العدد 1910 - الأربعاء 28 نوفمبر 2007م الموافق 18 ذي القعدة 1428هـ

ما التنظيم السياسي أو الحزب السياسي؟

التنظيم السياسي هو مجموعة من الناس ذوي الاتجاه الواحد والنظرة المتماثلة والمبادئ المشتركة والهدف المتفق عليه، يسعون بوعي وعن عمق وإصرار لتحقيق الأهداف التي يؤمنون بها، وأن يسودوا بنظرتهم ومبادئهم، وهم قادرون فعلا على أن يعملوا وينشطوا نشاطا يوميا ودؤوبا في سبيل ذلك، وهم يرتبطون ببعضهم بعضا وفقا لقاعدة أو قواعد تنظيمية مقبولة من جانبهم تحد علاقاتهم وأسلوبهم ووسائلهم في العمل والنشاط (انظر وليد نويهض «السلطة والحزب»).

- هناك عدة أنماط للأحزاب السياسية وتتنوع بين المركزية واللامركزية، والأحزاب المتخصصة، والأحزاب المرنة أو المتصلبة.

- ورد في درس سابق عن مجموعات الضغط، أن هذه التشكيلات تجمع أفرادا يشتركون في الاهتمامات ويسعون إلى الضغط على من بيده الحكم للحصول على أهداف محددة. أما الحزب السياسي فهو التنظيم الذي يسعى أفراده إلى التعاون فيما بينهم للسيطرة على الحكم أو للمشاركة الدستورية في الشئون السياسية العامة.

- لقد دلت الأحداث التاريخية أن الحالة الجماهيرية لا تنتج حكما فعالا وتنتهي تلك الحالات/ الحركات الجماهيرية أما لدكتاتورية فردية أو إلى الفوضى. ويشرح وليد نويهض في كتابه «السلطة والحزب» أن ظاهرة الأحزاب والتنظيمات السياسية ظاهرة حديثة وعصرية تبلورت بعد فشل أنصار الاتجاه الجماهيري الفوضوي إبان انتفاضة عمال باريس العام 1871. وبعد أن فشلت تلك الانتفاضة بسبب الطابع الفوضوي الذي تحكم بها، طالب عدد من القادة «الاشتراكيين» بإقامة «حد أدنى» من العلاقات التنظيمية والسياسية لتنسيق توجهات وحركة الطبقة العاملة في أوروبا.

- وعندما نشر ماركس وانجلز «البيان الشيوعي» في العام 1848، بدأ مفهوم الحزب الحديث يتبلور ويتغلب على المفاهيم الأخرى مثل الرابطات الأممية والحركات العمالية الفكرية. وأطلق ماركس وأنجلز على هذا التشكيل السياسي المطلوب اسم «حزب البروليتاريا» أي حزب الطبقة العاملة.

- الحركات الاشتراكية متنوعة. فهناك مثلا، الاشتراكية الفابية (المثالية)، والاشتراكية الثورية والاشتراكية الديمقراطية والاشتراكية الشيوعية. وهذه الحركات بدأت بتنظيم صفوف المؤمنين بها باستخدام الأسلوب الحديث للحزب السياسي منذ نهاية القرن التاسع عشر. واستمرت هذه التجارب الحزبية - التنظيمية حتى مجيء لينين على الساحة السياسية في 1905، الذي طور أفكار ماركس بشأن حزب البروليتاريا ووضع نظرية متماسكة عن مفهوم الحزب ودوره في كتابه الشهير «ما العمل؟». وطالب بتكوين منظمة حزبية مركزية تتألف من الثوريين المحترفين بقيادة زعماء سياسيين. وهكذا رد لينين على التيار الفوضوي الاشتراكي من خلال تأسيس تنظيم محترف لقيادة النضال ضد الشرطة السرية ومؤسسات القيصرية الروسية، وتمكن الحزب الشيوعي من الوصول إلى الحكم في روسيا العام 1917.

- الحزب السياسي الذي أسسه الاشتراكيون يعتمد على التنظيم الهرمي المركزي الصارم الذي ينفذ القرارات الصادرة عن القيادة بصورة احترافية ثورية. فقد وقف لينين ضد تيار العفوية، وقال إن التنظيم الثوري هو الوسيلة الأمثل لتحقيق الأهداف، وإن هذا التنظيم يحتاج إلى وجود نظرية ثورية واحتراف ثوري لمواجهة الشرطة السياسية.

- في العالم الغربي - الليبرالي فإن الحزب (بداياته واضحة في الولايات المتحدة نحو 1850) هو «اجتماع أفراد يعتنقون العقيدة السياسية نفسها». ووجد مثل هذا الحزب قبل نشوء الأحزاب الاشتراكية (الصارمة في التنظيم). والحزب الليبرالي يتألف من وحدات ولجان انتخابية تنشط في فترات الانتخاب لكسب أصوات الناخبين الذين يصوتون لصالح الأفراد المرشحين أنفسهم للوصول إلى السلطة التشريعية والتنفيذية. وهذه الأحزاب الليبرالية تعلمت (لاحقا) من الأحزاب الاشتراكية بعض الأساليب، إلا أنها أبقت على نفسها كهيئات تجمع الأفراد بصورة علنية وتدعو الشعب إلى انتخاب أولئك الأفراد الذين ينتمون للحزب. وهذه الأحزاب تختلف في قوتها ومركزيتها أو عدم مركزيتها وسيطرة الزعامات عليها. ففي الولايات المتحدة، الأحزاب ضعيفة التكوين وغير مركزية، ولهذا فإن الحكومة التي تصل إلى الحكم تسمى باسم الرئيس، مثل إدارة ريغان أو إدارة كلينتون. أما في بريطانيا فإن الأحزاب أكثر قوة وتماسكا ولهذا تسمى الحكومات باسم الحزب مثل حكومة العمال أو حكومة المحافظين.

- الحزب في الدول الليبرالية يمثل مجموعة من الناس تحاول (عن طريق الانتخاب) أن توصل أعضاءها إلى مراكز الحكم، وبذلك تسيطر على أعمال الحكومة أو توجهها. والحزب السياسي بالمعنى الغربي ليس سوى نمط من عدة أنماط من المجموعات أو الكتل التي تحاول أن تسيطر على جهاز الحكومة وسياستها.

- التنظيم السياسي يقد يتمحور حول شخصية كاريزمية، أو قد ينشأ لظروف سياسية وتاريخية وينتهي بانتهائها، أو قد ينشأ لتحقيق مبادئ أيديولوجية بعيدة المدى، أو قد يقوم من أجل ممارسة السلطة في أحسن الظروف الممكنة.

- الحزب الذي يعتمد على الاحتراف الثوري قد يؤدي لنشوء بيروقراطية خانقة، لأن الحزب قد يتحول إلى هرم من الموظفين. كما أن النخبة التي تسيطر على ماكنة الحزب قد تسعى إلى التفرد بالسلطات. والأحزاب قد تجهض التحرك الجماهيري الثوري بدلا من قيادته فيما لو تعارضت مصالح الحزب مع المصالح الأخرى.

- إذا كانت الدول الأوروبية وأميركا عرفت الأحزاب السياسية في منتصف القرن التاسع عشر، فإن الأحزاب السياسية لم تنتشر إلا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في الدول الإسلامية، بعد أن تفككت الدولة العثمانية وبرزت اتجاهات قومية تطالب بتكوين «الدولة القومية». وعندما سيطرت فرنسا وبريطانيا على البلاد العربية لم يمانعا في تكوين أحزاب سياسية بل على العكس، لأن ذلك كان يصب في النهج العام للاستعمار (الانتداب). فقد اعتبر الاستعمار الأوروبي الوحدة الإسلامية عائقا تجب إزالته من خلال تشجيع النزعات القومية والإقليمية. ونشأت تلك الأحزاب للدعوة إلى الأفكار القادمة من أوروبا وتسبب ذلك في نشوء الحساسيات الشعبية من نمط الأحزاب السياسية.

- كما أن الاستعمار الأوروبي شجع العصبيات القبلية والمذهبية بصورة مكنته من السيطرة على المنطقة الإسلامية والعربية. وتزامن النشاط الاستعماري مع حركة التبشير المسيحي التي اتسع نفوذها مع تلك السيطرة. وبدأ المبشرون بفتح المدارس والمستشفيات بهدف نشر ثقافة معينة في أوساط المسلمين.

- وكان الرد «العفوي» لذلك الغزو الثقافي الغربي هو بروز الثورات والانتفاضات في العراق (1920)، سورية (1925 - 1927)، مصر (1919)، المغرب (1925)، والمختار في ليبيا وغيرها. وغالبية هذه الثورات كان يطغى عليها الطابع التقليدي، وأحيانا كثيرة يطغى الطابع الريفي.

- بعد كل الانهزامات المتكررة بدأ عدد من المفكرين الإسلاميين بالسعي إلى الاستفادة من أسلوب الحزب السياسي، لاستعادة المجد الإسلامي. ولهذا أسس الإمام حسن البنا «الإخوان المسلمين» في 1928، وأسس أبوالأعلى المودودي «الجماعة الإسلامية» في فترة مقاربة، وتأسست أحزاب أخرى مثل حزب الدعوة الإسلامية في العراق العام 1958. وهذه الأحزاب الإسلامية اعتمدت على اجتهادات مثل «مقدمة الواجب واجب»، بمعنى إذا كانت استعادة الحكم الإسلامي واجبة فإن الطريق إلى ذلك (التنظيم السياسي) واجبة أيضا. غير أن الأحزاب السياسية في البلدان الإسلامية اصطدمت بالحساسية المتجذرة في المجتمعات الاسلامية ضد الاحزاب عموما.

العدد 1910 - الأربعاء 28 نوفمبر 2007م الموافق 18 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً