العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ

حكاية بطل ينقذ دولة من الانهيار

الجزء الرابع من «Die Hard» في سينما الدانة

يواصل الجزء الرابع من الشريط السينمائي «داي هارد» (Die Hard) متابعة دور البطل في إنقاذ النظام العام من الانهيار. فالفيلم الذي يعرض حاليا في سينما الدانة يروي حكاية اختراق نفذتها مجموعة «إرهابية» محترفة لأجهزة الأمن الأميركية. وكاد الاختراق يؤدي إلى انهيار النظام المصرفي وسطو اللصوص على الأموال لولا تدخل «البطل» ونجاحه في القضاء على المؤامرة في اللحظات الأخيرة.

فكرة «البطل» في الأفلام الأميركية أصبحت مسألة عادية حتى لو تطورت الدولة في منظوماتها الدفاعية والتقنية. فالبطل لا غنى عنه لأنه يسهر في وقت تكون الأجهزة نائمة. وهو يملك من القدرات الخاصة وغير المنظورة ولا تتوافر حتى لتلك الآلات والتقنيات العالية. وهذا النوع من «الأبطال» يحبه الجمهور الأميركي لأنه يعوض ذاك الفراغ النفسي الذي تعاني منه قطاعات واسعة من الناس تغذت بثقافة الخوف من الغرباء وكراهية الأجانب لنموذج نجح في تأمين حاجات المجتمع. وبسبب عقدة الفراغ تلك تشكلت في الأفلام الأميركية مجموعة أساطير عن «أبطال» يلعبون دور المنقذ ويكافحون الشر بإرادة ثابتة وعزيمة لا تلين.

ايديولوجية القوة يمكن اكتشافها من دون عناء في معظم تلك الأفلام الأميركية التي صنعت خصيصا لتلبية رغبات جمهور سحقته الآلة وطغت على حياته اليومية سياسة التعامل مع تقنيات تملك وظائف متنوعة وتلعب دور الناس وأحيانا تلغيه في الكثير من القطاعات.

طغيان الآلة على الإنسان في الولايات المتحدة ساهم في تطوير فكرة البطل/ المنقذ وأعاد إنتاج تلك الفكرة في صور مختلفة ولكنها تلتقي في نقطة واحدة وهي: لا بديل عن البطل/ الأسطورة في اللحظات الحرجة والصعبة.

وهذا بالضبط ما فعله البطل الأسطوري في الجزء الرابع من «داي هارد» حين لاحق تلك المجموعة التي اخترقت الأجهزة وتحكمت فيها ودخلت رموزها وبدأت استخدامها في حرب إلكترونية مضادة للدولة وشركاتها ومؤسساتها ووظائفها.

تتحدث قصة الفيلم عن رجل انشق عن الأجهزة بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فهذا الرجل يملك من الذكاء والخبرة والعلوم ما دفعه إلى تقديم اقتراحات ووضع تصورات تعيد هيكلة النظام وتوحيده في دائرة مركزية واحدة تتحكم في كل خيوط اللعبة وشبكاتها المصرفية والخدماتية.

إلا أن الخلاف يقع بينه وبين المؤسسة التي أخذت أفكاره وطبقتها ولكنها تعاملت معه من دون احترام وتقدير. وأدى إهمال المؤسسة له ورفضها تلبية مطامحه الشخصية ومطالبه المالية إلى انشقاقه عنها وتشكيله مجموعة سرية من الخبراء من داخل الأجهزة نجحت لاحقا بالتعاون مع «هواة» في اختراق رموز المؤسسات وشيفراتها.

الاختراق السهل وبعد هجمات 11 سبتمبر يكشف للمشاهد مدى ضعف هذه الدولة الضخمة والهائلة الحجم والإمكانات. فهذه الدولة العظيمة والمخيفة تعتمد على مجموعة عناصر بسيطة في تعقيداتها. ومن ينجح في اكتشاف أسرارها ودخولها يستطع التحكم في المؤسسات وإداراتها من خلال التلاعب بالأرقام والمفاتيح.

مجرد التقاط «السر» يفتح كل الأبواب وتتحوّل المؤسسات إلى أدوات طيّعة يديرها مجهول من خلال التحكم في أجهزة الكمبيوتر. ومن ينجح في هذه المهمة الصعبة تصبح عنده الأفضلية في فعل ما يريده خدمة لمصالحه أو للفوضى العامة. فهو يستطيع التحكم في إشارات السير وبعثرة المرور في الطرقات. ويستطيع التحكم في القطارات وتغيير رموزها. ويستطيع السيطرة على حركة المطارات والإقلاع والهبوط وتعديل مواعيد السفر. ويستطيع إقفال أنفاق وفتح سدود وتفجير محطات كهرباء ومواسير الغاز وقطع خطوط الإمداد الغذائي والمائي والصحي عن الناس... وذلك من خلال التلاعب بالشيفرات والرموز.

كل هذا النظام الضخم والقوي الذي يدعي العظمة والتفوق ويخيف الأعداء ويرهبهم هو ضعيف في آلياته الداخلية إذا نجحت مجموعة من الأجهزة في اختراق شبكة الأسرار والاتصالات. لهذا يحتاج هذا النظام إلى «بطل» لإنقاذه من جحيم الانهيار العام والفوضى التي تزعزع استقرار الدولة وتهدد أمن المواطن.

فكرة «البطل» إذا لها معنى في خضم معركة تقنية تشنها الأجهزة ضد مجموعة إرهابية (غير معروفة الهوية والعنوان) في غابة من الكمبيوترات. فالبطل له دور حتى في عالم عصري تجاوز فترة المغامرات الفردية في عصر الصحارى أو الأدغال. ووظيفة «البطل» لم تتغير على رغم اختلاف الأحوال وانتقال الإنسان من الطبيعة إلى الآلات. الآلة لا تفعل شيئا ولا إرادة لها، فهي مجرد جهاز محايد قابل للتوجيه في حال نجح «العدو» في اكتشاف سره والتحكم فيه.

الجزء الرابع يتحدث عن ذاك الصراع الذي نشب بين «البطل» وتلك المجموعة مصادفة ومن دون تخطيط. فالبطل يكلف بمهمة عادية وهي استدعاء مطلوب للمثول أمام التحقيق بسبب ملاحظة الأجهزة تدخله في نظام الكمبيوتر. المطلوب شاب خبير في اللعب (التسلية) بأجهزة الكمبيوتر وهو تعاونَ مع جهة لا يعرف من هي ومساعدها على اختراق أنظمة مقابل كمية من المال. الشاب بريء ولا يدري مخاطرَ فعلته لذلك لم يدرك سلبيات المسألة إلا بعد تعرضه لهجوم بقصد قتله لمنعه من الإدلاء بشهادته وكشف الأسرار.

«البطل» كان بالمرصاد في المكان المناسب والوقت الحرج. فهو أنقذ الشاب من الموت ونجح في نقله إلى سيارته لأخذه إلى واشنطن للتحقيق معه. وفي الطريق تحصل معاكسات ومواجهات (قطع طرقات، وتغيير إشارات المرور) لمنع وصول الشاب إلى دائرة الاستدعاء. وهكذا تدور البطولات على مدار ساعتين. وخلال تلك الفترة تخطف «العصابة» ابنة «البطل» بقصد ابتزازه ومنعه من مواصلة المغامرة. ولكن «البطل» يواصل التحدي ويتصدى للمؤامرة ويمنع وقوعها قبل وصول قوات الأمن والشرطة وحتى قطاعات الجيش والمخابرات. وحين تصل تلك القوى الرسمية تكون المهمة انتهت. فهي تصل إلى الموعد متأخرة دائما وبعد وقوع الواقعة.

«البطل» إذا ضرورة عصرية في زمن ما بعد «القوميات». وهو أيضا حاجة لا غنى عنها لأنه يستطيع أن يلعب ذاك الدور الخاص الذي لا تقوى عليه أجهزة متطورة وعناصر متدربة وشبكات أمان تنفق عليها الدولة المليارات سنويا ومن دون جدوى. فهي تبقى دائما عرضة للاختراق ورهينة مجموعات وعصابات ولصوص ومافيات وشبكات إرهاب.

وهذا ما فعله «بطل» الجزء الرابع من «داي هارد». فهو نجح بالتعاون مع الشاب البريء والذكي في تشكيل نواة مقاومة لتلك المجموعة. فالشاب يملك العقل التقني والبطل يملك تقنيات العضلات. ولأن الشاب ضحية مؤامرة والبطل خُطِفَت ابنته وهُدِّدت بالقتل ازداد الاستعداد للمواجهة والتضحية والمغامرة. وبسبب معرفة الشاب بالتقنيات وشبكة هواة الكمبيوتر ساعد البطل على تحديد مكان وجود العصابة الذي عرف كيف يتعامل معها بالقوة العضلية. وهكذا ينتهي الفيلم بتحرير الفتاة وإلقاء القبض على العصابة وتصفية المؤامرة وشبكاتها وكل ما تملكه من وسائل اختراق.

وبعد أن تنجز المهمة العامة والخاصة تصل قوات الشرطة والأجهزة والمخابرات متأخرة عن الحدث. وتشكر البطل على نجاحه في إنقاذ الأمة من الانهيار وتنتهي القصة بذهاب كل فريق إلى مكانه. الأجهزة تتصدر المواقع والبطل ينال الشكر بتواضع ويذهب إلى حاله منزويا في مكان يسيطر عليه الظل.

العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً