العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ

التجريب محاولة لاكتشاف المجهول

«أدخلتُ خطاب الجسد»... السعداوي:

لا يمكننا أن نتلمس الظل حتى عن قرب، إلا أننا نصاب بدهشة حالمة ومريبة في كيفية تموجاته بعكس صلابة الجسد الأصل، عبدالله السعداوي واحد من هؤلاء الذين يخذلونك بجدارة حينما تبعث فيك نية الاقتراب منه لتغوص أكثر في مناحيه، فتكتشف بعد جهد جهيد أنه يقترب منك ويغوص فيك أكثر مما كنت تأمل منك ذلك، تراه يحمل خشبته ويطوف بها على الواقفين، عله يجد من يسعفه «أو يصلبه»، تراه في عفوية لا يخرج من عباءتها ولا يتنكر لهويتها التي ظل محافظا عليها، هو هكذا يغريك بنظراته وطلاقته، ظل وحيدا يحمل عبء خشبته حتى وصل... فوقف يدير نظره في البعيد وصرخ «الآن أجدني».

في بادرة سعى الكاتب حسام أبوأصبع في رصد كل ما يؤرخ هذا الرجل لئلا تضيع بصماته على خشبات المسرح، فقد وقف أبوأصبع يحفر ذاكرة الزمن ليستخرج ما يقدمه للتاريخ.

سنوات طوال قضاها السعداوي على خشبة المسرح بين أضوائه الساطعة والخافتة بين اتساعه تارة وضيقه تارة أخرى بين ديكوراته وبين شخوص صنعها وشكّلها، فنفخ فيها من روحه وبعثها خلقا جديدا، بين أجساد تؤمن برائحة التعب، وأجساد توقن بأن كل حركة لها دور فاعل في ترميز الدلالة أو بيانها، بين شحوب الوجوه وقسماتها... بين المسرح والسعداوي الذي عمل بكل طاقته ليحل الجسد نصا متوازيا بثقة مع المفردة.

فهل تكفي بضع ورقات من الحجم المتوسط تحل محل السعداوي؟!

سعى جاهدا الكاتب حسام أبوأصبع ليضع نهجا يؤسس من خلاله كل ما كُتب عن تجربة هذا المسرحي، الذي يرفض القوالب الجاهزة والمصدرة، وسعى لابتكار ما يؤسس عليه منهجه الخاص وذوقه، فخرج عن المألوف بخطوات رزينة حتى بلغ ما يصبو إليه، فشهد في حقه الأصدقاء الألداء، والأعداء الأوفياء.

لقد أوقعنا أبوأصبع في 160 صفحة ليبهرنا بقامة السعداوي، فخرج الكتاب يحمل بين طياته هذه الأبواب (المقابلات، والبورتريهات، والعروض المسرحية، لمحات فنية، شهادات، حوار، ووثائق وصور). فجاء السعداوي فيها أبيض كشعاع نور يتوهج بين كل هذا.

إذ كتب في مقدمته «إن الذي دفعني إلى الدخول في هذا المشروع الإحساس بقيمة الرجل على المستويات كافة فهو حالة نادرة قلما تصادف في الحياة من يشبهها» وكتب أيضا «لقد مرت تجربة السعداوي بتعرجات ومنعطفات كثيرة، فكل مسرحية عنده بمثابة البحث عن منطقة تكون مجهولة في البداية وتتضح شيئا فشيئا» كما أجلس أبوأصبع على مائدة السعداوي الكثير من الأسماء التي قال عنها إنها الأكثر قربا من تجربة السعداوي وربما الأكثر نقدا لتجربته في الوقت نفسه.

فالناقد والكاتب يوسف الحمدان اسم تكرر أكثر من مرة في هذا الكتاب؛ لعلمه بالسعداوي ومعايشته له عن قرب، فقال في مقال بعنوان «تجريب الممثل في مسرحية الرجال والبحر» هذه المسرحية التي قدمها قبل السعداوي المخرج العراقي عوني كرومي وشاهدها السعداوي فقال الحمدان: «وعلى رغم أن السعداوي حاول نقل القليل جدا من تفاصيل تجربة الدكتور كرومي المسرحية إلا أنه دلف برؤيته ومعطياته وتصوراته اختص بها عرضه الذي جوّده بإخلاص هواة نادي مدينة عيسى واستطاع - بلا مغالاة - أن يتميز بها فنيا ويستقيل بها كعرض مسرحي مختلف تمام الإختلاف عن تجربة كرومي... مضيفا عليها بصماته الإخراجية بوضوح». ويقول أثير السادة في مقام اللمحات الفنية في مقالة بعنوان «الدلالة المسرحية في سياق الكارثة «: «رؤية إخراجية تتحرك على مستوى الأداء وبنية الصورة، تمضي بنا إلى طقس السعداوي الخاص المشغول بنسج دلالاته من تقاطع بنية الإيقاع البصري للعرض وبنى المتلقى الفكرية... بمعنى انكشاف الدلالات المتدفقة من العرض وانفتاحها على قابليات المتلقي التأويلية».

جاء الكتاب بفهرسة تحتوي القليل من الأبواب التي عرض لها الكاتب أبوأصبع متنقلا تنقلا دقيقا بين الأبواب متسلسلا بفنية الكاتب الحاذق في تكوين عرض شيق عن تجربة السعداوي، صدر الكتاب عن مسرح الصواري، وبدعم خاص من قطاع الثقافة والتراث الوطني للعام 2006م.

العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً