العدد 1859 - الإثنين 08 أكتوبر 2007م الموافق 26 رمضان 1428هـ

تقسيم العراق... بداية المطاف أم نهايته؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الحديث عن تقسيم العراق وسواه من دول عربية أخرى لم يكن مفاجأة لي فقد كان هذا الموضوع يتردد على ألسنة بعض الميركان والصهاينة منذ نحو ثلاثة عقود وكانت خطة «برنارديوس» هي الأشهر في هذا الباب والتي قدمها لبعض الساسة الأميركان بهدف إضعاف كل الدول العربية وتحويلها إلى «دويلات» تافهة لا حول لها ولا قوة بحيث تستطيع «إسرائيل» الهيمنة عليها كلها وتستطيع أميركا - أيضا - من الإستفادة من خيرات هذه الدول خصوصا النفط...

وعندما تم احتلال العراق وعين «برايمر» رئيسا للعراق يتحكم فيها كما يشاء استطاع مع فريق من «الخونة» العراقيين وضع دستور للبلاد يسمح بمثل ذلك التقسيم الذي كان حلما قديما لبعض الأميركان والصهاينة بحجة أن هذا «التقسيم» سيحقق الأمن والاستقرار للعراقيين كما سيحقق لهم الرفاهية التي يحلمون بها...

مجلس الشيوخ الأميركي أقر خطة «جوزف بيدن» المتعلقة بتقسيم العراق إلى ثلاث كيانات بحسب مذاهبها، وأكد هذا المجلس أن خطته غير ملزمة وأنها تهدف إلى تخليص العراق من العنف الطائفي الذي يتعرض له ومن ثم المساعدة في إخراج الجيش الأميركي من العراق.

إن قرار مجلس الشيوخ حى وإن قيل أنه غير ملزم فإنه يحمل في طياته الكثير من المصاعب والمآسي للعراقيين، ومن الغباء الشديد أن ننظر إليه ببراءة في ظل معرفتنا بأن الأميركان هم حكام العراق وأن قادتهم الحاليين هم من أكثر الناس تطرفا ومن أكثرهم تعصبا للصهاينة ورغبة في تحقيق أهدافهم في العراق وفي سواها...

واذا أضفنا إلى ذلك أن الواقع في العراق يتجه إلى التقسيم وأن مجموعة من كبار المسئولين العراقيين الذين جاءوا مع الاحتلال يرغبون وبقوة في هذا التقسيم أدركنا أن الحديث عن التقسيم في هذا الوقت ليس عبثيا ولا سيما أنه لم يبق إلا نحو ستة أشهر - بحسب الدستور - لكي يقرر العراقيون رغبتهم في التقسيم من عدمه... الأكراد في الشمال يمثلون دولة شبه مستقلة، ويخططون لكي تكون مستقلة تماما على رغم كل الصعوبات التي تحول دون قيام دولتهم التي يتطلعون إليها، ومعروف أنهم يتفقون مع شركات أجنبية تعمل في مجال النفط من دون التنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد، وبالتالي فهم مستقلون ماليا ولهم شبه استقلال سياسي أيضا، وفي مثل هذه الأحوال فإن وجود دولة كردية في شمال العراق يحقق بعض أهداف الأكراد حتى يتحقق الهدف الأكبر في إيجاد دولة كردية تضم كل الأكراد الموجودين في سورية وإيران وتركيا بالإضافة إلى أكراد العراق.

الأكراد بدأوا في تهجير العرب الموجودين في كركوك والموصل ومضايقتهم بكل الوسائل لكي يخلو شمال العراق من العرب ويخلص للأكراد وحدهم، بل إنهم يتعاملون مع المهاجرين العراقيين وكأنهم أجانب لا يمتون إلى العراق بصلة...

أما شيعة الجنوب فهم أيضا يرحبون بهذا التقسيم، وقد أكد ذلك السيد عمار الحكيم في تصريح له قبل بضعة ايام من خلال قناة «العربية» وكان ينتظر مرور الأشهر الستة بحسب الدستور حتى يتم الاستفتاء على التقسيم وكأنه يتطلع إلى ذلك اليوم بفارغ الصبر حتى يتحقق له ما يتطلع إليه...

وكما في الشمال نفط ففي الجنوب مثله كذلك وهذا مغرٍ جدا لأهل الجنوب كما أنه مغر كذلك للأميركان الذين يتطلعون إلى الإستفادة من هذا النفط الوفير الذي جاءوا من أجله، ووجوده في «دويلة» لا قيمة لها يسهل عليهم فرض كل ما يريدونه في سبيل حصولهم على النفط...

وتبقى في الوسط «دويلة» للسنة هي الأفقر والأضعف، ولا بأس عند الأميركان من ذلك عقابا لهم على مواقفهم السيئة من الأميركان طيلة سنوات الأحتلال، وبطبيعة الحال لن تستطيع هذه «الدويلة» أن تفعل أي شيء في ظل انفصال الشمال والجنوب عن الدولة الأم!

هذا السيناريو الذي صنعه الأميركان وقدموه مقترحا غير ملزم أيده البعض كما قلت ورفضه الكثيرون من داخل العراق ومن خارجها ومن كل الطوائف العراقية باعتباره مشروعا فاسدا وفاشلا بكل المقاييس ولن يحقق إلا مزيدا من الاقتتال الطائفي والدولي وسيتحول العراق - إذا تم هذا المشروع - إلى حمام من الدم يشارك فيه أناس من داخل العراق ومن خارجه...

السيد نوري المالكي رفض هذا المشروع وأعتبره كارثة على العراق وعلى المنطقة كلها... وقال المالكي في حديثه للتلفزيون العراقي وهو في طريق عودته من نيويورك بعد حضوره دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة: «إن على الأميركان أن يقفوا إلى جوار العراق ويعززوا وحدته وسيادته بدلا من أن يقترحوا تقسيمه».

لكن نائبه عادل عبدالمهدي كان له رأي آخر فهو يرى أن بالإمكان تقسيم العراق بحسب الآخذ بنظام فيدرالي سواء أكان ضمن هذا النظام ثلاث إمارات أو أكثر، وأشار إلى تجربة الإمارات وأنه يمكن الآخذ بمثل هذه التجربة في العراق! أقول: ليت المالكي يستطيع إقناع نائبه وكذلك إقناع الحكيم وبعض الأكراد بالعدول عن مواقفهم المؤيدة للتقسيم حتى وإن قالوا أنه سيكون ضمن عراق واحد، فالكل يعرف بعد هذا الكلام عن الواقع...

المسئولون العرب جميعا وقفوا ضد فكرة التقسيم وتحدثوا عن خطورتها ونتائجها المدمرة، فالمسئول عن العلاقات العامة وملف العراق في جامعة الدول العربية قال: إن القرار غير الملزم الذي أصدره مجلس الشيوخ الأميركي هو الرؤية المستقبلية الأميركية للمنطقة العربية...

أما أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية فقال: إن مجرد الحديث عن تقسيم العراق سيكون له نتائج وخيمة ليس على العراق وحسب وإنما على الأمن والاستقرار الاقليمي من جهة والسلم الدولي من جهة آخرى...

الأميركان اقترحوا ثلاث «دويلات» ولكن الواقع العراقي يقول إن هذه «الدويلات» قد تزيد عن الثلاث لو حصل التقسيم فعلا فهناك آخرون يرون أن لديهم الحق في «دويلة» إسوة بالتوصيات الآخرى...

صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم الأحد 30 سبتمبر/ أيلول 2007 نقلت تصريحا على لسان نائب رئيس حزب «تركمان إيلى» علي عبدالمهدي قوله: إن التركمان يعتزمون إعلان إقليم رابع في العراق إذا تم تقسيمه إلى ثلاث دويلات صغيرة...

وأكد السيد علي عبدالمهدي رفض التركمان لأي مشروع يتعلق بتقسيم العراق لكن - كما قال - في حال التقسيم فإن التركمان سيطالبون بإقليم خاص لهم... ولا أستبعد في حالة حصول تقسيم في العراق أن لا يقف الأمر عند دويلات ثلاث أو أربع فقد تطالب قوميات أو مذاهب آخرى بالاستقلال، وقد يختلف أصحاب المذهب الواحد أوالقومية الواحدة فيطالبون بالإنفصال والاستقلال...

ليت هؤلاء الذين يتحدثون عن الانفصال وعن تقسيم العراق سواء أكانوا من العراقيين أو الأميركان يعرفون أن العراقيين جميعا شعب واحد له تاريخ واحد وانتماء واحد وقد تعايش هذا الشعب ومنذ مئات السنين على رغم كل الاختلافات، وكانوا في أحسن حالاتهم حتى جاء الاحتلال فتغيرت الكثير من الأمور بسببه وليس بسبب الاختلافات المزعومة بين مكونات الشعب العراقي...

ما يحدث في العراق ليس فتنة مذهبية بل فتنة سياسية أتخذت من المذهبية غطاء لها...

واذا كان الأميركان والصهاينة يعتقدون أنهم بهذه المقترحات السيئة يحققون أطماعهم في العراق فهم واهمون أيضا فالشعب العراقي لا يمكن أن يقبل بهذا الذل الذي يراد له وتاريخه يؤكد أن أحراره هم الأكثر والأقدر على تحريره وإعادته قويا يحقق دوره العربي القومي...

يبقى أن أطرح السؤال مرة أخرى: هل فكرة تقسيم العراق هي نهاية المطاف أم بدايته؟

شخصيا أعتقد أنها بداية لطريق طويل تخطط له «إسرائيل» وأميركا منذ عشرات السنين ولو قدر للأميركان أن يحققوا انتصارا سهلا في العراق لرأينا أن التقسيم قد بدأ فعلا في عدد من الدول العربية...

لننظر إلى السودان وكيف أن أميركا لا ترى مانعا - وفقها الله - في انفصال الجنوب، وأن الاستفتاء قد يقود إلى هذه النتيجة، ورأينا أيضا موقفها الشاذ من دارفور وقد يقود هذا الموقف إلى الدعوة إلى انفصال دارفور عن السودان وهكذا يبدأ المسلسل ولا نعرف كيف ينتهي...

الحديث عن تقسيم سورية والسعودية ولبنان ومصر حديث قديم يتجدد حسب الأحوال ومالم يقف العرب جميعا ضد الأهداف الأميركية والصهيونية في العراق فقد تجد هذه الدول وشعوبها أنهم جميعا أصبحو شيعا وأحزابا.

ودويلات تافهة تتحكم فيهم جميعا «إسرائيل» وتسومهم سوء العذاب... أعداؤنا يبحثون عن مصالحهم ويلحون في البحث عنها ألا يحق لنا جميعا أن نبحث عن مصالحنا وبحسب رؤيتنا؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1859 - الإثنين 08 أكتوبر 2007م الموافق 26 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً