مع زيارة رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني لديوانية العصفور، كان ضيوف المجلس يناقشون موضوعات متعددة، أبرزها مقاييس اختيار المسئولين للمناصب العليا في الحكومة بالإضافة إلى حديث آخر عن أداء الصحافة ومستوى ما تقدمه من أخبار من ناحية المضمون والصدقية، لكن الفرصة لم تتح للاستماع إلى وجهة نظر رئيس مجلس النواب الذي كان منشغلا باستقبال الحضور مع صاحب الديوانية عضو مجلس الشورى علي العصفور.
وأكثر ما يميز ديوانية العصفور أنها بمثابة منبر حر للتحاور بين الحاضرين، وكما هو متاح لكبار الضيوف من مسئولين ونخب سياسية وثقافية واجتماعية للحديث، فإن المجال مفتوح أيضا لبسطاء الناس سواء من أهالي قرية الدراز أم من ضيوف الديوانية من المناطق الأخرى، وقد كان الحديث دائرا بين بعض رواد الديوانية بشأن مقاييس اختيار المسئولين للمناصب العليا في الدولة، إذ أجمع عدد من الحاضرين على أن القيادة لها نظرتها في اختيار المسئولين للمناصب العليا وخصوصا في الوزارات والقطاعات التي تتطلب كفاءات وخبرات، ليس على مستوى التأهيل الأكاديمي والمهني فحسب، بل على مستوى السمعة الأخلاقية والوطنية.
وينتقد عضو مجلس الشورى علي العصفور الأداء الذي تقدمه بعض الصحف في البحرين إذ تجعل من الحوادث والوقائع غير المنطقية سببا من أسباب صدور قرار معين، مشيرا في هذا الأمر إلى أن هناك صحيفة نشرت خبرا - قبل صدور المرسوم الملكي بالتغيير المحدود - بأن وزير العمل مجيد العلوي سيتم تغييره لخلاف بينه وبين رئيس مجلس إدارة شركة بتلكو! مستغربا من المنظار الذي ينظر من خلاله بعض الصحافيين الذين يفترض فيهم أنهم يوضحون الحقائق ويقدمون المعلومات للناس.
ويشارك في الحديث عادل عيسى المرزوق، الذي يستغرب من الإبقاء على بعض المسئولين الذين لا حول لهم ولا قوة! بل وليس لديهم الطاقة الفكرية والعملية لأن يضيفوا شيئا للبلد.. صحيح، لا ننكر أبدا أن بعضهم قدم خدمات للبلد، وهذا من منطلق واجبه كما هو واجبنا وواجب الجميع، لكن أن يعاد تعيين وزير أو مسئول كبير بلغ من التعب وعدم القدرة على العطاء مبلغا كبيرا فهذا الأمر لا يستقيم.
ويتفق معه أحد الحضور الذي أشار بقوله: «بعض الإخوة تطرقوا قبل قليل إلى أن القيادة لها نظرتها في اختيار المسئولين وهذا صحيح، لكن القيادة تريد من الشخصيات التي تختارها لقيادة مناصب وزارة ومناصب عليا... تريد منها أن تعمل وتسعى لتطوير الخدمات وتحسين الواقع من خلال منهج علمي يضع المسئولية الوطنية فوق كل اعتبار! فليس من المعقول، كما حدث في السابق، أن أحد المسئولين، لم يبقَ في منصبه أكثر من ثلاث سنوات، لكنه حقق ثروة! من أين له ذلك!».
ويتناول عادل المرزوق الحديث مرة أخرى فيشير إلى أن هناك مسئولين تقدرهم الحكومة وتثمن مواقفهم، لكنهم لا يقدرون هذا الموقف من جانب الحكومة! وبدلا من أن يعملوا ويعملوا ويقدموا خدمات للناس، الذين من أجلهم عينت الحكومة المسئولين، تجدهم من أكثر المسئولين الذين تعج وزاراتهم أو إداراتهم بالمشكلات والخلافات والتمييز والطائفية وسوء الأداء، ومع الأداء المنخفض للمؤسسة التشريعية الممثلة في مجلس النواب، والتناحر الكلامي والخطاب ضمن «الظاهرة الكلامية»، فإن مثل هذه القضايا تغيب عن الاهتمام، ولا تجد لها صدى في الصحافة... قد تفتح الصحافة ملفا معينا في هذا الشأن، وهذا ينطبق ربما على صحيفة أو صحيفتين، لكن لا تجد ذلك الطرح القوي المدفوع بحس وطني صادق، وخصوصا أن كلمة الحق تعتبر هنا خروجا على المألوف على رغم أن التعامل بصدق يوجب قول كلمة الحق.
أما الحديث عن المعلومات الخاطئة التي تقدمها الصحافة فهو حديث لم يمتد كثيرا إذ إن بعض الحاضرين أشار إلى أن زيادة الصحف ومحدودية تجربة كثير من الصحافيين وضعف إدارات بعض الصحف، ومقاصد صحف أخرى غير «أخلاقية وغير شريفة» هو الذي يدفع في اتجاه نشر معلومات مضللة، وهذا الأمر مكشوف باعتبار أن مساحة البلاد صغيرة ويمكن اكتشاف كل ما يجري ولو بعد حين، لكن هذا الموضوع مفروغ منه: «إن أداء بعض الصحف لا يرتقى إلى مستوى المسئولية، لكن هناك ثلاث صحف على الأقل تعمل وفق منظور محترم ومسئول».
ويشير صلاح الشعباني إلى أن المهم في الأمر هو إيجاد القنوات التي تتيح تدفق المعلومات لأية مؤسسة إعلامية أو صحافية، ففي حال إغلاق مثل هذه المنافذ عن الصحافة، فلابد من توقع حدوث أخطاء وإخفاقات وعمل غير موفق في كثير من الأحيان وهذا ما لا نتمناه.
ويبدو أن حضور ديوانية العصفور يتميزون بخصلة طيبة، وهي أنه في حال وجود اختلاف في وجهات نظر، فإن الأمور تبقى طيبة بين الطرفين خلاف الكثير من الممارسات التي نراها في المجتمع إذ تتصدر العداوة والغضب بعض اللقاءات التي تشهد خلافا في وجهات النظر، حتى أن رئيس مجلس النواب، حال توديعه المجلس، أشار إلى أن ديوانية العصفور تقدم مدرسة حقيقية للتلاقي بين الناس والتحاور، وهي كذلك مدرسة اجتماعية، مثمنا لعائلة العصفور دورها وحضورها في المجتمع البحريني.
العدد 1849 - الجمعة 28 سبتمبر 2007م الموافق 16 رمضان 1428هـ