العدد 1823 - الأحد 02 سبتمبر 2007م الموافق 19 شعبان 1428هـ

المجتمع المدني في لقاء عالمي حاشد

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

على مدى خمسة أيام متواصلة التقى أكثر من ألف مشارك ينتمون إلى نحو 135 دولة من مختلف أرجاء المعمورة ويمثلون منظمات اجتماعية متنوعة في تجمع مدني عالمي في مدينة جلاسجو في بريطانيا رعاه «التحالف العالمي للمشاركة الأهلية» المعروف بـ(سفيكاس CIVICUS)، وهو تجمع عالمي تأسس العام 1993 لحماية ودعم المشاركة المجتمعية في الشأن العام. ويهدف هذا اللقاء السنوي إلى تبادل الخبرات والتجارب بين منظمات المجتمع المدني على مستوى العالم، وتنسيق جهودها حول قضايا يتم تحديدها في كل مناسبة للتركيز عليها من اجل إيجاد الحلول لها عبر تفعيل دور المواطنين وإشراكهم في المساهمة في حل بعض هذه القضايا العالمية الملحة.

هذا العام تركزت أعمال اللقاء على مفهوم «المحاسبية» لتشمل أيضا ذات المنظمات الأهلية وليس فقط الحكومات، وتدرس أبعادها وآثارها وعوائقها وسبل تفعيلها. كما أجمع المشاركون أيضا على اعتبار مشروع «مكافحة الفقر» أحد أبرز أولويات عملهم هذ العام ضمن مشروع مواز لبرامج الأمم المتحدة التي تهدف إلى القضاء على الفقر بحلول العام 2015م. وتتركز اهتمامات الجمعيات المدنية المشاركة في المؤتمر على المطالبة المستمرة لكل الجهات الفاعلة من حكومات وشركات كبرى لتحمّل مسئوليتها بصورة فعالة لمواجهة هذه القضية الإنسانية العالمية على مختلف المستويات من خلال عرض صورها البشعة إذ تفيد الإحصاءات بأن هنالك شخص واحد من كل خمسة أفراد في العالم يعيشون حالة فقر مدقع ومعظمهم في إفريقيا وآسيا، كما أن هنالك 77 مليون طفل لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس الأولية، و 218 مليون طفل يضطرون للعمل من أجل العيش. هذه الصورة عكسها المؤتمرون لطرح عدة مشروعات وبرامج يعتقدون من خلال التجارب أنها أكثر فعالية من البرامج التقليدية للأمم المتحدة أو الحكومات المعنية، وطالبوا بأن تكون هناك مشاركة أهلية ناشطة لمعالجة هذه القضية.

أبرز ما في هذا اللقاء المتيز أيضا الإعلان عن صدور تقرير حال الجمعيات المدنية في العالم، وشمل 54 دولة في نسخته الأخيرة هذه، وهو يعتبر من أكثر التقارير العالمية دقة في رصد ودراسة وضع المجتمع المدني، إذ يتم القيام بعدة دراسات وإحصاءات يشارك فيها مختصون من فئات اجتماعية مختلفة من أكاديميين وإعلاميين وباحثين واجتماعيين يقومون بجمع وتحليل معلومات مفصلة من خلال استبانات وجلسات حوار وأبحاث تشمل تركيب المجتمع المدني في الدولة المعنية ومعرفة محيطه والقيم السائدة فيه وتأثيره، لينتهي بتقرير مفصل وشامل يحتوي أيضا مقترحات وتوصيات لتطوير وضع المجتمع المدني في تلك الدولة.

الجمعيات الأهلية المشاركة بدورها تنوعت وتعددت بصورة شاملة لا يمكن تخيل مجالات عملها والخدمات التي تقدمها لأبناء مجتمعها، بحيث أنها لم تترك أي منطقة فراغ إلا سعت إلى ملئه وإفادة الفئة المستهدفة منه عبر إشراك متطوعين من المجتمع المحلي. العناية بكبار السن وبكل تفاصيل حياتهم لوقايتهم من الاعتداءات والأمراض الجسمية والنفسية والحاجات المالية ورعايتهم ودعمهم للاعتماد على أنفسهم، تعتبر من القضايا التي تنال أولوية كبيرة. وكذلك قضايا الشباب وتدريبهم على الحوار والانسجام العائلي والاجتماعي وتشجيعهم لتجاوز العقبات النفسية، وإيجاد مجالات عمل وأنشطة تطوعية تتناسب مع اهتماماتهم عبر تنظيم مسابقات وفعاليات إبداعية كل ذلك كان حاضرا في أجواء برامج هذا اللقاء إذ شارك فيه مجموعة طلبة وطالبات جامعيين من مختلف أنحاء العالم أيضا. اهتمام كبير أيضا بتنظيم أعمال التطوع الأهلي وتطويره من خلال إشراك المؤسسات والشركات التجارية والاستفادة من التطورات التقنية في ربط وتشبيك وتنسيق جهود المتطوعين وإبراز نتائج أعمالهم من خلال برامج تشجيعية وتحفيزية متنوعة ومتعددة، بحيث تحوّل العمل التطوعي إلى برامج تعليمية شاملة تقدمها مراكز أكاديمية متخصصة تشمل الحماية القانونية، وحملات التمويل، والرقابة المالية والمحاسبية. إضافة إلى كل ذلك فإن قضايا المهاجرين وحماية حقوقهم وإشراكهم في النسيج الاجتماعي أيضا كان له حضورا بارزا ضمن هذه الجمعيات، ومعه جهات تهتم كثيرا بقضايا التنوع الثقافي والاثني وتثقيف المجتمع بإيجابيات وفوائد التنوع العرقي والديني وتدريبهم على فهم بعضهم بعضا من ناحية العادات والثقافات، وكذلك ضمان حقوقهم قانونيا واجتماعيا.

قلة الحضور العربي في هذا اللقاء كان مثيرا جدا، ويعكس ذلك عدم فاعلية مؤسسات المجتمع المدني في معظم الدول العربية، مع أن هناك حضور فاعل من مختلف دول العالم الثالث من آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية حتى أن الكثير من المنظمين الأساسيين لهذا الملتقى ينحدرون من هذه الدول، وبعضهم يتبوأ مواقع قيادية في هذا التجمع الذي يعتبر هذا اللقاء السنوي هو السابع له منذ بدايته. فلم تتعدى نسبة المشاركين من منطقة الشرق الأوسط 5 في المئة من أجمالي الحضور، بينما كان هناك نحو 24 في المئة من آسيا، 34 في المئة من أوروبا، 19 في المئة من إفريقيا، 10 في المئة من أميركا اللاتينية.

في اللقاء الافتتاحي أكد المشاركون فيه على أهمية الانتقال من مرحلة صوغ الاتفاقات الدولية والتوقيع عليها من قبل الحكومات إذ إن ذلك لم يحد من استمرار الانتهاكات في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، مؤكدين على أن النمو الكبير لدور مؤسسات المجتمع المدني سيساهم في الحد من هذه الانتهاكات والتجاوزات. ودار نقاش موسع حول مفهوم «المحاسبية» من إبعاده القانونية والإدارية والمالية والاجتماعية والسياسية ورصد تطور هذا المفهوم خلال العقد الماضي بحيث أنه انتقل إلى شرائح أوسع من المؤسسات والجمعيات الأهلية والمدنية بصورة واضحة.

وفي الجلسة التي خصصت لعلاقة الإعلام بالمجتمع المدني طالب المشاركون بالاستفادة من تجزؤ وتشظي الإعلام إلى وسائل حديثة ومتيسرة كالانترنت والهواتف المحمولة وغيرها التي أثبتت بأنها يمكن أن تكون في موقع الحادث وتنقل صورة دقيقة عما يجري ميدانيا وبالتالي إمكان الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة، وأكدوا كذلك على ضرورة التدقيق من قبل الجمعيات الأهلية في توفير مادة إعلامية صادقة وموضوعية لوسائل الإعلام من أجل أن تنال صدقية في تناولها، وخلق علاقة تعاون إيجابي بين هذه المؤسسات ووسائل الإعلام بدلا من التعارض بينهما.

وتناولت جلسات أخرى في المؤتمر قضايا تمويل مؤسسات المجتمع المدني وإشكالاتها من ناحية العلاقة مع المانحين وتطوير التعاون المشترك بينهم، أو فيما يرتبط بما أطلق عليه في اللقاء «التمويل الذكي» عبر الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة لتسهيل عملية جمع الأموال وتوظيفها بصورة أكثر فاعلية. وأشاروا إلى أهمية «المحاسبية» الفعالة في هذا الجانب الذي يعتبر من أكثر القضايا حساسية سواء من ناحية الجهات المانحة أو الأطراف المستفيدة من نشاط هذه المؤسسات. وتركزت إحدى الجلسات على الدور الفعال لعناصر الحكومات المحلية من أفراد وجماعات التي يمكنها أن تساهم في محاسبة الجهات الإدارية المسئولة والمشاركة في صوغ ومتابعة القرارت الإدارية والتنظيمية والسياسية لأعمالها المحلية. وناقش المشاركون العقبات التي تحول دون تحقيق هذه المشاركة المجتمعية أهدافها المرجوة بسبب العقبات الإدارية التي قد تفرضها السلطات المركزية أو لعدم كفاءة الأجهزة المحلية وقدرتها على تفعيل الدور المجتمعي، مطالبين بتحقيق حالة قصوى من هذا التفاعل كضمانة لاستمرارية واستدامة مشروعات التنمية الاجتماعية المحلية.

أدرك المنظمون الحاجة الماسة إلى تبادل الخبرات والتجارب بين منسوبي المجتمع المدني وتطوير كفاءاتهم وقدراتهم، فتم إعداد عدد كبير من ورش العمل التي خصص لها يوما كاملا من أيام الملتقى تنوعت فيه مجالاتها بصورة كبيرة لتشكل بناء القيادات الاجتماعية، وسبل الدعم والتأثير الاجتماعي، وتنمية العضوية في الجمعيات، والاستفادة من وسائل التقنية الحديثة في تفعيل عمل الجمعيات، والتواصل مع الجهات المانحة، وتعزيز الشراكة المجتمعية، ورفع كفاءة عمل الجمعيات من الناحية الإدارية والمالية، وتشكيل جماعات ضاغطة في القضايا الاجتماعية، وطرق إعداد الدراسات الاجتماعية، والتعاطي مع وسائل الإعلام، وكذلك تقييم المشروعات والأعمال التي تقوم بها هذه المؤسسات.

انتهى اللقاء بحوارات جادة ومهمة عن الدور المستقبلي الذي يمكن أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم، لم تخل أبدا من نقد ذاتي واضح لذات المؤسسات التي تحمل في داخلها بعض الإشكالات التنظيمية والتخطيطية وتعجز عن تعزيز «المحاسبية» في أوساطها. ولكن أصوات الدعوة إلى خلق شراكة فاعلة وواضحة بين الجهات الرسمية والمؤسسات الأهلية كانت عالية ومطالبة بوضع استراتيجيات تهدف إلى تفعيل المشاركة والرقابة الأهلية على المستوى المحلي البسيط وفي التخطيط والمراقبة على الشئون المحلية.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 1823 - الأحد 02 سبتمبر 2007م الموافق 19 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً