العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ

جدليات الساحة السياسية

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

غادر المقاطعون مواقعهم مودعين معها حقبة سياسية من تاريخ البحرين، استمرت أربع سنوات بحلوها ومرها، بعد مرور عام على ميثاق العمل الوطني وبعد حدوث تعديلات على الدستور بشكل غير متوافق عليه، توجهوا إلى رحاب المشاركة بعد مخاض عسير وصعب مع قواعدهم الشعبية، خصوصا أن الشارع يرى ان الأسباب التي دعت المقاطعين لمقاطعة الانتخابات السابقة، لم تنتف بعد، وفي ذلك تتحمل قيادات القوى السياسية في ذلك النتائج والتداعيات المستقبلية للمشاركة كما تحملتها سابقا عند قرارها في المقاطعة.

نزوحهم من موقع المقاطع إلى المشارك ينم عن وجود رغبة حقيقية منهم في الإصلاح السياسي والمشاركة في أبعاده إلى جانب بحث المسألة الدستورية من داخل البرلمان، لا لكونهم رضوا بالأمر الواقع كما يحلو للبعض أن يصفه، وأن التعديلات الدستورية لا تمثل أولوية لهم، صار ما صار من تطورات سياسية ساخنة وقرارات مصيرية، على رغم ذلك لاتزال جدليات الساحة السياسية تطل علينا بقوة، فحديث جدلية المقاطعة والمشاركة لم ينته بل لا يزال مفتوحا ولم يشبع نقاشا حتى مع مشاركة المقاطعين، بل أصبح المنظرين أكثر تألقا في التنظير بشأن المشهد السياسي الحالي وتداعياته المستقبلية وعلى مستقبل العمل السياسي للبحرين بعد المشاركة.

سيتجدد تحليل موضوع المقاطعة والاستقراء فيه مع كل قرار نوعي يمر على المجلس النيابي وتفرز إفرازاته المبيتة فيه، حتى المقتنعون بجدوى المشاركة عندما يتعرض المجلس النيابي لأية عرقلة حكومية أو أية وقفات نوعية من النواب باتجاه نصرة الموقف الحكومي يشعر بالحنق على التجربة.

كما لايزال هناك مراهنات عدة بشأن المقاطعة والجدوى منها، طالما أن هناك مؤسسات دستورية يمكن من خلالها تحقيق برامج القوى السياسية ومراهنات عن المشاركة والجدوى منها طالما أن هناك صلاحيات بسيطة ومحدودة للتغيير وللإصلاح، وأمام هذه الجدليات السياسية التي لا حصر لها قناعات وقناعات مضادة.

أمام تلك الصراعات أظن بأن القوى السياسية عندما قررت المشاركة قبلت تحدي الشارع وعلى الشارع أن يراقب التجربة ويقومها بنفسه ليكون الحكم في النهاية، والمتابع لخطاب المعارضة إبان العمليات الانتخابية يجد بنفسه أنه لم يكن خطاب متفائل، بل كان يشير إلى التحديات التي تترقب المشاركين، وأن هناك الكثير من المعوقات التي تحول دون تحقيق انجازات، لكن لا يعني هذا أن تظل القوى السياسية على المدرجات مدد طويلة تتفرج على كل ما يحاك لها، وما يتم البت فيه من عمل سياسي في البحرين وهم لا حول لهم ولا قوة.

كان لزاما عليهم أن يتخلوا عن أماكنهم، وينزلوا من مدرجاتهم إلى الميدان السياسي حيث «هذا الميدان يا حميدان» على رغم أنهم في النهاية لا يمكنهم أن يلعبوها صح فكل خيوط اللعبة السياسية في يد النظام، وعليهم أن يكونوا فقط هم الأدوات التي من خلالها تعطى الشرعية الممكنة لكل القوانين والتشريعات التي يراد لها أن تشرع.

بدليل مصادرة كل الآراء وكل وجهات النظر التي لا تتفق مع الطرح الحكومي، وفتح الأبواب لتلقي الاملاءات الفوقية مقابل اثمان رخيصة جدا تتمثل في معظمها بإعطائهم أوسمة السلطة التشريعية الشكلية والانجازات الزجاجية التي ما إن تدق عليها إلا وجدتها قابلة للكسر كما أنها تعكس بصريح العبارة هويتها المعهودة.

التوافقات السياسية هي الأخرى أصبحت حلما تسعى القوى السياسية لتحقيقه داخل مجلس يوصف بكونه رسميا لا يمثل الشعب بل يمثل الحكومة وتطلعاتها وتوجهاتها وها هو دور الانعقاد الأول قد شارف على الانتهاء، وكان بمثابة فصل علاقات عامة وتوافقات وطنية ما عدا المرحلة النوعية التي تميزت به طلب الاستجواب والذي كشف حقيقة الموالين من نواب الحكومة، في المقابل نجد أن هناك استخفافا بالمعارضة داخل المجلس حتى لا يكون التشريع في يدهم.

صحيح ان من يرأس اللجنة التشريعية والقانونية هم من نواب المعارضة بمعنى أدق الوفاق ولكن من تتحكم في أجندة اللجنة الحكومة وليست المعارضة والمجلس النيابي المحسوب عليها، وخصوصا ان المجلس معين، فهناك 18 نائبا منتخبا مقابل 62 نائبا معينا.

أعتقد بأن الاملاءات الخارجية والقناعات الداخلية صراع سيستمر وستزيد حدته مع الأيام والبقاء للأقوى والافتراض الأكثر منطقية أنه لو تركت الساحة السياسية مفتوحة لكل القوى السياسية أن تقرر مصيرها دون تدخلات فاضحة، وترك المجال مفتوحا أمام الصراع ما بين القناعات السياسية والتي تنم من الداخل، وبين الاملاءات السياسية التي تنم من الخارج لكان هناك حراك نسبي يحسدون عليه في ظل وجود أقلية معارضة وأكثرية موالاة، ولكن حتى القناعات السياسية غير مسموح بها على الانطلاق في الوقت الراهن، اذ لا تزال أسيرة وبالتالي ما يسود هو الاملاءات اما الانجازات فتبقى جد محدودة، فمسلسل مصادرة الإرادات السياسية ستطول حلقاته والبعض إذا حوصر أضطر إلى الإذعان بأن هناك تعليمات وتوجيهات فوقية تحول دون إبراز آرائهم بكل شفافية فكيف لمسلسل جدليات الحياة السياسية أن تنتهي حلقاته فهناك استغلال سياسي مقابل استحقاقات مدعومة وتمرير صفقات رهيبة تفوح منها رائحة تشبه رائحة الفساد المالي الذي يزكم الأنوف.

المشهد السياسي يؤكد أن هناك كر وفر في أركان العمل السياسي وأنه دون أدنى شك أمر لا بد منه، ولكن ينبغي أن تكون مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار لا نريد له أن يكون شعار براق جميل نتغنى به ونرفعه فالعمليات الانتخابية انتهت وأسدل الستار وينبغي أن نعمل على تحقيق البرامج الانتخابية بتذليل كل الصعاب، ليكن الشعار دافع لنا على المضي قدما تجاه كل ما يلبيه.

أظن بأن المجلس النيابي أحد مطالب القوى السياسية أبان انتفاضة التسعينيات المباركة، ولا يمكن التفريط فيه بأي حال من الأحوال، جاء المطلب من خلال تشخيص دقيق للواقع السياسي المعاش ليكون المجلس حاملا لكل هموم الناس وقضاياهم بلا استثناء ، لا أن يقف عقبة أمام قضاياهم، لذلك لا بد من استغلال كافة الأدوات الدستورية وترك المصالح الذاتية أو الشخصية والنظر بعين واسعة لكل القضايا والهموم المفتوحة وعلى رأسها الهموم المعيشية، فالنائب أما أن يكون ممثلا للشعب يتحدث بلسان حاله أو أن يعتزل العمل النيابي ويترك المجال لغيره من المخلصين.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً