العدد 1692 - الثلثاء 24 أبريل 2007م الموافق 06 ربيع الثاني 1428هـ

انتخابات جنوب إفريقيا... توجه الصراع السياسي إلى عدالة

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

يشاد دائما بتجربة جنوب إفريقيا في أخذها بنظام التمثيل النسبي بالقوائم الحزبية في الانتخابات البرلمانية الأولى في البلاد في العام 1994م، بعد فترة 300 سنة من الاستعمار و40 سنة من حكم التمييز العنصري، الأربارتايد. البرلمان السابق كان للبيض فقط وفق نظام الفائز الأول والحاصد لكل شيء، ويقال الفائز يأخذ كل شيء، بمعنى أنه لا توجد نسب من المقاعد لمن يأتي بالأصوات الأقل، وكانت الحركات السياسية تعمل بسرية... الا إنها برزت لتتنافس على أصوات 35 مليون مواطن و 400 مقعد برلماني بالجمعية الوطنية وفق نظام انتخابي جديد، يعتمد قائمة التمثيل النسبي. النظام يعمل هكذا، نصف المقاعد، 200 مقعد، تأتي من 9 قوائم للتمثيل النسبي في المحافظات، والنصف الآخر من المقاعد 200، تأتي من قائمة وطنية بالتمثيل النسبي أيضا ولكن على مستوى البلد. وكان الحد الأدنى للتمثيل الوطني في المسودات المبكرة لنظام الانتخاب يساوي 5 في المئة، إلا أن التوافق الوطني أدى لإعفاء الأحزاب جميعها من أي حد إجباري أو نسبة من الأصوات للدخول في التنافس على المقاعد. ذلك كان قرارا تشاركيا حريصا على تمثيل جميع الأحزاب حتى المتوسطة والصغيرة منها.

كان لحركة نلسون مانديلا آنذاك الفوز في ظل أي نظام انتخابي، لشعبيتها الواسعة وقوتها الماحقة، ولكنها فضلت تعزيز أجواء المصالحة الوطنية والاستقرار والتخلص من العنف السياسي. ويحلل الباحثون أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يترأسه نيلسون مانديلا كان بإمكانه جني نصيب جيد من المقاعد يفوق حتى نسبته الفعلية من التصويت، التي كانت تشكل 62 في المئة من الأصوات، في ظل نظام الفائز الأول السائد... نظرا إلى التجانس العرقي للدوائر والمراكز الجغرافية للتأييد، بمعنى أن حزب نيلسون مانديلا لم يكن محتاجا للتنازل لأي حزب في الوقت الذي يستطيع فيه الاستحواذ على غالبية المقاعد. ولكن مانديلا أبدى نبلا وطنيا وقدم نموذجا سلوكيا للعمل السياسي المشترك. فوفق النظام الانتخابي السابق كان لأربعة أحزاب صغيرة ألا تنجح في الحصول على مقعد واحد، ولكنها فازت وفق نظام التمثيل النسبي وفعلت دورها النوعي في الأجهزة التنفيذية فيما بعد.

أما ورقة الاقتراع فتألفت من ورقتين، واحدة للجمعية الوطنية والأخرى للانتخابات الإقليمية، بمعنى أن الناخب كان له صوتان وليس صوتا واحدا. وفي أول جلسة برلمانية جلس السود مع البيض، والمسلمون مع المسيحيين، والليبراليون مع المحافظين، والزولو مع الخوسا، فقائمة التمثيل النسبي القومية كانت متنوعة وضمت جماعات متنوعة عرقيا من المرشحين في دعوة واسعة وعريضة للمشاركة وفق أطياف المجتمع.

نتائج انتخابات الجمعية الوطنية تلك، ضمت 52 في المئة من السود من مختلف المنابع القبلية، و 32 في المئة من البيض، و8 في المئة من الهنود و7 في المئة من الملونين، مقارنة بجمهور الناخبين الذي شكل فيه السود 73 في المئة،والبيض 15 في المئة، والملونين 9 في المئة، والهنود 3 في المئة. أما النساء فقد شكلن 25 في المئة من عضوية الجمعية الوطنية.

ويقدر الباحثون أنه لو كان نظام الفائز الأول مطبقا في انتخابات 1994م في جنوب إفريقيا بعد السماح للسود بالتصويت، لكان قد كرس المزيد من أشكال التمثيل الاستقطابية، دوائر البيض كانت ستنتج البيض، دوائر الخوسا كانت ستنتج الخوسا والزولو لدوائر الزولو وهكذا. وكانوا يتوقعون عددا أقل للنساء. إلا أن نتائج تغيير النظام الانتخابي إلى التمثيل النسبي بالقائمة، سمح بتمثيل مجموعة متنوعة من الأعضاء يسهل التعامل معهم من قبل الأطياف الشعبية المختلفة، وفي العام 2004م حصل الحزب الأفريقي الديمقراطي المسيحي على 6 مقاعد مقابل 16 في المئة من الأصوات على المستوى الوطني.

وعلى الرغم من عدالة النظام الانتخابي الجديد في جنوب إفريقيا، فان التحدي يظل في كيفية زيادة المحاسبة الديمقراطية للنواب الذين ضعفت الرابطة الجغرافية بينهم وأهل الدائرة وتمثيلهم للناس، ذلك انه حتى تلك الدوائر الإقليمية كبيرة أيضا وتمنع الاتصال الحميم مع النواب. ونظرا لتكرار الشكوى من أن النظام الجديد لا يوفر تمثيلية قريبة من الناس ورغبة في الأخذ بآراء الناس تم تشكيل لجنة خاصة ومستقلة للقيام بهذه المهمة، واقترحت اللجنة مقترحان.

الأول هو تصغير الدوائر مع الاحتفاظ بنظام قائمة التمثيل النسبي، و الثاني بمناصفة المقاعد بين نظام الدائرة المنفردة العضوية ونظام التمثيل النسبي بالقائمة. وبعد مناقشات وطنية مطولة آل المقترح إلى تقسيم البلاد إلى 69 دائرة، في كل دائرة عدد من النواب يتراوح بين الثلاثة والسبعة مع الاحتفاظ بربع المقاعد البرلمانية للتعويض على المستوى الوطني. المقترح رفض في انتخابات 2004 ويبدو أنه سيرفض في انتخابات 2009م.

نستخلص من تجربة جنوب إفريقيا أن لاختيار النظام الانتخابي تأثيرا كبيرا في إدارة الصراع المجتمعي إذ ساهم نظام التمثيل النسبي بالقائمة في حل الصراع المجتمعي وخلق مجلس يمثل أكبر الشرائح المجتمعية (Conflict management) لأنه اهتم بتمثيل أوسع القوى السياسية بوعي ورغبة حقيقية في الشراكة السياسية والاجتماعية، وتم تفضيل المصالحة الشعبية على الهيمنة والاحتكار من قبل الجماعات والأحزاب الكبيرة عدديا.

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1692 - الثلثاء 24 أبريل 2007م الموافق 06 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً