العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ

خنادق «الإعلام» ومروج الطائفية في بلادنا!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

موقف مشرف جدا ومبادرة حسنة تلك التي صدرت عن وزير الإعلام جهاد بوكمال تجاه الأكاديمي نادر كاظم وكتابه الممنوع «استعمالات الذاكرة: في مجتمع تعددي مبتلى بالتاريخ»، أثناء ندوة المنبر الديمقراطي التقدمي، وهو موقف ليس غريبا أبدا عن رجل مثله مازلنا نعوّل عليه في إصلاح حطام الأوضاع الراهنة والمأسوية لـ «وزارة الإعلام» ولو كان ذلك جزئيا؛ ولذلك تبقى النوايا الطيبة وانتعاشة التفاؤل المتجددة معلقة جميعا على حبال الآمال والأمنيات ولو اتُّهِم بعدها كاتب هذا المقال بالمحاباة والتزلف والسطحية!

ولكن مهلا فلنتوقف مرة واحدة ونراجع جميع تلك اللوحات السوداء بعين واقعية تبصر النقاط على جميع الحروف. إن مسألة اصطدام كتاب الزميل نادر كاظم وغيره من الزملاء الكتّاب والصحافيين بحواجزَ وحصونٍ لا يمكن أن تحجم وتوضع في إطار المشكلة، وإنما هي قضية كبرى تتعدى وتتجاوز حجما إدارة «الرقابة» و «الإعلام» معا وما هو ممنوح لهما من سلطات وصلاحيات تنفيذية وما لديهما من معاييرَ صادقة أو مزدوجة في ذلك، حتى من دون المعايير، وهي تتوقف أمام سدرة المنتهى لكل إبداع وإصلاح ومصارحة مطلوبة وعدالة ضرورية، وتحديدا تطرق عقلية ومواقف أخلاقية مازالت للأسف سائدة ومهيمنة ولم تعرف قط زمن الإصلاح الذي يعلنون. إنها قضية «ذاكرة» وعقد تاريخية عصبية مازالت تتوارثها الأجيال، ولربما كانت تلك العقلية والقيم والأخلاق الرجعية إحدى ضحايا هذه «الذاكرة» وتلك العقد العصبية والرومانسية المحرّم نبشها وإن نُهِشت!

فالقول إن قضية كتاب كاظم اصطدمت بحجب حسية وعصبية ورومانسية عتيقة مازالت تعكر سماوات الإصلاح والعدالة وقبلهما المصارحة ليس فيه من المبالغة والتجني أي شيء، وكتاب نادر كاظم قد أتى ليعكس فلسفة المصارحة والاعتراف المتبادل الممهدة لطرقات الإصلاح والمصالحة المرغوب فيها؛ لذلك من المعقول والمقبول منطقيا أن يكون منع كتاب نادر كاظم الذي يشرّح الطائفية ويفضح عقدها المنهجية العصبية في جسم تاريخنا المبتلى على وزن ملائم لمنع المنشورات التوعوية عن المخدرات والإيدز التي تنشرها مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني بدعوى أنها تحرّض على الرذيلة وتداول الممنوعات، من قِبل «الإعلام» ذاتها!

هل عدسات «الإعلام» لا تفرق بين من يفتح الذاكرة برزانة ومن ينبش القبور وينتهك حرماتها؟

وإن كان من دون ذلك فهل الأمر يرتبط بعجز عقلية «الرقابة» عن فهم واستيعاب ما كتبه نادر كاظم لكونه غير مألوف وجديدا ومبدعا معرفيا في مجتمع يلفه الغموض والجهل، بل أذكر أنه حينما نشرت مقالات نادر في «الوسط»، وهي ذاتها التي أصبحت فيما بعد محتوى الكتاب الممنوع والمغضوب عليه، واجهت الكثير من الملاحظات وأوجه الإعجاب والاستحسان من قِبل الكثير من القرّاء وتتالت الاتصالات من أقصى أطراف البلاد وهي تشيد بإسهامات نادر كاظم على رغم أنها لم تعرفه قط ولم تجد فيما كتبه أية «فزعة» طائفية، فمقالات كاظم قد ملأت الكثير من الفجوات والثقوب الكامنة في الذاكرة الوطنية تلك!

ولكنها - على رغم تأثيرها الخارق ذاك - مازالت عصية على ردم الفجوة المتزايدة بين الدولة والمجتمع، والفجوة بين النص الدستوري ومعايير «الرقابة» وواقع الحال الحافل بالكثير من التباينات والتمايزات الانفصامية غير المفهومة!

فإن كانت «الإعلام» صادقة فعلا في معاييرها وتعض بنواجذها التنفيذية على اختصاصاتها وصلاحياتها الرقابية والإشرافية وفقا للنصوص الدستورية والقانونية، فلماذا لا تشمل الجميع بمعروفها الوطني ذاك؟

تخيلوا مثلا خلال جولة دقائق في الإنترنت وجدت الكثير من النواقض الدستورية المنشورة بكامل الحرية في حلل بهية، والمزينة باسم المملكة وصور القادة، والتي لا أعلم لماذا هي - أعني وزارة الإعلام - غافلة أو متغافلة عنها، فليدخل أيٌّ منا الروابط الإلكترونية المعروفة للجميع والمستعد لتقديمها إلى المعنيين في «الإعلام» - إذا أدعى المسئولون هناك عدم معرفتهم بها - ليعلن بعدها حكمه عليها.

فهذه المواقع تخالف النص الدستوري الذي تتذرع به «الإعلام» نهارا جهارا؟ وإذا هي فعلا كذلك، أليس في هذه المواقع استغلال فاضح لصور رجالات القيادة وأسماء شخصيات بارزة، واسم وطننا الحبيب قبلها في ممارسة التحريض الطائفي وتهديد استقرار الدولة؟

مثلهم كمثل من يدعو إلى ممارسة الطائفية بدلا من تفكيك خطابها ودحض أطروحاتها!

المصيبة ليست في قصور الفهم أو سوئه وإنما في تلك المعايير والتأويلات المزدوجة القابلة للقسمة على أكثر من رقم، وإلا فلنرَ ماذا فاعلةٌ «الإعلام» وخنادقها غدا بمروج الطائفية، ونرجو أن نكون على أكبر خطأ في ذلك، وإن كنا نحسب أن فاقد الشيء لا يعطيه!

من ذا يتجرأ في هذا البلد على مخالفة مضامين خطابات وتصريحات رجالات القيادة، والتي تطالب بحفظ الصف الوطني وتنادي بالإعلام الحر المسئول؟

حتى لا يتّهم كاتب المقال - بحسب منطق «الرقابة» ومعاييرها - بالتحريض على الطائفية واستقرار الدولة فإن كاتب المقال لا يهمه أبدا إن كان مصنّفا بذلك في خانة العشرة المبشرين بجنة السلطة أو جحيمها، فما يهمه فقط من ذلك هو أن يتحمّل كل طرف مسئوليته الأخلاقية والتنفيذية كاملة، ويتم تنفيذ جميع خطابات جلالة الملك وتصريحات رجال القيادة بشأن وحدة الصف الوطني وحرية الصحافة والإعلام على الأقل!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً