعه أن يصيغ مشروعا تنويريا مستقبليا، ليس على الصعيد السياسي فحسب، وإنما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أيضا.

هذا الخيار رغم صعوبته، لكنه يفتح أمام التيار الوطني الديمقراطي آفاقا واسعة للتأسيس لحركة مشابهة في مناطق الخليج الأخرى، وعلى وجه الخصوص تلك ذات الظروف الذاتية الناضجة مثل الكويت، الأمر الذي يغري هذا التيار بأن يولي هذا الخيار الاهتمام الذي يستحقه.

الخيار الثاني، هو تشجيع الشخصيات الوطنية المستقلة، ومن بينها الكتلة التجارية التي لا ينبغي التقليل من الحيز السياسي الذي تحتله أو يمكن أن تمثله في مراحل لاحقة، إن جاز لنا توصيفها ككتلة، من أجل تأسيس شكل من أشكال الحضور السياسي الذي يتلاءم وأوضاع تلك الشخصيات، ويلبي احتياجاتها، مع إشعار هذه الشخصيات، بشكل مستمر وملموس، بوقوف التيار الديمقراطي استراتيجيا، وليس انتهازيا، إلى جانبها، واستعداده للتعاون معها، والتنسيق مع القيادات التي تمثلها، من أجل صياغة برنامج عمل وطني ديمقراطي. ومن غير المستبعد أن يفاجأ التيار بتصدي تلك الشخصيات فعاليات ذلك البرنامج والأنشطة التي يدعو إليها.

الخيار الثالث، وهو التحالف مع القوى السياسية الأخرى، بمختلف تلاوينها، مع التمييز بين تلك القوى المصرة على معاداة الفكر الديمقراطي، بل ودون التردد في شن المعارك ضده، وبين تلك المناضلة من أجل التأصيل لبناء مجتمع مؤسساتي، حتى وإن كانت غير متفقة مع التيار الوطني الديمقراطي بشكل كلي. تقع على التيار الوطني الديمقراطي هنا مسئولية معقدة، ذات سمات مركبة، تتطلب منه وضع البرنامج السياسي القادر على جذب مثل هذه القوى الأخيرة التي يجمعها معه مهمة البناء، وإقصاء تلك التي تحاربه وتضع العراقيل في وجه مشروعه الوطني التنويري.

الخيار الرابع، ويحمل في أحشائه الكثير من أشكال التحدي، وهو اقتراب التيار الوطني الديمقراطي، بشكل حذر ومدروس، من بعض فلول السلطة التنفيذية السابقة التي وجدت أن من مصلحتها الالتحاق بركب التغيير، كي تكون لها حصتها من المغانم، بعد أن توصلت إلى قناعة مطلقة، أن عهد ما قبل الميثاق الوطني قد ولى إلى الأبد، ولا يمكن الحلم بعودته.

هذا الاقتراب من هذه الفلول بحاجة إلى دراية سياسية، لا يعدمها المنتسبون إلى التيار الوطني الديمقراطي، للتمييز بين الغث والسمين، والفرز الصحيح بين القوى التائبة والراغبة في التكفير عن ذنوبها، وتلك الانتهازية التي تريد ركوب موجة الانفتاح السياسي والاستفادة منها. هذه الحالة تجعل من طريق بناء علاقات مع مثل هذه القوى وعرة وصعبة، وتحتاج إلى قيادة ماهرة قادرة على الفرز السياسي الصحيح عند المنعطفات الحادة، ومتمكنة من الإمساك ببوصلة العمل الوطني كي لا تجرفها رياح هذه الكتل الانتهازية عن طريقها الصحيح. ولابد هنا من رفض أي من عناصر هذه القوى ممن ارتكب أي مستوى من مستوى الجرائم بحق الوطن أو المواطن.

الخيار الخامس، هو الاستعانة بمؤسسات المجتمع المدني غير المسيسة، والتعاون معها من خلال الاتفاق على برنامج محدد المعالم وواضح الأهداف، كي تشكل تلك المنظمات من خلال برامجها المتقدمة، وعناصرها النشطة، الحزام السياسي الواقي الذي يعزز من مواقع التيار الوطني الديمقراطي، ويقيه شر الضربات المباشرة التي قد توجهها له القوى المنافسة أو القوى المعادية في ان، أو على نحو مستمر ومتتابع. ولابد هنا عدم الاستهانة بقوة هذا السياج ودوره في احتضان التيار الديمقراطي وتوفير البيئة المناسبة له لتقوية عضلاته، وتنمية مهاراته، وإغناء خبراته.

الخيار السادس، وهو الأسوأ وهو خيار الانتظار بدلا من أخذ زمام المبادرة، والجلوس على مقاعد المتلقين بدلا من المرسلين. حينها سيجد التيار الوطني الديمقراطي أوضاعه شبيهة بأسماك «الدول» كما نطلق عليها باللهجة البحرينية العامية والتي هي أسماك قناديل البحر التي تتحرك بقوة الأمواج والرياح دون أن تكون لها القدرة على توجيه حركتها أو التحكم فيها، فتأتي نهاياتها غير متوقعة، وأحيانا على غير ما تحب هي.

الحديث عن هذا الخيار سببه خشيتنا من أن يكون هو الذي يجد التيار الديمقراطي نفسه فيه نظرا إلى تلكؤه من جهة، وافتقاده روح المبادرة من جهة ثانية.

هذه الخيارات ليست مستقلة عن بعضها البعض، ولربما ينجح التيار الوطني الديمقراطي في اكتشاف «خلطة» جديدة من بين ثنايا تلك الخيارات، وإلى أن نصل إلى هناك، تبقى آمال المواطن معلقة بمبادرات ذلك التيار.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2534 - الخميس 13 أغسطس 2009م الموافق 21 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً