العدد 1765 - الجمعة 06 يوليو 2007م الموافق 20 جمادى الآخرة 1428هـ

ما لم يقله علي ربيعة في كتابه (1-2)

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

صدر أخيرا كتاب بعنوان «لجنة العريضة الشعبية في مسار النضال الوطني في البحرين» لمؤلفه الشخصية الوطنية المرموقة عضو لجنة العريضتين النخبوية والشعبية علي ربيعة. وهو كتاب ضخم تزيد صفحاته عن الأربع مئة وخمسين صفحة من الحجم الكبير. أنهيتُ قراءة الكتاب لأخرج باستنتاج أنه يشكّل أحد المراجع الأساسية في مكتبة الحركة الوطنية البحرينية، ولن يستغني عن الرجوع إليه أي باحث أو متتبع مهتم بحقبة تسعينات القرن الماضي.

بين دفتي الكتاب عرض مسهب موثق لما حفلت به مرحلة التسعينات من أنماط التحرك للمطالبة بعودة الحياة الدستورية والنيابية بدءا بتشكل لجنة العريضة وصولا لاندلاع حوادث التسعينات وما رافقها من عنف وعنف مضاد وما أفرزته من تشكيلات سياسية ومواقف ورؤى، انتهاء بمرحلة الانفراج وما تلاها من تغيرات سياسية كبرى نعايشها اليوم في بحرين العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

عرّج المؤلف بشكل مختصر على ظروف تشكل لجنة العريضة العام 2002 وعلى دورها في طرح العريضة النخبوية. ثم أوجز خطوات التحرك على العريضة الشعبية منتقلا مباشرة إلى بدء الاعتقالات والإبعادات وردود الفعل الرسمية والشعبية فاندلاع دوامة العنف. وعرض تداعيات الحوادث في الداخل والخارج وتفاصيل اعتقال رموز المعارضة الإسلامية الشيعية. ثم خصص جزءا كبيرا من الكتاب للحديث عن المبادرات التي طرحت خلال الحوادث. وركز على المبادرة التي قدمها رموز المعارضة الإسلامية للسلطة الأمنية في المعتقل وظروف قيام لجنة المبادرة والتداعيات التي أعقبت ذلك من اعتصام الرموز الدينية والإضراب عن الطعام ثم المهرجان الخطابي والعلاقة مع لجنة العريضة وردود فعل اللجنة على كل ذلك.

وأفرد المؤلف جزءا من الكتاب لتبيان سوءات تطبيق قانون أمن الدولة التي تمثلت في المستويات العالية من القمع الذي طال الكثيرين من الناس مثلما طال الرموز الوطنية التي برز دورها الميداني في التحرك على العريضة ومن أجل المطالب الشعبية. كما تمثل القمع - وفق ما أورد المؤلف - فيما طال الناشطين من تهمة المحاولة الانقلابية العام 1996 ثم المحاكمات التي تمخضت عنها وما أسفرت عنه تلك المحاكمات من نتائج.

وخصص المؤلف فصلا آخر تناول فيه مخاطبة لجنة العريضة للحكومات والمنظمات والهيئات الدولية خلال الحوادث وفصلا آخر استعرض فيه ردود الفعل على الحوادث في البحرين.

وامتد عرض وتحليل المؤلف للمتغيرات التي جرت مع الانفراج السياسي في بداية عهد الأمير الجديد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. وتوسع في استعراض موضوع ميثاق العمل الوطني وناقش وحلل ما دار بشأنه من حوارات ومن ردود فعل ومواقف على الصعيد الداخلي والخارجي. ثم رصد المؤلف الحوادث المتتالية التي أعقبت التصويت على الميثاق مرورا بإطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين فتأسيس الجمعيات السياسية وصولا إلى ستعراض عوامل وظروف انتهاء لجنة العريضة.

وعلى مستوى جميع فصول الكتاب اجتهد المؤلف كثيرا في توثيق تسلسل الحوادث والمواقف بالرجوع إلى كثير من الوثائق والاستشهادات والمقالات واللقاءات والحكايات والأقوال. وحرص في كل محطة على أن يحلل الحدث ومواقف صانعيه ويحاكم المواقف ويدينها وفقا لدرجة اتفاقها أو اختلافها مع موقفه ورؤيته. ويجدر التنويه بأن ما يُلمس بدقة بين دفتي الكتاب في عرض وتحليل الحوادث والمواقف هو صدور المؤلف عن رؤية ذات بعد وطني لا طائفي ولا فئوي، وفي إطار هذا التوجه الوطني نؤيد ما ذهب إليه المؤلف بأن لجنة العريضة شكلت تحالفا وطنيا وتاريخيا قويا تأثر سلبا وبدأ يضعف مع صفقة تشكل لجنة أصحاب المبادرة.

ويعتبر الكتاب أهم مرجع يوثق لكل إصدارات لجنة العريضة من رسائل وبيانات وأوراق عمل، بالإضافة إلى نص العريضتين النخبوية والشعبية. وكذلك يعتبر الكتاب مرجعا مهما يوثق الرسائل والبيانات التي أصدرتها لجنة المبادرة. كما يعتبر أول توثيق لحقبة التسعينات يتم على يد أحد ممثلي التيار الوطني الديمقراطي من أعضاء لجنة العريضة.

وما يجب أن يقال أيضا في حق هذا العمل التأريخي التوثيقي المهم حرصه ليس على سرد الحوادث فحسب بل وعلى تحليلها وتبيان ردات الفعل الرسمية والشعبية حيالها. ذلك إلى جانب رصد ما كانت ترسمه الجهة الرسمية من خطط التعامل مع كل حادث وموقف متمسكة في كل خطوة باعتبارات قوامها: عدم المساس بما تعتبره هيبة للدولة والحرص على عدم الاعتراف بوجود معارضة.

ويُسجل للمؤلف ما توافرت عليه مادة الكتاب من جرأة ملموسة في تناول المرحلة وحوادثها على رغم كونها حقبة انقضت بالأمس فقط ومعظم من صنع حوادثها مازال حيا يرزق. ويتضح الطرح الجريء في تحليل المؤلف لطبيعة السلطة السياسية وفي إدانته لكثير من ردود فعلها وإجراءاتها تجاه التحركات المطلبية. كما يتضح الطرح الجريء في إدانته لمواقف الكثير من الشخصيات وكشف التناقضات في مواقفها التي تظهر انحيازها لما هو ذاتي أو طائفي على حساب ما هو وطني. وكان المؤلف جسورا في إداناته بعيدا عن المحاباة إلى درجة إقدامه على انتقاد مواقف لشخصيات غدت اليوم تشاركه رؤيته السياسية وتزامله في التجمع السياسي الذي يضمه معها هو «حركة حق».

القيمة التاريخية للكتاب كبيرة وإيجابياته كثيرة، إلا أننا نحسب أن المآخذ عليه وجوانب القصور فيه كثيرة هي الأخرى... لقد بدأ علي ربيعة كتابه بمقدمة قال فيها إنه لا يدّعي امتلاك الحقيقة وإنه يؤكد على أن الحق مكفول للرأي الآخر ليدلي بدلوه وأنه حريص على سماع النقد. ونحن نعتبر ذلك مدخلا مشجعا نلج من خلاله لما لمسناه من مآخذ عديدة على الكتاب راجين فعلا أن يتسع صدر المؤلف لتقبل نقدنا.

قال المؤلف إنه توخى الدقة والأمانة فيما طرحه ونحن نظن أنه جافى الدقة والأمانة في عدد من المحطات التي تتعلق بصلب موضوع الكتاب الذي هو لجنة العريضة. وأول ملاحظة في هذا المجال عدم التلاؤم بين عنوان الكتاب ومتنه ومادته الأساسية، فلم يأت العنوان معبرا تعبيرا صادقا عن صلب مادة الكتاب التي اتسعت وتشعبت في التأريخ المفصل لحوادث عقد التسعينات متمثلة في الانتفاضة وتطوراتها وشخصياتها وما رافقها من متغيرات. لم يكن صلب الكتاب تأريخا للجنة العريضة ولم يتضمن عرضا مفصلا لظروف قيامها ولم يستعرض أدوار أعضائها ولم يقيّم أداءها. كتاب عنوانه «لجنة العريضة الشعبية» يعني أن يرِد مفصلا عن كل ما يتعلق باللجنة منذ ما قبل تأسيسها حتى ظروف انتهائها. ذلك - برأينا - ما ينبغي أن يكون عليه صلب كتاب بهذا العنوان ومتنه وتقسيم فصوله. أما الحوادث الأخرى والمواقف ذات الترابط مع فعل ونشاط لجنة العريضة فتأتي كأجزاء مكملة للمتن الأساسي.

تحدث علي ربيعة بإسهاب عن شتى الظروف التي أدت لانتهاء لجنة العريضة، لكنه لم يتحدث بالإسهاب المطلوب عن ظروف تشكلها. لقد ظهرت لجنة العريضة على الساحة السياسية البحرينية في مرحلة كانت فيها سياط قانون أمن الدولة تجلد جسد المجتمع البحريني برمته. لذلك يكتسب أهمية قصوى ليس تأسيس اللجنة فحسب، بل أيضا الإرهاصات التمهيدية التي وضعت اللبنات الأولى لقيامها والتحركات المبكرة نحو تأسيسها. كان ذلك منذ الغزو العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية وما بعدها وحتى ما قبلها. تلك التحركات التمهيدية كانت أحجارا جسورة ألقيت في مياه المجتمع الراكدة الملتحفة بطبقات من الصمت والخوف الآسن. فكيف للمؤلف أن يتجاهل توثيق تلك المساهمات الأولى التي تحركت لانتزاع الخوف والتردد من القلوب والعقول. كيف يغفل المؤلف تحركا مبكرا (1990-1991) لمجموعة من بعض نواب المجلس الوطني السابق الذين ارتأوا أن الوقت قد أزف لطرح مطلب إعادة العمل بالدستور وفتح ملف المطالبة بالديمقراطية. التقى هؤلاء النواب في منزل محسن مرهون وهم النائب السابق المرحوم عبدالله المعاودة والنائب السابق محمد جابر الصباح والنائب السابق محسن مرهون ورابعهم كان هو المؤلف نفسه النائب السابق علي ربيعة. كيف لا يذكر المؤلف دور الشخصية الوطنية صديقه المرحوم عبدالله المعاودة الذي استقبل بيته لقاءين تمهيديين توسعت فيهما دائرة الحضور عن النواب السابقين لتشمل شخصيات وطنية أخرى. ولولا فتك المرض الخبيث واختطافه لحياة عبدالله المعاودة لأصبح المعاودة من أعلام لجنة العريضة ومن أهم رجالاتها الشجعان.

ومن المستغرب عدم تطرق الكاتب لذكر بعض المجالس الأسبوعية المهمة التي دارت بها وبشكل مستمر مناقشات عن التحرك المطلبي مثل: مجلس محمد جابر الصباح ومجلس حسن بديوي ومجلس أحمد منصور. وكيف لم يذكر المؤلف دور لقاءات العيد التي احتضنت مجموعات من الشخصيات الوطنية وكيف شكلت تلك اللقاءات - في ظل صعوبات الوضع الأمني- مناخا ملائما للتداول بشأن التحرك المطلبي وخطواته وإجراءاته. نذكر من الأماكن التي التأمت فيها لقاءات العيد المذكورة مجلس جاسم سيادي ومنزل عبدالله مطيويع. إن كان المؤلف لم يوجد في تلك اللقاءات فجدير به كباحث أن يتقصى راصدا شتى التحركات التمهيدية التي جرت لينال كل ذي حق حقه ضمن إسهامات المواطنين في التاريخ النضالي لوطنهم.

وحينما يتحدث المؤلف عن البدايات الأولى (ما قبل تشكل اللجنة) يشوب حديثه الغموض وعدم الوضوح. يقول: «بداية تم تكليف علي ربيعة بمفاتحة الشيخ عيسى الجودر...» (الصفحة 17) لكنه لا يذكر أسماء الشخصيات التي التقت معه وكلفته بتلك المهمة. وبظننا أنه كان حريا بالمؤلف الموجود منذ بدايات التحرك أن يحدد أسماء الأعضاء الأساسيين الذين شكلوا اللجنة، وخصوصا أن لغطا يدور أحيانا حول أسماء الأعضاء الأساسيين بها. لقد ذكر المؤلف أسماء حضور الاجتماع الذي اعتبره الاجتماع التمهيدي الأول (الصفحة 17) وعددهم عشرة، لكنه عاد واعتمد تصريح الشيخ عبداللطيف المحمود لإحدى الصحف الذي قصر تشكيلة اللجنة على نفسه (الشيخ المحمود) والشيخ عبدالأمير الجمري وعبدالوهاب حسين والشيخ عيسى الجودر وعلي ربيعة قائلا: إن هؤلاء هم الخمسة الأساسيون. وهذا التوثيق المعتمد على تصريح الشيخ عبداللطيف المحمود ليس مقبولا من المؤلف، ونحن هنا نوجه له السؤال التالي أين - إذا - ذهبت أسماء الأعضاء الأوئل في التأسيس وهم : محمد جابر الصباح وأحمد الشملان وإبراهيم كمال الدين وهشام الشهابي ومحسن مرهون وأحمد منصور وسعيد العسبول؟!

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1765 - الجمعة 06 يوليو 2007م الموافق 20 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً