العدد 1833 - الأربعاء 12 سبتمبر 2007م الموافق 29 شعبان 1428هـ

في الحاجة إلى الدستور

أيّ مجموعة بشرية تجتمع في مكان ما، فإنها سرعان ما تطوّر مجموعة من المبادئ والقواعد والأحكام لتنظيم شئون حياتها المشتركة . هذا الأمر ينطبق على الأشخاص سواء كانوا ضمن عائلة واحدة، شركة تجارية، مدرسة، جمعية، وطن، الخ… مثلا، الآباء يخبرون أبناءهم بما يتوقعونه منهم، مثل: الصدق، الأدب، النظافة، الخ. وفي المدرسة، هناك شروط وقواعد وأحكام لعلاقة المدرّس بالطالب، طريقة الجلوس، اللبس، الأساليب التعليمية…الخ.

* بالإضافة للقواعد والأحكام، هناك الأعراف، وهي في غاية الأهمية؛ لأنها تحدد طريقة التعامل بين المجموعات، هذه الأعراف هي عبارة عن أحكام « غير مكتوبة»، وتخضع لتفسيرات الأشخاص المتعاملين بها... كل هذه القواعد تسمى «دستورا».

* عندما نتحدّث عن الدستور، فإننا نفكّر عادة في «الدولة» وأنظمة تلك الدولة. الدولة هي مجموعة من الناس يعيشون ضمن حدود إقليمية واضحة ويشتركون في الاعتقاد بمبادئ مشتركة وتحكمهم حكومة واحدة.

* دستور الدولة، بحسب المفهوم الحديث، هو تلك الوثيقة التي تحتوي المبادئ والقواعد والأحكام والالتزامات التي يتم من خلالها إدارة دفة الحكم في تلك الدولة، وهي وثيقة تعاقدية اتفقت عليها أطراف المجتمع بتكويناته المختلفة.

* يوضّح الدستور السلطات وصلاحياتها والعلاقة بين مؤسسات الدولة، ويوضّح الدستور كيفية اتخاذ القرار وكيفية إصدار القوانين المستمدة في الدستور.

* كما يوضّح الدستور حقوق وواجبات المواطنين والأدوار والصلاحيات للسلطات الرئيسية في الدولة: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

* الدول التي تستند على الدستور في الحكم في العادة يكون لها وثيقة دستورية مكتوبة وموافق عليها من قبل جمعية تأسيسية.

* دول قليلة، مثل بريطانيا، لديها دستور ولكن الدستور غير مكتوب. وهذا يعني أنّ الدستور موجود ولكنه ليس موجودا ضمن وثيقة واحدة صادرة في وقت واحد. والدستور هنا عبارة عن وثائق عديدة وأفكار موجودة في كتب ومعاهدات متفرقة يعترف بها البرلمان البريطاني الذي يمثل الشعب.

* الدستور قد ينص على مركزية الدولة أو على الفيدرالية في الحكم. المركزية تعني أنّ السلطة المركزية هي مصدر الصلاحية للفروع. الفيدرالية تعني العكس، الفروع هي التي تعطي جزءا من صلاحياتها للمركز. بريطانيا دستورها مركزي (ولكن الادارات في المجالس / البلديات المحلية غير مركزية)، بينما الولايات المتحدة الأميركية دستورها فيدرالي.

* الدستور غير المكتوب يكون أكثر مرونة. وبريطانيا هي المثال الواضح لذلك، فقانون إنشاء برلمان في اسكتلندا وويلز في 1997 يعتبر تغييرا دستوريا، والحكومة المركزية استطاعت تغيير دستور البلاد من خلال إصدار قانون يصوّت عليه الغالبية. وأجرت استفتاء شعبيا لتغيير هذا الوضع الدستوري.

* الدستور في أكثر الدول ليس مرنا مثل الحالة البريطانية. مثلا أي تغييردستوري في الولايات المتحدة الأميركية يحتاج لموافقة غالبية الكونغرس وثم يتطلب موافقة كل ولاية على حدة على التغيير المطروح قبل أنْ يجري أي تغيير للدستور.

* الدساتير الحديثة تحتوي في موادها على ضمانات لحقوق المواطنين الأساسية التي ينص عليها العهدان الدوليان لحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. على الرغم من ذلك فإن كثيرا من الدول المحكومة دكتاتوريا تنتهك فيها حقوق الإنسان بصورة منهجية خلافا لما قد تتضمنه مواد الدستور.

* في الدول التي يحترم قادتها دستور البلاد، فقد ينصّ الدستور على وجود محكمة دستورية لتفسير مواد الدستور والتأكد من عدم تجاوزها من قبل الحكومة. وفي دول أخرى مثل بريطانيا، لا توجد محكمة دستورية، ولكن بدلا عن ذلك يعطى البرلمان والمحاكم الاعتيادية صلاحيات أوسع لتحديد دستورية النشاط الحكومي، كما يحتوي مجلس اللوردات على أعضاء من القضاة تكون لهم كلمة حاسمة في أمور يتم تحويلها اليهم.

* «السيادة» المستمدة من الشعب هي إحدى دعائم كثير من الدول الحديثة. الأمم المتحدة تحتوي على دول أعضاء ذات سيادة كاملة يلزم أنها استمدت شرعيتها من شعوب تلك الدول.

* هناك أسئلة تطرح بشأن حدود هذه السيادة، فهل أنّ الدول مطلقة السيادة وأنّ الأنظمة الديمقراطية تعتمد بصورة مطلقة على رأي الشعب؟ في الحقيقة أنّ تصرف الحكومات والبرلمانات محدود بأمور عديدة منها:

- لو عارض مشروع قانون مواثيق ومعاهدات دولية وقعت عليها تلك الدولة، فإن هناك عقبات تمنع ذلك، فالبرلمان البريطاني لا يمكنه مثلا أنْ يصوّت ضد قرارات صادرة من الاتحاد الأوربي إذا كان ذلك القرار مستمدا من إحدى الاتفاقات الأوروبية. وكذلك، فإن السيادة البرلمانية لا تستطيع أنْ تلغي مواثيق حقوق الإنسان.

- وعلى هذا المقياس، لو أنّ برلمانا بمثل السيادة الشعبية عارض «ديانة» الشعب فإن السيادة هنا تقع في إشكال مشابه. وهذا يوضح أيضا أنّ السيادة الوطنية (البرلمانية) تخضع لسيادة مفاهيم عليا متفق عليها بصورة عالمية أو أكثر شمولا.

* النظام الدستوري يعتمد على وسائل مقبولة دستوريا لإصدار قوانين تفصيلية مستمدة من مواد الدستور، وهذا يسمى “حكم القانون ”. النظام الدكتاتوري يصدر الكثير من القوانين التي لا تستمد شرعيتها السياسية من مصدر دستوري وتفرض هذه القوانين على المجتمع بصورة تعسفية.

· حكم القانون، يعنى أيضا أن القانون فوق الجميع، حاكما ومحكوما. فالحكومات في ظل الحكم الدستوري يمكن معاقبتها قضائيا إذا خالفت «حكم القانون»، ويحق للمواطن أن يشتكي على وزير أو مسئول إذا خالف أي منهما دستور البلاد.

· هذا يعني أن القضاء يجب أن يكون مستقلا لكي يستطيع الفصل بين المواطنين أنفسهم وبين المواطنين والحكومة، والفصل بين السلطات الثلاث (التشريعيةالقضائية والتنفيذية) أحد شروط العدل في أنظمة الحكم الحديثة. فالبرلمان يشرع والحكومة تنفذ والقضاء يفصل في الخلافات. اما إذا كانت الحكومة هي المشرع وهي التي تسيطر على القضاء، كما هو الحال في بعض الدول الدكتاتورية، فإن الحكم يصبح حكما استبداديا، وليس دستوريا.

· في بريطانيا يوجد هناك تداخل بين السلطات: فمثلا رئيس القضاء هو عضو في مجلس الوزراء، ويرأس مجلس اللوردات (جزء من السلطة التشريعية)، ويرأس أجهزة المحاكم. مجلس اللوردات أيضا يأخذ صفة أعلى سلطة قضائية، وجميع أعضاء مجلس الوزراء هم أعضاء في البرلمان. هذا التداخل تتم موازنته بأمور كثيرة لضمان عدم سيطرة سلطة على أخرى، وهناك قضايا يومية كثيرة تثبت أن السلطات تتحرك بصورة مستقلة على رغم تداخلها.

· أما في أميركا فإن النظام الفيدرالي نص على وجود ما يسمى بـ (Checks & Balances) وهذا الترتيب يعطي الصلاحية لأي سلطة الوقوف أمام السلطة الأخرى وموازنة ما يصدر منها بعمل آخر.

* (نقاشات في ورش عمل نظمت العام 1998)

العدد 1833 - الأربعاء 12 سبتمبر 2007م الموافق 29 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً