العدد 1692 - الثلثاء 24 أبريل 2007م الموافق 06 ربيع الثاني 1428هـ

هل تقتحم «إسرائيل» الجامعة العربية قريبا؟

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

فاجأني صديق عزيز بسؤال مثير، هل تقتحم «إسرائيل» رواق الجامعة العربية قريبا، في ظل التطورات الجارية!؟

قلت له: إن السؤال صادم، لكن الاحتمال قائم...

قال: أعطني مزيدا من الإفصاح...

قلت له: إن التطورات المتسارعة، منذ القمة العربية الأخيرة في الرياض، توحي بأن العرب قرروا اتخاذ خطوات غير مسبوقة، لتحريك المبادرة العربية التي سبق طرحها العام 2002 في قمة بيروت، وذلك بعد سنوات من النوم والركود، في ظل تجاهل أميركي ورفض إسرائيلي للمبادرة... إن الفضاء العربي يزدحم هذه الأيام بحديث ملغز وملتبس عن إعادة طرح المبادرة، وها نحن نسمع منظومة جديدة من الألفاظ، مثل تحريك وتفعيل وترويج وتسويق المبادرة، ومثل التمسك بالمبادئ الرئيسية للمبادرة «استعادة الأرض العربية المحتلة العام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والتوصل لحل جذري لقضية اللاجئين الفلسطينيين»، مقابل الاعتراف العربي والتطبيع مع «إسرائيل».

والواضح أن غموضا لايزال قائما حول حقيقة ما تم الاتفاق عليه في كواليس قمة الرياض بهذا الشأن، هل تم التمسك فعلا بالمبادرة كاملة ومبادئها كلها، أم تم تعديلها والتخفيف من شروطها، بحجة إغراء «إسرائيل» بقبولها، وبشعار إعادة التسويق والتفعيل والترويج!.

وإذا كان ذلك قد حدث فعلا، فهل السبب هو الاستجابة للضغط الأميركي العنيف والرفض الإسرائيلي البات، طلبا للتعديل، وخصوصا أن الطرفين رفضا بصورة علنية مبدأ العودة تماما الى حدود العام 1967، ومبدأ إعادة اللاجئين الفلسطينيين تطبيقا لحق العودة!.

وبالمقابل فإننا ننام ونصحو على تصريحات علنية، خصوصا من الأمين العام للجامعة العربية، ومن وزراء خارجية عرب مهمين مثل وزير الخارجية المصري ووزير الخارجية السعودي، بأنه «لا تطبيع مجانيا مع (إسرائيل)»، ولا تطبيع أصلا قبل أن تقبل «إسرائيل» المبادرة العربية...

بينما يرد رئيس وزراء «إسرائيل» بأن في المبادرة عناصر إيجابية، يمكن لـ «إسرائيل» أن تفتح محادثات بشأنها مع الجامعة العربية، وهي مستعدة لأن تبدأ ذلك فورا... بل إن الحديث عن قرب استقبال «إسرائيل» لمسئولين عرب غير عاديين، صار حديثا متداولا بقوة في الدوائر السياسية والإعلامية، على اساس أن ذلك هو الطريق الأوحد... مباحثات مباشرة مع دول عربية كانت ممتنعة من قبل فاتحة بابا للتطبيع حتى لو كان ضيقا في البداية...

لم يعد الخلاف إذا على المبدأ، بقدر ما أصبح الخلاف على الشكل، ولم يعد الحديث عن حوار إسرائيلي مع مصر والأردن بحكم إقامة علاقات كاملة معهما، ولكن الحديث عن دول مثل السعودية والإمارات، العضوين المكملين للرباعية العربية، بل إن الطموح الإسرائيلي أصبح يتحدث عن حوار مع الجامعة العربية ذاتها ككيان ممثل لمجموعة الدول العربية، ومنظمة إقليمية عربية الطابع والمنشأ والهدف، نشطت في مجابهة «إسرائيل» طوال عقود مضت وربما انتهت!.

ولا يخفى على أحد أن حالة من الغموض المتعمد، هي السائدة الآن، على الأقل من الجانب العربي، الذي لا يفصح عن الحقيقة، بل هو يتعمد حجب المعلومات الأساسية، ويلجأ من باب التمويه ربما، إلى إعادة صوغ العبارات وتلوين الكلمات وطرح صياغات غير محددة المعالم، مثل الترويج والتسويق والتفعيل.

وأظن أن الأمر بدأ في التغيير والقبول، منذ فترة سابقة، لإعادة هيكلة فكرة تفعيل المبادرة العربية بعد أن أصابها الجمود، وظهر ذلك واضحا منذ أن أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قبل شهور، أن المبادرة العربية لا تحمل أية آلية للعمل والتطبيق، وهكذا بدأ التحرك على أكثر من طريق عربي وأميركي وإسرائيلي، بحثا عن الآلية المطلوبة.

ترحيب أميركي بالمبادرة، بعد طول تجاهل، بشرط وضع آلية عملية، وإعادة طرحها بصورة أكثر إغراء لـ «إسرائيل» وترحيب جزئي إسرائيلي بالعناصر الإيجابية فيها مع استمرار رفض صارخ لمبدأين من مبادئها، ثم حركة عربية على نار هادئة، استوت في قمة الرياض، التي أفرزت لنا صيغة جديدة، هي التمسك بالمبادرة من حيث المبدأ، لكن العمل والتحرك العربي الرسمي بدأ لإعادة تسويقها أو إعادة تزويقها، ربما بالتخلي عن بعض شروطها!.

فجأة تشكلت الرباعية العربية، من مصر والسعودية والإمارات والأردن، وفجأة نشطت الدبلوماسية الأميركية مع هذه الرباعية، وسط احتجاجات من دول عربية أخرى على احتكار هذه الرباعية للتداول بشأن قضية العرب، الصراع العربي الإسرائيلي، وفي قلبه القضية الفلسطينية...

ومن ثم بدأت محاولات لاتزال جارية، لإضافة سورية وفلسطين ولبنان، إلى الرباعية العربية، باعتبارها دولا لها أرض تحتلها «إسرائيل» لكن المحاولات مازالت عاجزة وقاصرة حتى الآن...

وأظن أن خروج قمة الرياض بقرار تكليف لجنة عربية جديدة هي «لجنة مبادرة السلام العربية» المشكلة من 13 دولة، كان الحل للخلاف بشأن احتكار الرباعية العربية للأمر برمته... وفي حين كلفت هذه اللجنة الموسعة قبل أيام في اجتماعها بمقر الجامعة، مصر والأردن ببحث إعادة طرح وترويج المبادرة مع «إسرائيل»، بحكم العلاقات القائمة، فإنها كلفت آخرين من أعضائها بالاتصال بالرباعية الدولية وبأميركا والأمم المتحدة خصوصا، على أمل الحصول على اعتراف إسرائيلي بهذه المبادرة إلى جانب مباركة أميركية اساسا، هنا، يأتي الإعلان المفاجئ لزيارة العاهل الأردني لـ «إسرائيل» بعد أيام قليلة، وفي أعقاب تصريحات له مثيرة للجدل، مستعيدا زيارة الرئيس السادات قبل نحو ثلاثين عاما للقدس...

وإلى أن يحدث ذلك، إننا أمام مراوغة حقيقية من جانب كل الأطراف، «إسرائيل» تقفز إلى الأمام بخطوة استباقية، حين تتحدث عن حوار مباشر مع الجامعة العربية ولجانها، وأميركا تضغط بكل قوتها، والعرب منفتحون أكثر من أي وقت مضى لفتح الأبواب والنوافذ، بصرف النظر عن إلحاح التصريحات العربية الرسمية، القائلة إنه لا تطبيع ولا اتصالات مع «إسرائيل»، قبل إعلان موافقتها على المبادرة...

والواضح أن جميع الأطراف دخلت حرب التصريحات العلنية، بينما هي دخلت أو توشك أن تدخل، حرب المحادثات الخلفية والسرية، فكل من يتلقى خدمات وكالات الأنباء والصحف ومواقع الانترنت، يقرأ حديثا فياضا عن تفكيك الإصرار والعناد العربي السابق، وعن المرونة والواقعية الجديدة التي يبديها العرب، ومن مشروع إعادة توطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم، في سورية ولبنان والأردن ومصر والخليج وبلاد الغرب الأوروبي الأميركي، مقابل رصد موازنة مالية ضخمة «قدرت في بعض مصادر الأنباء بنحو مئة مليار دولار» لإقامة مشروعات جديدة لهؤلاء اللاجئين في بلادهم الجديدة، وهي موازنة يقولون إنها بإسهامات دولية، لكن العبء الأكبر منها يقع على كاهل الدول النفطية الغنية...

وبقدر ما تخطت السياسة العربية الرسمية، خطوطا كانت حمراء محظور تجاوزها، سبق أن أقرتها قرارات عربية ودولية، بقدر ما وضعت «إسرائيل» خطوطا حمراء لا تريد أن تتجاوزها، خصوصا فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين، وبالجلاء عن كل الأراضي التي احتلها خلال عدوان 1967، وبالتخلي عن القدس وتفكيك المستوطنات...

هنا تضغط أميركا بقوة وتبتز الأطراف العربية بعنف، لتخفيف الشروط والمحاذير والمحظورات وبقبول الحلول الوسط، التي تقبل بها «إسرائيل»، مثل إلغاء التشدد في حق عودة اللاجئين وفي العودة لحدود 1967...

والضغط الأميركي الشديد هذا ليس هدفه حلا شاملا عادلا للصراع العربي الإسرائيلي، بقدر ما أن هدفه نقل بؤرة الصراع في المنطقة، وتغيير بوصلة العرب، من مواجهة «إسرائيل»، إلى مواجهة إيران، ترويجا للمقولة التي أصبحت شائعة، والتي اقتنعت بها بعض الدول العربية، وراح يروجها بشدة فريق المتآمركين والمطبعين العرب، وخلاصتها أن الخطر الأكبر على العرب، لم يعد قادما من «إسرائيل» ولكنه قادم من إيران بمشروعها النووي الطموح!.

الآن، في ظل كل هذه التطورات، علينا أن نتذكر المشروع القديم الذي طرحه منذ سنوات طويلة، شيمون بيريز، ونعني مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي يبشر بالأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، القائم على تحالف بين المال النفطي العربي، والأيدي العاملة العربية الرخيصة، والكفاءة العلمية والتكنولوجية الإسرائيلية...

علينا أن نذكر أيضا أن مبدأ مهما من مبادئ مشروع بيريز، يقوم على توسيع المنظومة الإقليمية، لتضم الدول العربية و «إسرائيل» وربما تركيا، كبديل لمنظومة الجامعة العربية، التي فشلت منذ قيامها العام 1945 في تحقيق أي إنجاز، سواء في الحرب أو في التنمية أو في الديمقراطية، وهذه مقولات لم تعد مقصورة على صاحبها الأصلي «بيريز» بل صرنا نقرأها ونسمعها من عرب كثيرين!.

أخشى القول إننا ننزلق بنعومة نحو هذه الخطوة، من دون أن نحسب جيدا المكاسب والخسائر، في قضية قومية مصيرية، وهو انزلاق تزوقه وتلونه وتروجه وتسوقه وقائع تجري في الخفاء، وسط غياب معلومات حقيقية أمامنا عن طبيعتها وأساليبها وهدفها النهائي، على رغم «مرة أخرى» كل التصريحات الحماسية النافية لأي تطبيع أو حوار مع «إسرائيل»، من دون حل عادل شامل للصراع المزمن وحين تغيب المعلومات عن قصد، وننزلق خطوة خطوة، رغبة في نفض اليد وإبراء الذمة، تحت ضغط الخلل في موازين القوى، فإننا نجري نحو الانتحار لا نحو السلام.

خير الكلام: يقول المتنبي:

عش عزيزا أو مت وأنت كريم

بين طعن القنا وخفق البنود

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1692 - الثلثاء 24 أبريل 2007م الموافق 06 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً