العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ

كيف كانت مقابلات الجامعيين العاطلين عن العمل؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

لا أريد من وراء كتابتي لهذا المقال اليوم التقليل من شأن الجامعيين العاطلين عن العمل، ولا أحاول أن أزيد جراحهم أو المزايدة عليهم، فأنا على كل حال أتعاطف معهم بدرجة كبيرة وأتمنى أن يكون هناك فعلا حس وطني صادق لإيجاد مخارج عملية لهم للاستفادة من طاقاتهم الواعدة التي يمتلكونها، فضلا عن وضعهم على السكة الصحيحة لبناء مستقبلهم الوظيفي ومن ثم الاجتماعي.

ولكن، لكوني قد تطرقت في مقالات سابقة إلى موضوع مقابلات الجامعيين العاطلين عن العمل الذين عرضت عليهم العمل ضمن وظيفة «بائع»، والتي كان لبعضها ردة فعل غير إيجابية، والمنطلقات غير المقبولة لدى البعض لا الكل أن الجامعي لا ينبغي له أن يعمل في أية وظيفة، بل عليه أن يعمل ضمن تخصصه وعلى الجهات المعنية أن توفر له الفرص، فليس هو من يدفع ضريبة التخبط والعشوائية وعدم التنسيق، وهذا ما نتفق عليه ولا نعارضه أبدا بل نجد بالفعل أن من واجب الدولة أن توفر الفرض الوظيفية لكل من لديه القدرة على العمل ومكافأة المجد والمخلص والذي قضى جزءا من حياته على مقاعد الدراسة لا التخلي عنه وتجاهله وتجاهل واجباته.

ولدي بعض الملاحظات التي أحاول إبرازها للوقوف عليها، الجامعي العاطل عن العمل الذي انتقص من وظيفة «بائع»، كانت هناك أيضا ردة فعل ومقاومة من قبل الأشخاص الذين قابلوا العاطلين ربما أكبر من الوظيفة، فهناك وجهات نظر متبادلة، والأسباب في ذلك كثيرة، لعل أبرزها ضعف مستوى الخريجين، وضعف المهارات والقدرات الشخصية لديهم، إلى جانب ضعف مهارات الاتصال والتواصل، فضلا عن عدم إلمامهم باللغة الإنجليزية.

وفي ذلك ألوم الجامعة التي درس فيها الطلاب بالدرجة الأولى، إذ إنها نجحت في تخريج أجيال جامعيين، ولكنها فشلت في إكسابهم مهارات في غاية الأهمية، إذ بدونها لا يمكن الانخراط مباشرة في سوق العمل، السوق اليوم يتكدس فيها الجامعيون العاطلون عن العمل، والفرص المتوافرة قليلة ومحدودة، ولكن المتوافر تنقصه الكثير من المهارات، في حين أن السوق يريد أن يغطي احتياجاته الوظيفية بموارد بشرية مدربة وقادرة على الإنتاج والإنجاز بلا عناء ولا تعب، وهناك من يؤمن بالتدريب وهناك من لا يؤمن به ولا يقبل بالتدرج.

الجامعي اليوم إذا تخرج من الجامعة وهو لا يعرف كيف يكتب سيرته الذاتية ولا يعرف أساليب التسويق لنفسه فهذه مشكلة كبيرة، وإذا دعي إلى مقابلة شخصية بغرض التوظيف لا يحسن إدارة نفسه ولا التفاعل الإيجابي مع الآخرين هذه مشكلة أخرى، وإذا عجز عن التعريف عن نفسه على أقل تقدير باللغة الإنجليزية فهذا إخفاق كبير يحمل وزره الطالب الجامعي الذي قبل أن يكون مكانك سر من دون تطوير وتلام فيه الجامعة بالدرجة الأساس بكل برامجها ومناهجها وأساليب تدريسها، بل أذهب في ذلك بعيدا لألوم فيه وزارة التربية التي أبقت الطالب على مقاعدها مدة 12 عاما من دون أن يكتسب تلك المهارة أو القدرة، لأن هناك خللا كبيرا جدا في صوغ المناهج الدراسية وأساليب التدريس، إذ إن الكفايات الأساسية الواجب تحققها من الطالب الجالس على مقاعد الدراسة أن يستطيع التعبير عن نفسه شفويّا وكتابيّا باللغتين العربية والإنجليزية على أقل تقدير، فالحشو في المناهج الدراسية لا فائدة مرجوة منه، وفي النهاية سيتم البحث عن المهارات والكفايات الواجب توافرها، لا نقلل من دور المعرفة والمعلومات ولكن معرفة ومعلومات وكم كبير من الحقائق بلا مهارات؛ عندها يكون رصيدنا فقيرا لا غنيّا.

مهنة «البائع» اليوم الذي قد يتكبر عليها البعض وينتقص من قدرها آخر، تحتاج منا إلى العديد من المهارات الحياتية الإيجابية المهمة، والتي إذا لم تتوافر في الجامعي يكون عندها الجامعي لا يفي بمتطلبات السوق، فهناك مهارات الاتصال والتواصل، ومهارات التعامل مع الآخريين، وإدارة الحوار، وفن الإقناع والتأثير في الآخريين، وإدارة الوقت، إلى جانب لغة الجسد التي لا تقل أهمية عن مهارات الاتصال الأخرى، اليوم بائع الخضروات والفواكة يحتاج إلى أن يدرب نفسه على مهارات البيع لكسب زبائنه، وضمان عودتهم إليه من جديد، فضلا عن كسب زبائن جدد في ظل وجود منافسة أكبر من قبل الآخريين، فهناك بقالات متجاورة وما يميزها اليوم هي الخدمة والجودة، فما بالكم عندما نتحدث عن بائع في محل راقٍ جدا ويتعامل مع طبقة راقية جدا، ينبغي أن تتوافر في البائع بعض الكفايات التي ربما تتوافر في غيره من طلاب الثانوية العامة ولا تتوافر فيه المتخرج من الجامعة حديثا.

علينا من جديد أن نعيد النظر في الكثير من الأمور، وعلينا أن نجتهد أكثر في معرفة احتياجات السوق ومتطلباته، وعلى جامعة البحرين أن تكون أكثر ذكاء مما سبق من خلال طرح البرامج والتخصصات التي تملأ الشواغر لا تجعل من خريجيها فوائض وعاطلين عن العمل، وغير قادرين على شغل ما هو شاغر في السوق. مهام كبيرة وغاية في الأهمية ينبغي أن تظل على رف رئيس جامعة البحرين لأنها طالما بقت داخل أدراج حبيسة لسنوات.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2260 - الأربعاء 12 نوفمبر 2008م الموافق 13 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً