العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ

منتدى المستقبل... ما مصيره؟ (1)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

سيعقد منتدى المستقبل دورته الرابعة في صنعاء، عاصمة الجمهورية اليمنية في الفترة ما بين 3 إلى 4 ديسمبر/كانون الأوّل 2007، وسيسبقه المنتدى الموازي في الفترة 1 - 2 من الشهر ذاته في عدن، الميناء اليمني المشهور وعاصمة اليمن الديمقراطي سابقا.

ترأس المانيا الدورة الرابعة الممتدة من ديسمبر 2006 حتى ديسمبر 2007 بينما تتولى اليمن استضافة الدورة الرابعة وبالتالي فهي الرئيسي المشارك ومن أجل التحضير للدورة الرابعة فقد جرى تنظيم اجتماع في برلين يومي 22 و23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ضم ممثلي الدول الأعضاء في منتدى المستقبل وتضم دول ما يعرف بالشرق الأوسط الواسع وشمال إفريقيا (أي الدول العربية ودول غرب آسيا) والدول الثمان الكبرى، وخلافا للاجتماع التحضيري خلال العام الماضي في موسكو، فقد دعى لاجتماع برلين ممثلون عن المجتمع المدني من عدد من البلدان العربية والمنظمات الغربية المساندة مثل منظمة لاسلام بلا عدالة.

أمّا الإيجابية الأخرى فهي أنّ هذا الاجتماع وكما عبّّر عن ذلك المدير العام لشئون المشرق والمغرب بوزارة الخارجية الألمانية أندرياس منحليس، فهي الاستماع إلى وجهات نظر ممثلي المجتمع المدني ومناقشتها شمل الحوار أربعة محاور قدمت بشأنها أربع أوراق كما يلي :

1. الإصلاح الديمقراطي وقدّمها أمين عام مركز ابن خلدون سعدالدين إبراهيم .

2. تمكين المرأة وقدمها منصور اجن من مركز تيسيف (TESEV) التركي للأبحاث.

3. إصلاح التعليم وقدّمها أمين عام الكواكبي لدراسات الديمقراطي محسن مرزوق.

4. أربع أوراق عمل عن المؤتمرات الموازية لمنتدى المستقبل قدمها مدير مركز التأهيل والتدريب لحقوق الإنسان - اليمن ورئيس اللجنة التحضيرية للمنتدى الموازي الرابع الذي سيعقد في اليمن عزالدين الأصبحي ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الموازي الذي عقد في مملكة البحرين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 عبدالنبي العكري ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الموازي الذي عقد في عمَّان في نوفمبر 2007 المحامي عاصم ربايعة ومنسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة «لا سلام بلا عدالة» جيان لوكا ايرامو.

عاصفة سعد الدين

خلال الجلسة الافتتاحية وزعت ورقة أمين العام لمركز ابن خلدون للدراسات التنموية سعدالدين إبراهيم, وفجأة سرت همهمات في القاعة، تحرك عدد من المسئولين من الاجتماع من الجانبين الحكومي والمجتمع المدني في مقاعدهم.

وعلمنا فيما بعد أن هدد مستشار وزير الخارجية المصري رؤوف سعد بالانسحاب من المؤتمر احتجاجا على ما ورد في الورقة عن الأوضاع في مصر، وأن ثلاثة سفراء عرب تضامنوا معه، وسينسحبون. وهكذا شهدت الاستراحة التي أريد لها أنْ تكون قصيرة، مشاورات ولقاءات عاجلة، تمخض عنها تجنب سعدالدين إبراهيم بعض القضايا الحسّاسة في عرضه لورقته، التي وزعت.

تقوم فكرة ورقة سعدالدين على عرض للمشروعات الدولية التي تضم الدول الصناعية المتقدّمة، وبلدان الشرق الأوسط الكبير وشمالي إفريقيا (WMENA) وهي في الحقيقة جميع الدول العربية وعدد من دول غربي آسيا ولكن هناك إصرارا على إطلاق تسميات غربية عليها مثل الشرق الأوسط الكبير (GME) والشرق الأوسط الواسع (WME)، وذلك لإنكار هويتها العربية ولكي تضم «إسرائيل»، كما هو الحال في اتفاق برشلونة للعام 1995 وفي حين أن مسار برشلونة الأوروبي المتوسطي يركز على القضايا الاقتصادية والتنموية والتجارية، فإنّ منتدى المستقبل والذي انطلق في سبتمبر/ أيلول 2004 ويضم الدول الثمان الكبرى من ناحية والدول العربية وغرب آسيا من ناحية أخرى، يركز على الإصلاح الشامل وخصوصا الإصلاح الديمقراطي السياسي، ويستهدف مواجهة (التطرف الإسلامي) بالأساس من خلال تشجيع تحول الأنظمة الاستبدادية في المنطقة إلى أنظمة ديمقراطية، وتحول المجتمعات التقليدية الأبوية المتشددة إلى مجتمعات حديثة ومتسامحة.

منابع التطرف

طبعا فإنّ مشروع منتدى المستقبل هو مشروع أميركي بالأساس، انطلق كإحدى الاستراتيجيات الأميركية لمكافحة الإرهاب إثر هجمة الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقد سبق للولايات المتحدة إطلاق مشروعها الخاص مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط (MEPI) والتي رصد لها مئات الملايين بدءا من 2003، لتشجيع الإصلاحات الاقتصادية والتجارية والتعليمية والسياسية في المنطقة. لكن الولايات المتحدة ارتأت أنّ من مصلحتها إشراك الدول الكبرى الأخرى في استراتيجيتها خصوصا في ضوء اتهامها بالتفرد في التعامل مع قضايا ذات طابع دولي. وهكذا عمدت الولايات لدعوة الشركاء الكبار وبعض الدول الصديقة في المنطقة إلى قمة سي ايلند في جو رجيا في صيف 2004 وتبع ذلك اجتماع على هامش اجتماع الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2007 في نيويورك ضم الدول الثمان الكبرى وجميع دول منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا وغرب آسيا بمن فيهم خصوم الولايات المتحدة إيران وسورية وليبيا، واستبعدت «إسرائيل» منذ بداية المشروع.

سعدالدين عرض للتطورات المبشرة بتحوّل ديمقراطي في المنطقة وخصوصا خلال الفترة اللاحقة لتأسيس منتدى المستقبل بالرباط في 7 ديسمبر 2004، وما أسماه «ربيع الحرية القصير الآجل» والذي شهد عددا من التطورات المهمّة حيث تواترت الانتخابات العامّة في عدد من الدول العربية ، وظهور حركات جماهيرية شجاعة مثل: حركة كفاية في مصر، ونوه سعدالدين إلى انه حتى الحوادث المأساوية مثل: اغتيال الحريري ترتب عليها تطورات إيجابية مثل: قيام حركة الأرز في لبنان والتي أسهمت في تحرير الإرادة اللبنانية من السيطرة والاحتلال السوري على حد تعبيره، وذكر سعد الدين المفارقة في معاداة الولايات المتحدة والغرب للحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنيه والتي جاءت للسلطة بعد انتصار حماس الحاسم للانتخابات النيابية الفلسطينية وكأنهم تعاقبهم على خيارهم الديمقراطي.

الهجوم المضاد للاستبداديين

رصد سعدالدين استيعاب الأنظمة العربية لربيع الديمقراطية حيث عمدوا إلى التحكّم بعملية التحوّل بحيث لا تؤدي إلى تحوّل جذري، وفي الوقت تجديد بنية النظام وتضفي عليه بعض الشرعية، وهكذا جرى التحكّم بالانتخابات وتهميش المعارضة وإدخال تعديلات دستورية، تؤمن استمرار الحاكم وتهيئ للتوريث في الأنظمة الجمهورية وحتى لبنان الواعد بتحول ديمقراطي جرى تحويله إلى رهينة في صراع القوى الإقليمية والدولية واستشهد سعد الدين بما يجرى في مصر وسورية ولبنان.

بصيص من الأمل:

على رغم قتامه الصورة فقد قدم سعدالدين بصيصا من الأمل في التطورات العربية الجارية أهم النقاط المضيئة هو ما جرى في موريتانيا. إذ أنّ العسكر على خلاف العادة، أوفوا بوعدهم وسلموا السلطة إلى رئيس منتخب وبرلمان منتخب بعد 18 شهرا فقط من حكم انتقالي. موريتانيا الفقيرة المتخلفة والتي حكمت من قبل العسكر المديد على وامتداد ثلاثة عقود، فاجأت العرب والعالم ودخل العقيد على فال التاريخ وكان تجاوب الجماهير العربية وخصوصا في مصر إعجابا بموريتانيا وتصميما باللحاق بها، إذ رددت الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير «موريتانيا موريتانيا مصر معاكي ثانية بثانية».

يتمثل التطوّر الثاني في تعميق الملك المغربي محمد السادس للتحوّل الذي بدأه والده الملك الحسن الثاني ولكن وبأبعاد واسعة، بحيث أضحى التناوب على السلطة من خلال الانتخابات الحرة واقعا معاشا وشملت العملية السياسية مشاركة الإسلاميين وخصوصا حزب العدالة والتنمية.

أمّا الظاهرة الثالثة فهي تنادي مؤيدي الديمقراطية العرب، كأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات إلى الاجتماع في أكثر من محفل ومحاولة تنظيم صفوفهم، والوصول إلى الجمهور والقضاء العام، بعد أن جرى احتكاره على مدى ثلاثين عاما من قبل السلطات والإسلاميين، وأشار سعدالدين إلى مغزى مبادرة قطر إلى إنشاء مؤسسة الديمقراطية العربية في مايو/ أيار 2007؛ لتمويل ودعم منظمات المجتمع المدني العربي في مواجهة التضييق عليها من قبل حكوماتها في تعاطيها مع مؤسسات التمويل الغربية.

ويخلص سعدالدين إلى التأكيد أنّ الديمقراطية لا تصدّر ولا تستورد ولكن يمكن أن تدعم. ودعا الدول الغربية إلى الاقتداء بروح هلسنكي والتي حكمت تعامل دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا مع الاتحاد السوفياتي من ناحية ودول أوروبا الشرقية من ناحية أخرى. وذلك عجب الدعم عن الأنظمة الاستبدادية ومكافأة السائرين على طريق الديمقراطية، ودعم المجتمع المدني ومنظماته. وطرح في نهاية ورقته شعار لا للاوتقراطيين ولا للثيوقراطيين نعم للديمقراطيين.

عاصفة من النقاش

أثارت ورقة سعدالدين إبراهيم عاصفة من النقاش، بدأها رؤوف سعد مستشار وزارة الخارجية المصرية. المعروف أنّ سعدالدين إبراهيم لم يرجع إلى مصر منذ أنْ خرج منها لحضور المؤتمر الثاني لدعاة الديمقراطية العرب في الدوحة في مايو/أيار 2007 وتعيينه عضوا في مجلس أمناء المؤسسة للديمقراطية، إذ ذكر بعد أن قرأ ورقته أنه مطارد من قبل السلطات المصرية وأنّ عددا من القضايا ضده في المحاكم المصرية. الدبلوماسي المصري أنكر بتاتا ذلك ودعاه إلى مرافقته إلى مصر.

لكن المهم هو أنّ ورقة سعدالدين فتحت جدالا ساخنا فيما بين السفراء وممثلي منظمات المجتمع المدني. سفراء الدول التي تناولتها الورقة سارعوا إلى دحضها وطرح بلدانهم رائدة في الديمقراطية مؤكدينَ على مبدأ السيادة وعدم تدخل الدول الأخرى. الولايات المتحدة، من ناحيتها نفت فرض أيّ شيء على دول المنطقة لكنها نوهت إلى عالمية مبادئ الديمقراطية في إطار العلاقات الدولية.

عدد من ممثلي المجتمع عبّروا عن توق شعوبهم للديمقراطية الحلم المستحيل، وذكروا عددا من الوقائع التي تثبت عدم رغبة بلدانهم في تحوّلات ديمقراطية ذات معنى.

انتهت الجلسة ولم تتوقف عاصفة سعدالدين، حيث استمر النقاش صاخبا خلال الاستراحة.

سعدالدين إبراهيم ردّ على الهجوم المضاد بالمطالبة بوضع معايير واضحة وقابلة للقياس حول التحوّلات الديمقراطية. كما طالب بشرطية العلاقة والمساعدات التي تقدّمها الدول الكبرى للدول العربية والشرق أوسطية.

كما دعا لاعتماد ميثاق هلسنكي كمرجعية للعلاقات فيما بين الدول الأعضاء في منتدى المستقبل. والمعروف أنّ ميثاق هلسنكي للعام 1968 وقد ضم دول أوروبا الغربية الرأسمالية ودول أوروبا الاشتراكية الشرقية والاتحاد السوفياتي وكندا والولايات المتحدة وقد أسهم ميثاق هلسنكي في دعم قوى التغيير الديمقراطي في أوروبا الشرقية وأسهم في التغيرات الهائلة التي أدّت لها انهيار الأنظمة الاشتراكية بما فيه الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي وقيام أنظمة ليبرالية على أنقاضه.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً