لم نرَ من الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما حتى الآنَ إرهاصات تدلّ على نيّته الحسنة تجاه العرب والمسلمين وقضاياهم الملحة أو على الأقل مكافأة العرب والمسلمين الأميركيين الذين بالتأكيد منحوه أصواتهم الانتخابية وآثروه على غيره متيمنين في ذلك بالمثل القائل إنه يشكل «أخف الضررين».
لقد خطب أوباما منذ الوهلة الأولى لفوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية ود اليهود في الداخل والخارج بترشيح النائب اليهودي في الكونغرس رام ايمانويل، الذي يملك الجنسية الإسرائيلية وتطوّع للعمل في الجيش الإسرائيلي إبان حرب الخليج الأولى قبل سبعة عشرعاما، رئيسا لموظفي البيت الأبيض؛ أي أنه سيمثل حلقة الوصل بين الرئيس المنتخب ومَنْ يريد لقاءه.
لم يكتف أوباما بهذا بل أحاط نفسه ببطانة غالبيتها من اليهود، كيف لا وكبار أقطاب الحزب الديمقراطي هم من أصول يهودية أو من المتحالفين مع اللوبي الصهيوني - الأميركي وهم الذين ساهموا في بروز نجم أوباما إلى الوجود السياسي. لذلك وفي ثاني اختبار له، اختار أوباما أيضا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، في عهد الرئيس بيل كلينتون، مادلين أولبرايت (71 عاما)، اليهودية الأصل والتي ولدت في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا 1937؛ لتمثله في قمّة العشرين التي انعقدت في واشنطن أخيرا. هذه العجوز الشمطاء لها تاريخ أسود مع القضايا العربية والإسلامية وهي متهمّة وفقا لمصادر مطلعة موثوق بها بتسميم رئيس عربي باستخدام السم الإشعاعي على بعد 2.5 متر أثناء زيارة ذلك الرئيس العربي إلى الولايات المتحدة ولقائه لها، الأمر الذي أدّى إلى وفاته بهدوء، ومن دون جلبة.
أولبرايت هي التي اجتمعت بوزراء الخارجية الأفارقة في العاصمة اليوغندية كمبالا وحثتهم على غزو السودان في نهاية التسعينيات ونتج عن هذا التآمر الهجوم الأميركي على مصنع الشفاء للأدوية في العاصمة السودانية الذي كان يصدر الدواء لمكافحة الملاريا والكوليرا وبقية الأمراض المستوطنة في دول القارة السمراء.
لم يكتف أوباما بهذا، بل رشح وعرض منصب وزير الخارجية على هيلاري كلينتون التي تعرف بدعمها غير المحدود لـ «إسرائيل».
هذا التعيين إنْ حدث بالفعل فسيقلق المنطقة كثيرا، فكلينتون دعمت الحرب على العراق وتصريحاتها الصقورية حيال إيران لا تخفى على أحد وقد اقترحت من قبل تصنيف الحرس الثوري الإيراني بأنّه منظمة إرهابية، الأمر الذي سيبقي على سياسة التأزيم في الشرق الأوسط إنْ لم تغيّر مواقفها. كما أنّ وجود السيدة الأميركية الأولى سابقا على رأس الدبلوماسية الأميركية سيؤثر على استقلالية اتخاذ القرار لدى الرئيس المنتخب، خصوصا أنّه سيكون لزوجها الرئيس السابق (بيل كلينتون) تأثير كبير على عملها علاوة على علاقة الزوجين بمنظمات غير حكومية ومشاريع خيرية خارج الولايات المتحدة مما يحدث تضاربا بين العمل العام والرسمي. ولذلك صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية الحالية كوندوليزا رايس بأنّ «وزارة الخارجية الأميركية ستكون «في أيدٍ أمينة» في حال تسلمتها هيلاري كلينتون»، وبلغة دبلوماسية فإنّ رايس تقصد العكس.
ونختم ملاحظاتنا على مواقف الرئيس الأميركي المنتخب الذي لم يؤدِ اليمين الدستورية حتى الآنَ بنيته الإبقاء على وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في منصبه مما يعد نكوصا عن سياسة التغيير التي وعد بها ناخبيه. فهذا أهم منصب يتطلبه التغيير ذلك أنّ الولايات المتحدة تخوض اليوم حربينِ لا تعلم الكيفية التي تستطيع بها إحراز النصر، خصوصاَ إذا اعتمدت على الخطط العسكرية فقط والقديمة على وجه الخصوص.. كما أنّ السيرة الذاتية لغيتس لم تكن ناصعة البياض في كل الأحوال تجاه المنطقة. فهو الذي شغل منصب نائب جهاز المخابرات الأميركي إبان فترة الجهاد الأفغاني ضد السوفيات بمعنى أنه كان من أكبر المؤيّدين للخطط الحرب بالوكالة إذ دعم الأنشطة التي فرخت في نهاية المطاف عناصر تنظيم «القاعدة» الذي قادت أفعاله إلى وصم الإسلام بالإرهاب وقد قدم من قبل معلومات استخباراتية ناقصة عن إيران.
وهكذا فإنّ الفرحة التي أبداها العرب والمسلمون تجاه فوز أوباما لم تكتمل.. وأخشى أنْ يكون الذين صوّتوا له من أفراد الجاليات العربية والإسلامية قد أصيبوا بخيبة أمل مبكّرة في وقت ارتفعت فيه معنويات اليهود فرفعوا من سقف مطالباتهم وخرجوا في تظاهرة حاشدة في الولايات المتحدة الخميس مناشدين اوباما بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة فوراَ
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2278 - الأحد 30 نوفمبر 2008م الموافق 01 ذي الحجة 1429هـ