العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ

نزر من شذى واحات المجالس الرمضانية

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يحدث أن ترتبط الكتابة عن شئون المجالس الرمضانية ارتباطا سلبيا في الوعي العام بالأنماط الاستهلاكية الدارجة، والمرتبطة هي الأخرى بالإسراف في استهلاك الأطعمة والأشربة وإقامة الموائد الدسمة حد التخمة والابتذال؛ ما يجعل فعل الإسراف الكتابي والصحافي على المجالس و «الغبقات» الرمضانية من الكاتب والصحافي والكاتب الصحافي والمحرر خليقا بأن يكون أشعبَ جديدا، وربما خليفة له يتبع ويقدم وصاياه المشهورة في التطفل على الموائد!

كما أن مثل هذه الكتابة وفي أسمى معانيها تأتي لتجسد ملامح التلاحم والترابط الاجتماعي المتفجرة حيويا في أجواء هذا الشهر الفضيل، والممزوجة بشذى القهوة المرة، وانتعاشة الهيل وشهقة الزعفران، والموشاة برونق احتراق العود، وذلك بعد طول انقطاع وانشغال على مدار العام بأمور وأشغال الدنيا وسفاسفها غير الموشكة على الانتهاء مع تتابع خرزات الأعمار، فيكون من المجدي حينها أن يلجأ البعض إلى تصنيف أصدقائه وأحبابه وأصحابه وربما أقربائه تحت خانة «الأصدقاء والأحباب والأصحاب والأقرباء الرمضانيين» وكأنما هم لوحدهم من متعلقات هذا الشهر الكريم لوحده!

ولربما في هذا العام على وجه التحديد سنحت لي الفرصة الغالية أكثر من أي عام آخر للتشرف بزيارة عدد لا بأس به من المجالس الرمضانية، والالتقاء بمختلف الأصدقاء والأصحاب والأقرباء ومختلف الناس بتنوع طبقاتهم وانتماءاتهم وهوياتهم الثقافية، فانطلقت الجولة الرمضانية المميزة بدءا من مجلس ناصر فهد الزعبي بقرية الزلاق إذ تتبوأ تلك البساطة الشعبية الساحرة السيادة على الأجواء القروية والأحاديث المتفاعلة في هذا المجلس، والتي يدور في العادة الجزء الكبير منها حول أمور القرية وأخبارها، وتستعاد الذكريات الجميلة المتعلقة بالأيام الماضية ورواد المجلس الذين توفوا ورحلوا إلى العالم الآخر.

وشملت بعدها هذه الجولة الرمضانية المتعددة المحطات مجلس وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي الكائن في الرفاع الغربي، والذي كان كعادته الدائمة مزدحما جدا بالأفراد ووفود المهنئين بالشهر الكريم من كبار رجال العائلة المالكة والوزراء وكبار المسئولين والسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية وأعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، والناشطين السياسيين والحقوقيين من مختلف تيارات الموالاة والمعارضة السياسية إلى حد يظن فيه الزائر مع تواصل وتتالي سيول الزيارات المتكررة من دون انقطاع أن البحرين بكاملها زارت هذا المجلس في يوم واحد!

وإن كان السبب يعود في ذلك إلى حجم المسئولية والأعباء الجسيمة الملقاة على عاهل هذا المسئول الكبير، إلا أنه بناء على معايشتي المستمرة لها عن كثب، فإن الأمر يرجع إلى ما يتميز به وزير التربية والتعليم من حس بروتوكولي راقٍ ومحنك، وقدرة حميمة على استيعاب جميع الاختلافات والمتناقضات المتنوعة في حديتها بسعة الانفتاح، ومهارة الربط الاجتماعي المسنودة برحابة صدره وأخلاقه العالية وتواضعه الجم من بين كبار المسئولين في الدولة، وهو واقع يعرفه كل من جالسه وعايشه عن قرب، وهي كلمة حق ينبغي أن تقال بغض النظر عن الاختلاف في تقويم أداء هذا الوزير ومجمل وجوهر ما أنجزه منذ تسلمه حقيبة «التربية والتعليم»، أي هذه الحقيبة الملغومة والناسفة!

ومن دون أدنى شك كان لتلك الخصال المميزة والجذابة التي يتحلى بها بوراشد، والتي تحرض وتحفز بشدة إلى الاقتداء بها، أثرها الفاعل على الكثير من أشد المختلفين مع هذا الوزير وما بداخل حقيبته الوزارية، وعلى رأسهم أعمدة «الوفاق» في البرلمان!

ففي هذا المجلس تجيء أعمدة «الوفاق» حاملة معها لصاحبه ولرواده زنابق الود والقبلات والعناق، فأعضاؤها لا يتوانون كعادتهم عند زيارة هذا المجلس عن نشر البهجة والأنس والإمتاع في مختلف أرجائه، وغمره بالبسمات وتبادل الضحكات الرمضانية من إهلاس فانكلال وكتكتة فكركرة وطخطخة فزهزقة أحيانا، بحسب ما ورد في «فقه اللغة» لأبي منصور الثعالبي، وذلك في وقت تنقصه البهجة والضحكة لدى غالبية أفراد الشعب!

فو الله لم أرَ أشفَّ وأرقَّ من بهجة وبسمة أعمدة «الوفاق» في هذا المجلس العامر والتي وجدت فيما يحفل به من معدن تواصل اجتماعي خلاّق ومتجاوز لكفوف الاختلافات السياسية متنفسا لها ومدرسة تطيب فيها الدراسة! وهي من دون شك لوحة مبدعة وخلابة تختلف عن عبوس وصرامة وقُتْمَة الصور والبيانات الصحافية الصادرة عن وباسم الجمعية في هذا الشأن الساخن!

وإلى جانب زيارة هذا المجلس العامر شملت الجولة الرمضانية الكلاسيكية زيارة مجلس الخاجة في جامع السيف الذي يتميز هو الآخر بازدحامه وكثرة عدد مرتاديه من مسئولي القطاع العام ورجال الأعمال والأكاديميين ورجال الصحافة ورجال الدين من الطائفتين الكريمتين.

وإن ذكرت هذا المجلس الرمضاني الأخير فلابد أن تذكر عموده الأبرز وهو رجل الأعمال خالد الخاجة بجهوده التوربينية الحميمة التي لا تتوقف وتتلكأ عن استقبال ضيوف المجلس والترحيب بهم، فهو لأجل ذلك وكعادته المستمرة يكرس نفسه وفلذات كبده من ابنه البكر محمد حتى أصغرهم سنا، ويعاونه في ذلك أقرباؤه في خدمة رواد المجلس وضيوفه وتقديم الضيافة العربية الأصيلة بنكهتها البحرينية الطيبة إليهم.

ومثل تلك الضيافة العربية الأصيلة وجدت لها مجازا مذهلا في قلب ضابط البحرية الأميركية بالأسطول الخامس روبرت باغيت الذي تعرفت إليه بعد أن دأب على حضور المجلس مرتديا الملابس الخليجية بطريقة متقنة جعلت كل من يرمقه من ضيوف المجلس لأول مرة يحسبه من أبناء منطقة الرفاع أو ربما السعودية الشقيقة، كما أنه ألقى في ختام المجلس كلمة معبرة وموجزة عبّر من خلالها عن شكره أصحاب المجلس وعبّر فيها عن إعجابه الشديد بأجواء المجالس الرمضانية وكرم الضيافة العربية الأصيلة، وما تحققه من تعميق للروابط والعلاقات الاجتماعية.

وسنحت لي الفرصة أيضا أن أزور المجلس العامر للأخ العزيز صلاح الشعباني بقرية جد الحاج، والذي لم ينقطع أبدا عن استقبال مختلف المهنئين بالشهر الكريم من مسئولي الدولة ورجال الأعمال ومختلف أفراد المجتمع البحريني، وشهدت من خلاله تناول الكثير من الأحاديث المهمة والصريحة المتطرقة إلى مسألة العمالة الوافدة في البحرين - عفوا العمالة المهاجرة - وما يرتبط بها من مشكلات وأزمات في البحرين إلى جانب الكثير من القضايا الاجتماعية المختلفة.

وامتدادا للعادة الحسنة التي لم تنقطع، والتي دأب عليها الوالد الغالي والعم العزيز منذ ما يزيد على العقد تشرفت خلال هذا الشهر الفضيل بزيارة مجلس الحاج حسين حميد في قرية المعامير، هذه القرية البحرينية الوادعة المرتبط اسمها بالنكبات البيئية والمعيشية، فأنت في هذا المجلس الحي الدافئ كقطعة بلور في رحم «المعامير - أرض الموت» ترى بداخلها المبدع البحريني الأصيل محمد جواد، وأعني بها تلك الوردة الخلاقة التي شاءت لها الظروف والأقدار أن تنبت في هذه المقبرة المعيشية والبيئية على مدى السنين فتتشرب من ندى المأساة الأسود حتى الثمالة الشعورية، لتشذونا بعبق الأمل والتجدد، وتلهمنا التطرف الشرس في حب الحياة وافتداء أقحوانة الإنسانية، والمنطلقة جميعا من قريحة موسيقية أصيلة.

وعلى امتداد دروب العادات الحسنة والذكريات الجميلة التي يتنعم بها الإنسان البحريني رغما عن أنف جميع التشطيرات العمودية المعمول بها والحزازات الطائفية المنثالة كغبار اليورانيوم أو حبوب الطلع في البلاد، شملت زيارتي المجالس الرمضانية زيارة مجلس السادة (سيدعبدالله الساري) في قرية السنابس الذي نلنا فيه من حفاوة الضيافة الكريمة والترحاب الحميم الذي لطالما تميز به الإنسان البحريني الأصيل، وأذكر خلاله حديثا ثقافيا عاما دار بيننا والحضور ورجل الدين والمثقف الكبير سيدكامل الهاشمي تناولنا من خلاله الكثير من الموضوعات بدءا من قضية وجبات «الفاست فوود» وخطورتها على الصحة، حتى مناقشة مقالاته الأخيرة المنشورة في صحيفة «الوسط» المعنونة بــ «هشاشات القرن 21».

وكان مسك الختام يضوع في جولة رمضانية حميمة في أرجاء و «دواعيس» المحرق برفقة الزميل والصديق العزيز محمد العثمان وذلك لمجلس رجل الأعمال إبراهيم بن مطر، وإن كان لهذا المجلس المحرقي المعتق أن يرتبط في ذاكرتي بسمة مميزة فهي سمة التشابه المدهشة في الملامح المظهرية بين أصحاب المجلس ومعظم رواده وحضوره من مختلف الفئات، وتلك اللكنة المحرقية الجميلة التي عززت هذا التشابه بينهم على أشده، فكان هذا المجلس دانة لابد من الوشاية بصفاء ألقها وندرتها صحافيا!

أما مسك المسك وختام الختام فكان بلون العنبر الليلي المندلع على أشده في مزاجنا الرمضاني الرائق، إذ توغلنا في ليل المحرق، وبداخل لوزة قلبها الشعبي البسيط مرورا بسوقها التي لاتزال مزدحمة، و «دواعيسها» الضيقة جدا حد العناق، وذلك أخذا منا واتجاها إلى مجلس الأخ العزيز فؤاد شويطر الذي لطالما قصّرت في حقه كثيرا جداَ وأنا مدين له بالكثير، إذ هي المرة الأولى التي أدخل فيها، وبعد وابل من الدعوات، إلى هذا المجلس البسيط والحميم ولكنه التنور الساخن بالحوارات والفعاليات الجادة في مختلف الحقول والميادين!

فأن تتحدث عن مجلس شويطر فإنك تتناول المجلس الأكثر نشاطا وفاعلية في كل أنحاء المحرق، والذي لايزال يواصل رسالته التنويرية في ذلك المجال بعد أن عافت الكثير من المجالس مثل هذه الأعباء المكلفة جدا، وأذكر ما كتبه وأجاده الزميل العثمان عن هذا المجلس حينما اعتبره أكثر فاعلية ونشاطا وحراكا عاما من الكثير من الجمعيات السياسية، التي لربما من بينها في اعتقادي جمعية «الأصهار والأنسباء والأحباب»، أو الشركة المساهمة ريعيا واجتماعيا/ المقفلة سياسيا وفكريا.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً