العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ

خلاف حاد بين وزير الإعلام ومي آل خليفة على صلاحيات «الثقافة»

عاد مشهد الوزراء السابقين مبكرا... «ما أشبه الليلة بالبارحة!»

علمت «الوسط» عن نشوب خلاف حاد بين وزير الإعلام جهاد بوكمال والوكيل المساعد للثقافة والتراث الوطني الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بشأن صلاحياتها في إدارة قطاع الثقافة كما كان مع وزراء الإعلام السابقين.

وأوضحت المصادر أن وزير الإعلام طلب الاجتماع مع الشيخة مي كما هو الحال مع مختلف مسئولي الوزارة للاطلاع على عملهم، وبحث إمكان تطوير قطاعات الإعلام المختلفة، ولكن الأخيرة أبدت احتجاجها على ما أسمته «التدخل السافر وغير المبرر في قطاع الثقافة من قبل الوزير»، ورأت أنها لا تستطيع أن تستمر في العمل على هذا المنوال. وذكر مقربون من الشيخة مي أنها تتجه إلى تقديم استقالتها بعد تفجر الخلاف، بينما نفى مقربون آخرون ذلك إطلاقا.

وفي المقابل قالت المصادر إن وزير الإعلام الجديد جهاد بوكمال أوصل رسالة توضح أن الوزير هو أعلى مسئول في هرم الوزارة، ويجب أن يتبعه جميع الوكلاء والوكلاء المساعدون والمسئولون، لأنه هو المحاسب عن عمله أمام جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وأمام مجلسي الشورى والنواب والرأي العام.

وفي حين يرى مراقبون أن الخلاف كان مبكرا جدا بين الوزير الجديد جهاد بوكمال الذي لم يمض على دخوله في الحكومة شهر ونصف، وهو ما يعني تحديا كبيرا للوزير، بجانب الضجة الكثيرة التي أثيرت بعد منع وزارة الإعلام طباعة كتاب «طبائع الاستملاك» للأكاديمي البحريني نادر كاظم، وقد فوجئ الكثيرون بالوزير الجديد جالسا في صدارة الأمسية التضامنية التي نظمتها مؤسسات المجتمع المدني في مقر جمعية المنبر التقدمي، وقد أراد الوزير حينها إيصال رسالة واضحة، فحواها أن «قرار المنع لم يكن صادرا من جهاد بوكمال» الذي لم يمض على فترة دخوله الوزارة اسبوعان حين أثيرت القضية.

وتكشف هذه المصادر أن «الوزير مصر على إجراء إصلاح شامل في الوزارة، ولكن من دون اتباع سياسة حرق المراحل، وينوي فتح حوار جدي مع كل مسئولي الوزارة»، إلا أن الشيخة مي ترى في المقابل أن «إدارة العمل الثقافي الاحترافي منوطة بها، لأنها المثقفة الأخبر بعملها، وأهل مكة أدرى بشعابها». على أن الخلاف بين الشيخة مي وبوكمال لم يكن سوى الحلقة الأخيرة من خلافها مع وزراء الإعلام السابقين (نبيل الحمر ومحمد عبدالغفار)، إذ إنها طلبت إعفاءها من منصبها في عهد الوزير الحمر، إلا أن الحكومة لم تبت رسميا في استقالتها، وعادت مرة أخرى مع مجيء الوزير المقرب من الإسلاميين محمد عبدالغفار.

ودائما ما كان يردد جهاد بوكمال (الوزير الحالي والنائب السابق الذي كان قادما من بيئة اقتصادية) «انني حائز على ثقة شعبية مباشرة من الشعب، فالناس هم من أوصلوني إلى قبة البرلمان، وشرفوني بتمثيلهم بنسبة تصل الى 90 في المئة من الأصوات»، وبالتالي فإن قرار تعيينه في وزارة الإعلام نابع من تلك الثقة الشعبية الممنوحة له أساسا، كما تشكل دليلا على قربه من جلالة الملك الذي أشاد به في محفل عام عندما كان رئيسا للجنة الشئون المالية والاقتصادية في مجلس النواب في الفصل التشريعي السابق.

الشيخة مي بدورها يبدو أنها لاتزال متمسكة برؤيتها السابقة، وهي ضرورة فصل قطاع الثقافة عن وزارة الإعلام، ولم تخف مطالبتها، لأنها ترى أن «الثقافة والإعلام عملان مختلفان تماما، ولا يصح دمجهما، فكل دول المنطقة تسير على فصل القطاعات»، وتؤكد أن ما تطالب به «ليس شيئا جديدا»، ولكن الرياح الحكومية لم تسر على ما اشتهته سفينة مي الخليفة. فحينما تفجر خلاف مي الشهير مع الوزير السابق نبيل الحمر، تحدثت عن رؤيتها تجاه هذا الخلاف، الذي عاد مجددا مع بوكمال، بالقول: «الخلاف ليس مع أشخاص, الخلاف من اليوم الأول الذي اكتشفت فيه أن هذا القطاع المهم والحيوي بالنسبة الى البحرين وبالنسبة إلي بصفةٍ خاصة مُهمّش تحت وصاية الإعلام, الثقافة شيء والإعلام شيء آخر، وكلانا لا يختلف في هذه الحقيقة».

وعندما سألتها إحدى القنوات الفضائية: لماذا قبلت بهذا المنصب أصلا؟ أجابت: «لم أعلم بطبيعة الوظيفة، كنت أعتقد أن الوكيل يعني المهتم أو المعني بشئون الثقافة والتراث سيكون له حرية البتّ في الأمور التي تقع ضمن مسئوليته». وأضافت «بقدر الإمكان حاولت أن أعطي ما يمكن تحقيقه على رغم الظروف الصعبة, ومحدودية الصلاحيات, وعدم وجود وصف وظيفي يُحدد المسئوليات والصلاحيات, حاولت قدر الإمكان حين اكتشفت أنه لا سبيل لتحقيق ما أتمناه للبحرين(...) إذا لم يتم تحقيق ذلك في المجال الرسمي فهناك سبل أخرى لا بد أن نبتكرها».

ولا تتفق مي مع من يقولون بضعف خبرتها الإدارية، بسبب كونها مثقفة أولا... «هذه المقولة خاطئة, أنا أعتقد أن هذا المنصب بالذات لكونه حساسا ولكونه يتطلب رؤية معينة وتصورا واضحا لما هو مطلوب من أجل الثقافة واتصاله بالمثقفين وبالدوائر المعنية بهذا الشأن, فاقد الشيء لا يعطيه, وأنا لا أعتقد أن شخصا خارج هذه الدائرة يستطيع أن يُنتج فيها أو يكون قادرا على تطويرها إلى الأفضل أو إلى ما هو مطلوب تحقيقه خاصة بالنسبة إلى البحرين».

كما ظلت الشيخة مي تنفي مرارا الاتهام الموجه إليها بأنها تبذر في المال العام، فتقول:» هذه تهمة مرسلة ليس عليها دليل، وبالعكس أنا لجأت الى تقليل المصروفات من خلال الشراكة مع القطاع الخاص».

لا غرو ان بوكمال وزير شديد الدهاء، وصاحب علاقات واسعة مع أطياف المجتمع المختلفة، ولم يسبق له ان سجّل خلافا مع طرف من الأطراف الفاعلة، وهو يدرك طبيعة التوازنات الصعبة التي يتطلبها منصب رفيع كوزير الإعلام، وبقدر ما يرى بوكمال نفسه صديقا للجميع لا يتوقع - كما يقول مراقبون - أن يفكر البعض في مقابلة صداقته بالخصومة.

مي الخليفة التي قد ترحل من الوزارة، طالما ذكرت أن ممارسة العمل الثقافي لن يكون حصرا على هذا المنصب، فهناك مجالات أرحب من خلال المراكز والمؤسسات الثقافية، لذلك عمدت مي الخليفة إلى تأسيس عدد من المراكز، من أهمها مركز الشيخ إبراهيم للبحوث والدراسات، وبيت إبراهيم العريض للشعر وبيت عبدالله الزايد الصحافي، وبيت الكورال في المحرق، وبيت محمد بن فارس للموسيقى.

ومن أهم إنجازاتها - كما ترى مي الخليفة - تسجيل قلعة البحرين على قائمة التراث الإنساني التابعة لمنظمة اليونسكو، وانتخاب البحرين عضوا دائما في لجنة التراث والآثار التابعة للمنظمة الدولية في الفترة الأخيرة، وحصولها على درجة «فارس» من الحكومة الفرنسية كأول خليجية تحصل هذا اللقب، كما تقول.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد احتدام الخلاف بين الوزير بوكمال والشيخة مي: ما هو مصير المشروعات المقبلة لقطاع الثقافة، المسرح الوطني، ومتحف الفن الحديث، ومشروع ساحل قلعة عراد، والمتحف الجانبي للبحرين، ومشروع متحف مستوطنة سار، وكذلك متابعة مساعي اليونسكو لحفظ مواقع اخرى مثل قبور عالي، مستوطنة سار، معابد باربار؟. ويقول مقربون منها ان لديها 30 مشروعا ثقافيا خلال الفترة الحالية، وغالبية المشروعات كانت بالشراكة مع القطاع الخاص. وترى الشيخة مي نفسها أن قطاع الثقافة موازنته هزيلة، ولديها فريق متعدد الجنسيات، نجح في تنظيم مؤتمر الآثار العالمي.

وفي عهد الوزير عبدالغفار ظهرت مي في محطة خلافية كبيرة، ولكن هذه المرة مع مجلس النواب الجديد الذي تسيطر عليه التيارات الإسلامية السنية والشيعية، ووجدت نفسها فجأة ومن دون سابق إنذار أمام لجنة تحقيق في فعاليات ربيع الثقافة (مهرجان ثقافي سنوي يدعمه مجلس التنمية الاقتصادية) التي يرى النواب الإسلاميون وممن خلفهم جماهيرهم أن أحد العروض الفنية شهد ابتذالا كبيرا، وكان مسرحا لعرض الأجساد لا الفنون»، لكن مي المرأة القوية رفضت اتهامات النواب جملة وتفصيلا، بل واتهمتهم، وأبدت أسفها «لأن البعض يحارب الثقافة».

ووجد الوزير السابق محمد عبدالغفار الذي أبعد من التشكيلة الوزارية الجديدة نفسه محصورا أمام كماشتين «كتل إسلامية تتضافر، ومي الخليفة ومن خلفها كثير من المثقفين الذين يرون أن المجلس النيابي فقد بوصلته»، وفي النهاية لجأت الحكومة إلى تغيير الوزير، والآن بعد أن عاد الوضع إلى سابقه، سيبقى السؤال: ماهو موقف الحكومة، وما هو موقف الكتل البرلمانية، وما هو موقف المثقفين الذين ساندوا مي الخليفة في أزمة «ربيع الثقافة»، والأهم من ذلك كيف سيتعامل الوزير الجديد مع الشيخة مي، وهل الصراع هو أجنحة مختلفة؟. لا شك أننا سنعرف الإجابة جيدا في الأيام المقبلة... ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة؟

العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً