العدد 1880 - الإثنين 29 أكتوبر 2007م الموافق 17 شوال 1428هـ

لماذا هاجم بعض رجال الأعمال الوزير؟!

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حالة استنفار قصوى وهجوم عنيف من قبل رجال الأعمال على وزير العمل مجيد العلوي حتى يخيّل للمتابع بأنّ رؤوس الأموال في الخليج أصبحت في خطر... فما السبب في ذلك ولماذا استنفر رجال الأعمال قواهم وجمعوا مجموعة من النواب لمساندتهم؟

هل أضحت المصالح الخاصة أهم من المصلحة العامّة؟ وهل أصبحت رؤوس الأموال هي المتحكّم في مصير الناس حتى لو أدّى ذلك إلى تضرر التركيبة السكانية الخليجية بسبب تفاقم العمالة الأجنبية والضغوط التي تواجهها دول الخليج لتوطين العمالة؟

السبب في هذا الاستنفار هو الدعوة التي وجهها وزير العمل مجيد العلوي إلى دول مجلس التعاون بضرورة التحرّك لتنظيم العلاقة القانونية بينها وبين العمالة الوافدة، تجنبا للأضرار والآثار السلبية المتوقعة على التركيبة السكّانية في دول المنطقة، وهي دعوة جديرة بالاهتمام خصوصا أنّ العمالة أصبحت كابوسا يؤرق ساسة الدول الخليجية في ظل الازدياد غير الطبيعي لأعدادها وخروج المليارات من الدولارات سنويا تقدّر بنحو 59 مليار دولار في العام 2005م بحسب التقرير المنسوب إلى شركة (ويسترن يونيون).

ما جاء على لسان الوزير خلال ندوة «سوق العمل» التي نظمتها جمعية المحامين البحرينية يمثل جرس إنذار يجب على المسئولين في دول مجلس التعاون الخليجي النظر إليه بعين الاعتبار خصوصا مع وجود الكم الهائل من العمالة الوافدة وغالبيتها «عمالة غير ماهرة تتجذر تبعاتها يوما بعد يوم في مجتمعاتنا، ومن هنا تأتي أهمية مواجهة تداعيات هذه المشكلات، وأخذ التدابير الاحترازية نحوها حتى لا تتحوّل الهوية في دولنا،وبالتالي تغيّر الصورة الحضارية لمجتمعاتنا الخليجية» حسبما جاء على لسان الوزير.

العمالة الوافدة أغلبها غير ماهرة وتشكّل نسبة العمالة غير الماهرة في البحرين والخليج نحو 80 في المئة من نسبتها الإجمالية لذلك نرى ضرورة التفاعل مع المقترح بغض النظر عن الضجة التي أثارها رجال الأعمال خوفا على مصالحهم، وإذا كان المقترح هو بقاء العامل لمدة لا تزيد عن ست سنوات فإننا نتمنى أن يتم تقليص المدة لأقل من ذلك كما نتمنى أن يشمل الاقتراح جميع الفئات من دون استثناء بمافيهم المهندسون والأطباء والمحاسبون الذين استثناهم المقترح؛ لأننا نرى ضرورة وجود «لجنة عليا للتخطيط الاستراتيجي» تشترك فيها جميع الأطراف المعنية.

وفي مثل حالة البحرين فإنّ الأطراف المعنية هي: وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية والاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين، تكون مهمة «اللجنة العليا» هي وضع الخطط الاستراتيجية وإلزام وزارة التربية والتعليم بضرورة التركيز على البعثات التي تتناسب ومتطلبات سوق العمل كما يتم من خلالها إلزام الجامعات المحلية بضرورة فتح المجال للتخصصات المطلوبة في السوق وتوجيه الطلبة الذين يدرسون في الخارج للالتحاق بتخصصات تطرحها هذه اللجنة من أجل الاكتفاء الذاتي.

لقد أبدى العلوي تخوّفه من إحدى الاتفاقات الدولية وهي اتفاق «حماية العمالة وعائلاتها»، موضحا أنها توفر الحماية للعمالة الأجنبية وعائلاتهم، وأن ذلك يعني أنّ الدولة تلتزم بتوفير السكن والتعليم وكل أساسيات المعيشة»، مع العلم بأن الدول الخليجية حتى الآنَ لم توقع على ذلك الاتفاق.

لا شك أن البحرين جزء من المنظومة الخليجية ووضعها مماثل لجاراتها وقد وضعت عدّة مشروعات منذ الثمانينات في القرن الماضي لتوطين التوظيف إلاّ أنّ كل الحلول لم تكن ناجعة بل ازدادت العمالة الوافدة أضعاف ما كانت عليه وأصبحنا نشهد دخول ثلاثين ألف من العمالة الوافدة سنويا بحسب الإحصاءات الرسمية فمنذ مشروع عشرة آلاف متدرب، ثم مشروع بحرنة الوظائف، بعدها تتالت المشروعات وجاء مشروع ميثاق العمل الوطني ليتحدّث عن حق المواطن في العمل بكرامة وحقه في الحصول على العمل والسكن الملائمين وأن لا يولى الأجانب الوظائف العامّة، ثم جاء المشروع الوطني للتوظيف وبعده مشاريع هيئة تنظيم سوق العمل في البحرين وصندوق العمل ثم مشروع التأمين ضد التعطل... إلا أنّ المشروعات السابقة فشلت في القضاء على ظاهرة الزيادة في العمالة الوافدة التي أصبحت تنافس العمالة الوطنية حتى الوظائف البسيطة كغسيل السيارات وليس هناك ضمانة لنجاح المشروعات الحالية، إذ وصل عدد العمّال الأجانب إلى ما يربو على ثلاثمئة ألف بالإضافة إلى أكثر من ستين ألفا ممن يطلق عليهم الفري فيزا وعدد مماثل من خدم المنازل وهذا يعني أن العمالة الأجنبية في البحرين بمختلف أشكالها تفوق الأربعمئة ألف.

وبالنظر إلى تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نجد أنّ هذه الظاهرة آخذة في التفاقم في دول الخليج بصورة عامة، فنسبة العمال الوافدين إلى إجمالي القوى العاملة وصلت إلى نحو سبعين في المئة في المملكة العربية السعودية؛ أي ما يعادل ثمانية ملايين وثمانمئة ألف عامل، وخمسة وثمانين في المئة في دولة قطر، ونحو ستين في المئة في سلطنة عُمان، وستين في المئة في مملكة البحرين، ونحو تسعين في المئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وثمانين في المئة في دولة الكويت، هذه الأرقام ذكرها رئيس مركز الخليج للأبحاث في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 14-6-2005.

أمّا الكاتب الاقتصادي في صحيفة «الجزيرة» السعودية أحمد العثيم فيشير إلى أنّ التحويلات المالية للعمالة الوافدة في دول الخليج تعد أحد أكبر مصادر الاستنزاف للمال الخليجي إذ بلغت قيمة تحويلات العاملين في دول الخليج نحو 30 مليار دولار العام 2004 مقارنة مع 27 مليار دولار العام 2002... في حين أشار تقرير (ويسترن يونيون) إلى أن التحويلات في العام 2005 تصل إلى 59 مليار دولار ونلاحظ هنا الزيادة السنوية للتحويلات التي تستنزف الاقتصاد بصورة كبيرة.

ويشير الباحث أن التحويلات من السعودية تصل إلى نسبة 63 في المئة من إجمالي التحويلات العام 2004 إذ بلغت نحو 19 مليار دولار، وقد بلغت في الإمارات نحو 15في المئة بقيمة 4.5 مليارات دولار تقريبا، وفي باقي دول المجلس 22 في المئة بواقع 6.5 مليارات دولار، وهناك تحويلات تمت بصورة غير رسمية بلغت العام 2004 نحو 5.4 مليارات دولار، وقد شكلت تلك التحويلات نسبة 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للدول الخليجية.

كما يشير إلى أنّ عدد العاملين الأجانب في الدول الخليجية بلغ نحو 12 مليون عامل معظمهم من الدول الآسيوية، ويرتفع ذلك العدد بمعدل سنوي بنسبة 5 في المئة إذ من المتوقع أن يصل ذلك العدد إلى 18 مليون عامل خلال عشر سنوات في حين يقدر عدد السكان بدول الخليج بنحو 35 مليون نسمة؛ أي أنهم سيمثلون ما يزيد على 51 في المئة من حجم السكان في دول مجلس التعاون.

لذلك نرى أنّ العمالة الوافدة بالإضافة إلى تأثيراتها الاقتصادية فإن لها آثارا اجتماعية وأمنية وسياسية وثقافية على مختلف دول مجلس التعاون ومن المفترض أن يتم الانتباه لهذه الآثار قبل فوات الأوان.

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 1880 - الإثنين 29 أكتوبر 2007م الموافق 17 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً