العدد 1897 - الخميس 15 نوفمبر 2007م الموافق 05 ذي القعدة 1428هـ

السود في أميركا 3/3

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك مسألة في غاية الأهمية يعاني منها السود في الولايات المتحدة، تلك هي ما يعرف بالعزل أو الفصل الجماعي الاجتماعي، والمقصود بهذا النمط من العزل، هو عزل جماعات من الناس بالقانون أو العُرف، باعتبار الاختلاف في العنصر، أو الدين، أو الثروة، أو الثقافة أو مثل ذلك. ويعتبر بعض الناس مثل هذه الاختلافات على درجة بالغة من الأهمية.

وتعتبر الولايات المتحدة واحدة من الدول القليلة التي أخذ الفصل الاجتماعي فيها دعما قانونيّا. من الطبيعي ألا تكون الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي يمارس في نطاقها الفصل الاجتماعي أو التمييز ضد الأقليات العُنصرية، فهناك الكثير من الدول الأخرى التي تمارس فيها أشكال شتّى من الفصل الاجتماعي بما فيها تلك الدول التي وقعت مواثيق حقوق الإنسان.

على المستوى التاريخي بدأ الفصل الاجتماعي في شكله الحديث في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. لكن الرِّق كان موجودا في الولايات المتحدة لأكثر من مئتي عام قبل الحرب الأهلية (1861 - 1865م). وبعدَ ما وضعت تلك الحرب أوزارها، قاسى السُّود المحرَّرون تمييزا عنصريّا واسع النطاق، وخصوصا في الولايات الجنوبية.

وعلى المستوى التشريعي، ظهرت هذه القوانين في بادئ الأمر في عدد من الولايات الشمالية في مطلع القرن التاسع عشر، وتبنتها كثير من الولايات الجنوبية في أواخره. ومن دون تحديد دقيق، قضت هذه القوانين بأن يستخدم البيض والسُّود مرافق عامة منفصلة، لكنها في العمل طبقت بأدق تفاصيلها. ففي وقت من الأوقات، على سبيل المثال، فرضت ولاية أوكلاهوما على البيض والسُّود استخدام أكشاك هاتف منفصلة. كما خصّصت ولاية أركنساس موائد منفصلة للمقامرة. بينما استخدمت كثير من المحاكِم أناجيل منفصلة للحلف عند الشّهادة. كما تَبَنَّت بعض الولايات الجنوبية اتفاقيات الأسلاف وقوانين جيم كرو الأخرى، التي جَرّدت السُّود من حُقوقهم الانتخابيّة.

وتعزز الانتشار السريع لقوانين الفصل الاجتماعي عبر الجنوب عن طريق سلسِلة من الأحكام التي أصدرتها المحكمة العُليا في الولايات المتحدة. وكانت أبعَد القضايا تأثيرا قضية بليسي فيرجسون العام 1896م. ففي هذه القضية، أقرّت المحكمة دستورية أحد قوانين ولاية لويزيانا، الذي قضى بمنح البيض والسود تسهيلات متماثلة، لكنها منفصلة، في عربات السكك الحديد. وكان هذا القرار تأكيدا للفصل الاجتماعي في أميركا بحُكم القانون. واستمرت كثير من الولايات لأكثر من 50 عاما، تستخدم قاعدة «مُنفَصل لكن مساوٍ» لعزل الأجناس في المدارس الحكومية، وعند استخدام وسائل النقل والمواصلات، ووسائل الراحة والاستجمام، والنوم، وتسهيلات الحصول على الطعام.

وكان من الواضح أن نظام الفصل الاجتماعي يسير ضد عجلة التاريخ، وأنه يصادر الحقوق المدنية التي بات يتمتع بها السود في الولايات المتحدة والتي انتزعوها عبر نضالات طويلة قدموا خلالها الكثير من التضحيات. لذلك بدا الحُكم قوانين الفصل الإجتماعي في الانهيار التدريجي مع مطلع القرن العشرين. ففي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)، أوجدت الأوامر بالاستعدادات والتجهيزات العسكرية، طلبا متزايدا للعمال، وأدى هذا الطلب إلى هجرة السُّود الجماعية من الجنوب إلى مراكز التصنيع في الشمال. وفي العام 1910م، كان حوالي عُشر مجموع الأميركيين الزنوج، يعيشون خارج الجنوب، على حين يعيش في الوقت الحاضر أكثر من نصفهم خارج هذه الولايات.

وفي ستينيات القرن العشرين، تحول الاهتمام في الولايات المتحدة الأميركية إلى الفصل الاجتماعي الواقعي ـ أي العزل ـ كما هو واقع فعلا. وقد تطور هذا النوع من العزل بفعل العرف والعادة أكثر منه بفعل القانون. وعلى رغم أن الكثير من القوانين، التي كانت أساس الفصل الاجتماعي بحكم القانون، تم إعلان عدم دستوريتها، فقد تزايد الفصل الاجتماعي الواقعي خلال أواسط القرن العشرين. وقدرت الوكالة الأميركية للحقوق المدنية أن 50 في المئة على الأقل من أطفال السود في أميركا التحقوا بمدارس تأخذ بسياسة الفصل الاجتماعي في مطلع الثمانينيات، أي بعد حوالي 30 عاما تقريبا من صدور حكم المحكمة العليا بعدم دستورية نظام الفصل الاجتماعي وإلغائه.

لقد كان الفصل الاجتماعي الواقعي سببا رئيسيّا في إحداث الاضطرابات العنصرية التي سادت المدن الأميركية في الستينيات وفي مطلع الثمانينيات، وهي المظاهر التي مثلت، مع أشياء أخرى كثيرة، مزيجا من اليأس والتحدي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1897 - الخميس 15 نوفمبر 2007م الموافق 05 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً