العدد 2535 - الجمعة 14 أغسطس 2009م الموافق 22 شعبان 1430هـ

مسيرة استعادة الحقوق لا تبدأ بإعلان الخضوع

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في فلسطين المحتلة يواصل الزحف الاستيطاني الوحشي هجومه على القدس والضفة الغربية، ويعلن رئيس وزراء العدوّ أنه لن يُخلي أية مستوطنات جديدة، ولن يعود الى «ارتكاب خطأ» الانسحاب من مستوطنات غزة - كما زعم - متسلّحا باستطلاعات الرأي التي أفادت تأييدَ أكثر من 60 في المئة من اليهود لسياسته الاستيطانية، وخصوصا في السيطرة على القدس... في ظل عمليات تهجير جديدة للعائلات الفلسطينية منها، الأمر الذي يؤكد مجددا أن العدوّ يتصرف وفق برنامجه الداخلي الذي لا يحسب فيه أيّ حساب لأيّ عملية تسوية، في وقت يواصل فيه غاراته على أطراف غزة، ويتلقى المزيد من برقيات التأييد العربية الآتية من تحت الطاولة أو من فوقها.

إننا نريد للفلسطينيين الذين يُراد لهم أن يستغرقوا في مؤتمراتٍ داخليّة هنا وهناك بعيدا عن حسابات مشروع المقاومة، بأن مسيرة استعادة الحقوق لا يمكن أن تبدأ بإعلان الخضوع لشروط العدوّ، أو الأخذ بتفاصيل النصائح والتعليمات الدولية والعربية؛ لأن الجميع بات يسعى للتخلّص من عبء هذه القضية التي لن يُكتب لها الاستمرارية إلا باعتماد المقاومة لا مجرد التلويح بها كخيار، وبسلوك خط المواجهة الصريحة بعيدا عن استجداء المواقع الرسمية التي حسمت خيارها بإعلان الانكسار المستمر أمام العدوّ، وبالانطلاق في ما تقتضيه حركة الوحدة الوطنيّة والإسلاميّة من أجل تحصين الساحة الداخليّة أمام التحدّيات المقبلة.

أما العراق الذي عاش أهله أحلام الحرية والاستقلال مع بداية خروج المحتل من مدنه وعاصمته، فقد عاش كابوسا داميا في عمليات التفجير الوحشية والإجرامية، التي قتلت وجرحت المئات في بغداد والموصل وغيرهما من المدن والمواقع، والتي استخدم فيها القتلة أبشع عمليات التفجير التي قُتل فيها العمّال والأسر الفقيرة المنكوبة التي قضت بين بيوت الطين التي لا تحميهم من حرّ الصيف.

لقد كشفت هذه العمليات الوحشية مجددا عن الوجه الحقيقي لأولئك القتلة الذين لا يمثلون النقيض للاحتلال، ولا يتشرّفون بالانتماء الى المقاومة، ولا يمتّون بصلة الى مسألة التحرير، بل الى خطوط الحقد والكراهية والجهل، والإسلام من أفعالهم براء.

إننا نريد لعلماء المسلمين، من السنّة والشيعة، أن يرفعوا الصوت عاليا بوجه هؤلاء؛ وذلك هو أبسط ما يتوجّب على العلماء أن يفعلوه أمام هذا المنكر الصريح؛ لأنّ سكوتهم على ذلك يوحي لهؤلاء التكفيريّين الحاقدين بأنّ هناك غطاء شرعيّا لكلّ ما يقومون به من سفك الدماء البريئة والاعتداء على المدنيّين الآمنين.

وفي جانب آخر، يطلق العدوّ الإسرائيلي تهديداته للبنان، وهو يحاول الإيحاء بأن ثمة عنصرا جديدا من عناصر الردع فرضه التوازن الذي انطلق في الحرب الأخيرة على لبنان، والذي نعيش ذكرى انتصاره في هذه الأيام، وهو عنصر استهداف المدنيين والمواقع المدنية كافة سواء أكانت جمعيات خيرية أو مساجد أو مستشفيات، وهو الأسلوب الذي استخدمه العدوّ في حربه الوحشية على غزة.

إننا نعرف هواجس العدوّ الذي يعيش حالة من الخوف يعمل على تصديرها من خلال وابل من التهديدات التي لم يبقَ مسئول إسرائيلي إلا وتحدّث متوعدا ومهدّدا، ولكنّنا - في المقابل - نريد للبنانيين أن يكونوا على جاهزية، وخصوصا الجيش والمقاومة، للردّ على أية حماقة يعتقد العدوّ أنه يمكن من خلالها أن يُعيد الهيبة وقوة الردع لكيانه الذي تعرّض لكثير من الاهتزاز في الحرب الأخيرة على لبنان، كما نريد لكل الجهات السياسية اللبنانية أن تردّ على مسئولي العدوّ لتؤكد على الوحدة في مواجهته مهما اختلفت التوجهات في القضايا السياسية الداخلية، ولتضع أمامه حاجزا يمنعه من الدخول على خط الأوضاع اللبنانية الداخلية التي لطالما عمل على استغلالها للعبث بالوضع اللبناني الداخلي، بالمواقف السياسية، والحركة الاستخبارية، وحتى بالعدوان المباشر.

ونحن نسأل المسئولين في الدولة: مَن المسئول عن كل هذا الدمار الذي يعيشه البلد في أزمة الكهرباء الملتهبة في حرّ الصيف، وفي هذه الأرقام المتصاعدة لأعداد الفقراء في لبنان، حيث يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الى أن أكثر من 28 في المئة من اللبنانيين باتوا فقراء... ومَن المسئول عن الغلاء الفاحش الذي بدأت أرقامه تتصاعد على أبواب شهر رمضان المبارك، ومن يتحمّل المسئولية حول أزمة المحروقات التي أشعرت اللبنانيين جميعا بأن شيئا لم يتغيّر فعليا منذ أن تهاوت أسعار النفط الى أدنى مستوياتها؟!

إننا نسألهم جميعا: هل يمكن تقديم الحلول للبطون الخاوية والجيوب الفارغة بجرعات التفاؤل أو التشاؤم التي ترافق تشكيل الحكومة؟

إننا نستمع الى كلمات وتحليلات وتأويلات حول ترميم هذا البيت، وترتيب البنيان الحزبي أو المذهبي أو السياسي هنا وهناك، ولا نستمع الى كلمات حاسمة في ضرورة ترتيب البيت اللبناني كله، وإعداده إعدادا متكاملا لمواجهة العدو المتربّصين به شرا من لصوص الأوطان وتجّار السياسة ممّن أدمنوا لعبة القتل بالرصاص وبالحرب النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي فعلت فعلها في البلد، ولا تزال فصولها تتوالى على حساب لقمة الفقراء وجهد المستضعفين وعطاء المحرومين.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2535 - الجمعة 14 أغسطس 2009م الموافق 22 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً