العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ

السلف... «العمل من خلال المنكر لإزالة منكر أكبر»

لا تقترب ... فأنت سلفي

المحافظة الوسطى - ندى الوادي 

12 يونيو 2007

كيف ستشعر لو كنت تعمل «من خلال منكر لإزالة منكر أكبر»؟ فأنت تعلم أنك في منكر «لا مفرَّ منه» لكنك تعلم أيضا أن من الخطأ أن تبتعد عن هذا المنكر، لأنك بذلك تكون قد ساهمت في شيوع منكر أكبر وأشد خطورة، والحل لديك أن تشارك في هذا «المنكر» عساك تجعل أهل الدين هم أهل العزة والحظوة والقول النافذ، كله من خلال هذا «المنكر».

هكذا يرى السلف، أو على الأقل بعضهم، المشاركة في البرلمان، والحياة السياسية، وتكوين الأحزاب والجماعات. ولكي تقترب من طريقتهم في التفكير واتخاذ القرارات السياسية، عليك أن تعرف أولا المنطلقات والجذور الدينية التي تحركهم. والتي تجعلهم مختلفين مع الإخوان المسلمين في تلك المواقف، والتي تجعلهم يتعاطون مع كثير من المصطلحات والمفاهيم والجماعات بشكل معيّن، والتي لا تجعل منهم «كتلة برلمانية موحّدة المواقف» داخل البرلمان البحريني مثلا. محاولة فهم الفكر السلفي ذاك تفتح نافذة واسعة لفهم رؤية السلفي تجاه الآخر، كل الآخر. الآخر من طائفة أخرى، الآخر من دين آخر، الآخر من جماعة أخرى، أو ذلك الآخر البعيد، الذي لايزال عدوا متربصا بالدين. فتح تلك النافذة الواسعة لفهم الرؤية السلفية، قد تجيب عن تساؤلات كثيرة في تفسيرهم لمفاهيم كثيرة معاصرة كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وتفسر ولو قليلا طريقة تعاطي تلك الجماعة في البحرين مع هذه المفاهيم عبر عدد من التطبيقات العملية.

في الحلقة الماضية من ملف «السلف في البحرين» عدنا إلى الجذور التاريخية للسلف في الدول العربية وتحديدا في المملكة العربية السعودية، حاولنا أن نلقي الضوء أكثر على الفروقات بين مفاهيم التيار السلفي التقليدي، والتيار السلفي الجهادي، ومفاهيم التكفير. واستمر حديثنا معتمدا على شرح مفصل من سلفي كان أحد متهمي خلية الستة في البحرين. وفي هذه الحلقة الثالثة من الملف سوف نتطرق إلى أبرز الفروقات بين التيار السلفي وتيار الإخوان المسلمين كما ذكرها محدثنا، لنقترب أكثر من المفاهيم التي يؤمن بها السلف في البحرين.

نقاط التقاطع والاختلاف بين الفكر السلفي والفكر الإخواني

يقول محدثنا «التيار الإخواني هو أكثر التيارات التي تأثرت بالسلفية في كل من الكويت والبحرين، ولا نتجاوز عندما نقول إن الفكر بينهما واحد، فعامة العاملين حاليا في كل من التيارين الإخواني أو السلفي لا يوجد فرق كبير بينهم إلا في المظهر. وعلى رغم الاختلافات الكبيرة السابقة بين الإخوان وبين السلفيين، إلا أن هذه الخلافات الفكرية تكاد تكون اختفت. ولذلك لا نجد مشاكسات كثيرة من الناحية السياسية بينهم، فقد صاروا متقاربين جدا من ناحية الفكر الديني، ولم أعرفهم أقرب من بعضهم البعض فكريا أكثر من هذه المرحلة». وعن شرحه للفروقات بين السلفيين والإخوان يقول «السلفيون جادون جدا في مرجعيتهم الفكرية، بينما للإخوان المسلمين مرجعيات متعددة، فالمرجعيات في سورية تختلف عن المرجعيات في مصر أو في الكويت أو غيرها من دول الخليج العربي، وهو يدل على أنه ليس للإخوان فكر موحد. ففكرهم يتغير بحسب الثقافة الشائعة، بينما فكر الثقافة السلفية واحد في كل مكان، إذ أن هناك وضوحا شديدا في مطلب السلفيين، بينما ما يجمع الإخوانيين كنواة هو الانتماء الحزبي وليس الانتماء الفكري. فربما يختلف الإخواني في انتمائه الفكري مع غيره، ولكنهم جميعا يشتركون في الانتماء الحزبي». ويؤكد محدثنا التقارب الفكري الكبير بين التيار السلفي والتيار الإخواني في منطقة الخليج العربي حاليا، غير أنه يعود ليقول إن «الفكر السلفي كان له تأثير على كل التيارات السنية لوضوحه وشفافيته والإجماع على مرجعياته، فمرجعيات السلفيين هم العلماء القدامى للحديث والتفسير والمعترف بجهودهم وعلى رأسهم ابن تيمية، ولهذا فإنه يصعب على من يريد أن يتثقف في المذهب السني أن يخرج عن إطار هذه المرجعيات. أما مفكرو الإخوان المسلمين الحداثيون مثل حسن البنا وسعيد حوا فهم الذين كتبوا وقعدوا بناء على تلك المرجعيات ولكن بشكل عصري حداثي. وللفكر الحداثي عصره وسرعان ما يجتمع عليه الغبار، ففي النهاية ما يرجع إليه القضاة وأصحاب الفتوى هو الفكر السلفي ؛لأن مرجعياته يوثق فيهم بدرجة أعلى من المفكرين الحداثيين الذين تتغير فيهم المرجعيات بتغير الوضع السياسي في البلد».

السلفية والفكر الحداثي

غير أن للسلفية أيضا مفكريها الحداثيين الذي يعتبرون «مجتهدين في الإطار الدعوي» وعنهم يقول محدثنا « كثير منهم لم يكونوا فقهاء ولكنهم تكلموا في الموضوع الذي يمس الأمة الإسلامية وهو كيف تتصرف بعد سقوط الخلافة الإسلامية، هل يجوز أن يكون هناك عمل جماعي، ما هي الفتوى التي تكون الكلمة الفصل، على أي فتوى تجتمع الأمة مع اختلاف البلدان، كيف هي صورة العالم الإسلامي بعد أن يبتعد الحكم السياسي عن الفكر الدين؟» كل هذه الأسئلة كانت الشغل الشاغل للمفكرين السلفيين الحداثيين الذي كان أبرزهم الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق في الكويت». ولا بد أن نذكر هنا بروز التيار الإصلاحي من السلفية الذي أعقب ظهور السلفية الجهادية، فقد امتد هذا التيار الإصلاحي ليشمل أفرادا وتجمعات وتيارات مختلفة، ولكن يجمع بينها العمل الإصلاحي والاعتدال النسبي. وقد استفاد هذا التيار في السنوات الأخيرة من توجه الحكومة السعودية للحوار وإتاحة المجال للنشاط الإصلاحي، فأنشئت مواقع على الإنترنت تعبر عن هذا التيار، مثل موقع «الإسلام اليوم» الذي يشرف عليه الشيخ سلمان العودة، ومن قادة هذا التيار ورموزه أيضا: سفر الحوالي، وعائض القرني. ويندرج في هذا التيار أيضا عمل إسلامي واسع ينتمي إلى مدرسة الإخوان المسلمين بعضه منظم وبعضه مجتمعي أو فردي أو مؤسسي، ومن أعلام ورواد هذا الاتجاه عدد كبير من الشباب والعلماء والمثقفين ممن يحملون شهادات علمية عالية في شتى أنحاء المعرفة والمهن ومن خريجي الجامعات الأميركية والغربية.

السلفية... وأعداؤها

وعلى رغم الخلافات التي تراوح مكانها بين السلفيين وبين الإخوان المسلمين، فلا يخفى «العداء المتجذر» بين السلفية وبين عدد من المذاهب والجماعات الإسلامية التي تجد لها صدى في البحرين. ومن تلك الجماعات الشيعة، والأشاعرة، والمعتزلة، وأهل التمذهب.

يقول محدثنا: «أهل التمذهب هم من أشد أعداء السلفية لأنهم يرون أنها بدعة وأنها مذهب خامس وأنه لا يوجد غير أربعة مذاهب، ويرون أن السلفية تروج للتلفيق عبر جمع أكثر من فتوى من أكثر من مذهب، وأنها دمار وتلاعب بالدين، أما الأشاعرة فبينهم وبين السلفيين خلافات تاريخية كبيرة لا تخفى».

سألته هنا: «يتهمونكم كسلفيين بأنكم أدخلتم البحرين إلى ساحة نزاع طائفي كبير، فهل هذا صحيح؟» فأجابني «لا ننكر أن البحرين وصلت إلى واقع بشع من النزاع الطائفي، فصرنا في حال أسوأ مما مرّ علينا في أي وقت تاريخيا، ولكننا لا يمكن أن نتجاهل أن كل الأطراف ساهمت في الدخول إلى ساحة النزاع الطائفي ذاك. أنا أعرف أن البعض يضعون قائمة سوداء للسلفية يسجلون فيها كل ما يمكن أن يحسبونه عليها من مساوئ، ولكن أرجو أن لا توضع هذه التهمة على قائمة السلفية؛ لأنها ليست اللاعب الوحيد في الساحة السياسية، فهناك كثير من اللاعبين من مختلف الطوائف والكل يضرب في الآخر لأسباب سياسية، تحولت بعد ذلك إلى طائفية».

مهاجمة ربيع الثقافة

محدّثنا يؤكد أن السلف في البرلمان البحريني ليسوا كتلة، فالخلاف واضح تماما للعيان في مواقفهم السياسية التي تصبح مفهومة عندما نفهم الفكر السلفي الذي يعطي مساحة كبيرة من الحرية في أخذ الفتوى الدينية في كل أمر. لكن السلفيين في البرلمان سيجتمعون على الدوام على موضوعات شبيهة بموضوع لجنة التحقيق البرلمانية في «تجاوزات» ربيع الثقافة. يفسر محدثنا ذلك فكريا بقوله «السلفيون دخلوا البرلمان من منطلق الدخول في منكر من أجل إزالة منكر أكبر. فعلى رغم أن البرلمان منكر بالنسبة إليهم، إلا أن المنكر الأكبر هو أن يتسلط على البلاد أعداء الإسلام، لقد دخلوا البرلمان لكن ليسود الدين ويكون لأهل الدين العزة والحظوة والأمر النافذ، وأن تسير الدولة على ما أراد الله ورسوله فهو خير للناس لدنياهم وآخرتهم. وعندما طرح موضوع ربيع الثقافة، وعلى رغم أنه استغل سياسيا، إلا أن موقف السلفيين في البرلمان من هذا الأمر كان متوقعا، فكأنما كان لسان حالهم يقول «الآن وقت فزعتكم، فلماذا تحملتم إثم هذا المنكر، أليس من أجل إزالة إثم أكبر ومنكر يطال أشخاصا أكثر، فأثبتوا ذلك اليوم».

غير أن تقييم محدثنا للعمل السياسي للسلفيين في البرلمان يأخذ منحى آخر، فلا يزال يرى السلفيين وأهل السنة والجماعة بشكل عام يحملون «ثقافة سياسية سطحية» بعكس الشيعة الذين يراهم أكثر نضجا في الأداء السياسي. يقول محدثنا «هذا الأداء السياسي نابع أساسا من التنشئة الاجتماعية التي يمر فيها الفرد في المؤسسات الدينية، فمساجدنا تبث مفاهيم طاعة ولاة الأمر، في الوقت الذي تبث فيه مآتم الشيعة روح الثورة على الظلم. ناهيك عن الخبرات التي مر بها الشيعة من تشريد إلى الخارج والذي علّمهم الاستفادة من التجارب الخارجية».

أوقفته هنا فسألته «ماذا عن الكتلة السلفية في مجلس الأمة الكويتي، ألا تحمل نفس الأفكار السلفية، فكيف تبدو قوية جدا ومرعبة بالنسبة للحكومة؟» فأجابني «أعتقد أن الكتلة السلفية في الكويت استأسدت مع الوقت ومع تراكم الخبرة البرلمانية، كما لا يمكننا أن نغفل أن ما يتمتع به التيار السلفي في الكويت من ثقافة عالية وتجربة مرّ بها رجالات التيار بدراستهم في الخارج، وربما يتغير الوضع بالنسبة للكتلة السلفية في البحرين، فقد بدأت في خط موالٍ وموازٍ للحكومة، ولكن أصواتها بدأت تعلو بالشكوى ؛لأنها تقدم الكثير ولا تحصل على مقابل من الحكومة، وهو الأمر الذي ربما يقود إلى استئسادها يوما ما».

حقوق الإنسان والمرأةوالديمقراطية

في نهاية لقائنا مع محدثنا «السلفي» كان لا بدّ أن نتطرق إلى تقاطعات مهمة في الفكر السلفي، تعكس تفسيره لعدد من المفاهيم المعاصرة التي يكثر الحديث عنها هذه الأيام. حقوق الإنسان، المرأة، والديمقراطية.

يقول محدثنا عن حقوق الإنسان « للأسف فإن المدرسة السلفية لا تتحدث عن حقوق الإنسان إلا في معرض الرد على من يطالبها بها، فالسلفية لا تنشر ثقافة حقوق الإنسان وإنما تنشر ثقافة حقوق الراعي والتي تعتبر جزءا مهما من عقيدة السلفيين. ولكننا نعترف بوجود نقص في التقعيد العلمي لحقوق الرعية التي قلما يتم الاهتمام بها كموضوع مستقل من قبل المدرسة السلفية. ولكن لو أردنا أن نتحدث عن حقوق الإنسان في الفكر السلفي فلا بد أولا أن نقوم بعملية التقعيد العلمي لهذا المصطلح، فننظر إلى ما تحويه هذه الكلمة من معاني يوافق عليها الشرع فنقبلها وما يخالف فنردها. فأي مفكر سلفي سيقوم بتعريف حقوق الإنسان على أساس النصوص الشرعية في الفقه والفتوى». ماذا عن المرأة؟ يقول محدثنا « النظرة إلى المرأة في الفكر السلفي هو النظرة إلى الرفيقة والأخت والأم، فالسلفي لا يخرج عن الإطار الإسلامي العام في احترام المرأة. أما المرأة السلفية في مجتمعنا المحافظ فهي تفضل الابتعاد عن العمل والتفرغ للواجب المنزلي، إلى جانب نشاطها الدعوي للنساء الذي يشجعها عليه الرجال لأنهم يعتبرون أنفسهم مقصرون فيه بسبب التحفظ الذي يتمتع به مجتمعنا في العلاقات بين الجنسين، فيتركون هذا الدور الدعوي للمرأة كمدرسة أو واعظة أو غير ذلك. أما عن مشاركة المرأة السياسية فالسلفية لم ترضى أبدا بمشاركتها في البرلمان، كيف وهم يتمنون لأنفسهم لو تعود الأمور إلى سابق عهدها قبل البرلمان عبر ولي أمر يتولى قيادة الدولة بنفسه ويوكل ديوانا للرقابة وآخر للشورى ؟ فكيف يمكن للسلفية أن تقبل بزج المرأة في هذا المعترك وهي أساسا رافضة لمشاركة رجالها فيه؟». غير أن الفكر السلفي كان أكثر حدة في تحليله لأبجديات الديمقراطية منه في تعامله مع مفاهيم حقوق الإنسان وحقوق المرأة. يقول محدثنا «في الانتخابات: يرى السلف أن من يجب أن يمثل الشعب هو النخبة التي ينتقيها الإمام للشورى وليست الانتخابات التي تسمح بأن يشترك الصالح والطالح في اتخاذ القرار. الانتخابات هي جزء غير مرضي عنه في الفكر السلفي التقليدي، والديمقراطية يراها بعض السلفيين كفرا لأنها بدعة غربية وضحت مقاصدها السيئة للعيان، فحتى أهل الفاحشة لهم من ينوب عنهم في البرلمان. غير أن البعض الآخر من السلفيين يخضعها للتقعيد، فينظر إلى ما يوافق منها الشرع فيأخذه وما يخالفه فيرده. فمثلا الدعوة إلى حرية الرأي والتعبير في الديمقراطية، تخضعها السلفية لخطوط حمراء، أولها: شرائع الإسلام وحدوده لا يتكلم فيها إلا علماؤها، ثم إنه لا يجوز انتقاد ولي الأمر علنا أبدا». أما بالنسبة لتقعيد العمل السياسي البرلماني المعاصر فهو عائد إلى ولي الأمر فإن أراد أن يُمارَس على ما فيه من نقد فلا نملك إلا أن ننصحه، إلا أن ذلك يتم دون مخالفة أمره».

السلف والإخوان... الأعداء «الإخوة»

الوسط - محرر ملف

ثمة بلا شك تداخل كبير في مستوى الطرح الإعلامي بين تنظير دعاوى «العنف» بين جماعتي السلف والإخوان. وهو ما لا يزال موضع «شك» و»تشكيك» من قبل الكثير من الساسة والإعلاميين على حد سواء.

ما هي حدود العلاقة «السلفية الإخوانية»، البعض يصفها اليوم بـ «النقية» والبعض الآخر يراها عكس ذلك. وتأتي ثيمة «العنف» ودعاوى «الإسلام الجهادي» كثيمة مركزية ارتبطت حديثا كحركة انشقاق إخوانية وسلفية كما يصفها الإخوان والسلف معا. مختلفون جدا حد «القطيعة» لكنهما معا ساهما في تأسيس ما يسمى اليوم بالإسلام الجهادي السلفي والذي يتبرأ منه الطرفان معا.

ويربط الباحث الإسلامي كمال حبيب مواكبة «ظهور التيارين الجهادي والسلفي» أو ما يطلق عليه «التأسيس الثاني لجماعة الإخوان» في مطلع السبعينات، بنقطة «الوعي» لعذابات «الإخوان» في السجون الناصرية التي انتشرت على نطاق واسع في عصر السادات».

منطقة التورّط بين السلف والإخوان فيما يتعلّق بدعاوى تبني العنف التي اعتبرتها منطقة «شائكة» و»قلقة»، تتوزع فيها الاتهامات وتختلف نقاط التأويل من تجربة لأخرى والإخوان العائدون من سجون عبدالناصر فترة السادات - بحسب حبيب - أعلنوا «أنهم يتبنون بشكل كامل ما جاء في كتاب «دعاة لا قضاة» الذي وضعه حسن الهضيبي في السجن، وكان ذلك يعني نبذ المواجهة بشكل تام مع النظام السياسي المصري باعتباره نظاما مسلما،».

وتكتمل المفارقة التاريخية بحسب تعبير الباحث في علاقة التيار الجهادي البازغ داخل الجامعات المصرية بالإخوان بقرارالإخوان أنفسهم «أنه لا وقت لديهم لتضييع الوقت مع أفكار الشباب الجهادي في حواراتهم مع التيار الطلابي الجديد لاستقطابه للدخول في الجماعة. وأعلن شيوخ الجماعة الخارجون من السجن أن سيد قطب لا يمثل الجماعة في أفكاره وأن الشباب القطبي الذي تبنى أفكاره ليس من الإخوان».

وتكمن في هذه الزاوية بالتحديد نقاط الفصل المركزية بين تيار الإخوان الذي لايزال متقوقعا داخل «مثلت أفكار قطب» والسلفية الجهادية التي نشأت مع الحرب الأفغانية ضد السوفييت التي دعمتها الولايات المتحدة وحكومات عربية عدّة، وهي ذاتها من تلاقي عقبات هذا التأسيس نفسه.

التيار الإخواني الذي رفض دعوات الهضيبي كان نواة التيارين الجهادي والسلفي المصريين وهما نقاط الالتقاء التي مثلت نموذج التحالف التاريخي بين بن لادن والظواهري خاصة.

يقول حبيب: «ويمكن القول إن التيارات الجهادية كانت تمثل استمرارا لتقاليد «النظام الخاص» الذي أسسه الشيخ «حسن البنا» مع تطور أفكاره نحو صورة جماعته من ناحية وقراءته للواقع المصري الداخلي والواقع الإقليمي فيما يتصل بالقضية الفلسطينية خاصة. أما التيار السلفي الذي بزغ في السبعينات فهو يمثل استمرارا لتقاليد النظام الخاص من حيث قوة التزامه وتمسكه السلوكي والأخلاقي وأيضا العقائدي، لكن التواصل مع أفكار السلف بدا واضحا بقوة مع سيد قطب إذ قدر له أن يطالع كتب السلف القديمة، كما أن الشباب الذين كونوا معه تنظيم العام 1965 قد وضعوا مناهج فكرية ودراسية تمثل استمرارا لمناهج النظام الخاص التي أشار لها أحمد عادل كمال في كتابه «النقط فوق الحروف» وكان البعد السلفي واضحا فيها».

ويضيف «اعتبر التيار الجهادي أن الإخوان المسلمين قد فرّطوا في تراثهم المواجه والمجاهد وأنهم رضوا بالخنوع والعمل وفق القواعد التي يقررها لهم الطاغوت بالتعبير الإسلامي. أما التيار السلفي فقد اعتبر أن الجماعة لا تلتزم قواعد المنهج السلفي لا في التصوّر ولا في السلوك، واستطاع التيار السلفي أن ينتشر بقوة مع التواصل الكبير بين الحالة الإسلامية المصرية وبين هذا التيار في المملكة العربية السعودية وكانت المطبوعات السلفية تنتشر بقوة، كما كان استحضار صورة السلف المثالية يداعب خيال الشباب في هذه الفترة والذي اعتبر أن الإخوان بصورتهم الجديدة والمعدلة لا تقارن بصورة السلف الذين هم خير القرون وهم صورة الالتزام بالمنهج الإسلامي بشكل كامل، وليسوا بصورة الإخوان التي تعد شكلا من أشكال التكيّف مع الحضارة الحديثة والواقع الجاهلي أكثر منها تعبيرا عن مواجهته أو مقاومته».

ثيمة مركزية يحملها السلف معهم عن الإخوان خاصة، وهي أنهم «حضاريون» «متأقلمون» مع الواقع المعاش وليسوا ذوي توجه حقيقي، ويشكك السلف كثيرا في سلوكيات نظرائهم «الإخوان» التي يعتبرونها أشبه بالتنازلات التأسيسية في صعيد الاشتغال النظري والتطبيق العملي على حد سواء.

مصريا، مد الجماعة الإسلامية انحسر كلية مع أواخر التسعينات، وأصبحت «السلفية» ندرة أو سبّة مصرية وعاد الإخوان لإحكام سيطرتهم في المؤسسات الجامعية وحققوا حضورهم السياسي الذي فقدوه. يقول حبيب «فإذا أضفنا إلى ذلك اعتبار أميركا أن التيارات السلفية المتماهية مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية في مرجعيتها هي خطر مطلوب مواجهته، لبدا أن الإخوان هم القوة السياسية الكبيرة التي لا تنافسها قوة إسلامية أخرى على الساحة، وأنها الجواد الرابح من كل الأحداث الجارية رغم تعرض أبنائها لقمع محدود لا يقارن بالقمع الذي لايزال مسلطا ضد أبناء التيار الجهادي».

ويلخص الباحث القضايا الرئيسية التي يختلف فيها التياران الجهادي والسلفي مع الإخوان المسلمين بالنظر لكتاب الظواهري الأخير «فرسان تحت راية النبي»، إذ اعتبر الظواهري أن «جماعة الإخوان تنمو تنظيميا لكنها تنتحر عقائديا وسياسيا»، وقال إن «الجماعة أسقطت كل تاريخها في النضال بما يحتويه من دماء الشهداء وقروح المعذبين ووجل المطاردين، بل وبكل ما يتضمنه تاريخها من التمسك بمبادئها وعقيدتها».

ويلخص الباحث هذه المفارقات بين التيارين وفق النقاط التالية:

- أن الإخوان - بحسب السلفية - نبذوا مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل كامل، وأنهم يؤيدون الأنظمة الجاهلية ويعتبرونها أنظمة مسلمة رغم أن مرجعية هذه الأنظمة علمانية تستبطن العداء للإسلام والمسلمين وتسخر كل أدواتها السياسية والإعلامية والتعليمية ضد القيم الإسلامية.

- تأييد الإخوان لهذه الأنظمة يضفي الشرعية عليها رغم أن الحكم الشرعي هو مقاومتها والخروج عليها أو على الأقل منابذتها وعدم الدخول في طاعتها «إذ الطاعة في المعروف» ومن ثم عدم منح الطاعة لهذه الأنظمة هو واجب شرعي.

- انتقد التياران السلفي والجهادي اعتبار التغيير عبر صناديق الانتخابات أداة شرعية، فهم يرون أن الانخراط في دخول الانتخابات والأعمال ذات الطابع الحزبي وسيلة مخالفة للشريعة الإسلامية بجانب كونها لن تؤدي إلى أي تغيير، فالبرلمانات هي بيت الطاغوت الذي ينازع الله أخص خصوصياته وهو حق التشريع.

- ينتقد التياران الجهادي والسلفي جماعة الإخوان في كونها تقوم على التجميع دون التربية العقائدية التي تحدث عنها سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق» تحت عنوان «جيل قرآني فريد»، وكان من آثار التجميع الذي جعل أكثر من مليون يدخلون الجماعة قبل قيام الثورة - وفق ريتشارد ميتشل - هو عدم الثبات في المحنة، إذ أيد الكثيرون عبد الناصر في السجون ولم تثبت إلا فئة قليلة. ويرى هؤلاء أن التربية العقدية المتينة هي الكفيلة بحماية الدعوة والحركة وليست الأعداد الغفيرة من دون تنقية العقيدة وتصفية التجمع الكبير، ويتبنى التيار السلفي ما يطلق عليه منهج «التصفية والتنقية».

- يتحدث التيار السلفي نفسه عن عدم الوضوح العقيدي فيما يتصل بطبيعة الفكرة الإخوانية التي تبدو لهم وكأنها نوع من التلفيق بين الصوفية والسلفية والسنية والهيئة السياسية والجماعة الرياضية والرابطة العلمية والثقافية والشركة الاقتصادية والفكرة الاجتماعية.

- ينتقد التياران الجهادي والسلفي مسألة الشخصانية عند الإخوان ولكن من منظور شرعي، إذ يرون أن المنتمين لجماعة الإخوان يبالغون في تقديس وتعظيم شخصية البنا والمبالغة في اتخاذ كلامه وطريقته وكأنها نوع من الدين الذي تذوي معه شخصية الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، ذلك لأن التربية الإخوانية تركز بشكل مبالغ فيه على الرسائل والمأثورات والأوراد والأذكار المأثورة عن البنا أكثر من التركيز على المصادر الأخرى في الشريعة.

العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً