العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ

آثار تايلوس كانت غرف معابد وليست قبورا

مؤتمر الآثار العالمي في البحرين أنهى أعماله بالدعوة إلى الاستثمار في الثقافة واستكمال الأبحاث

المنامة - المحرر الثقافي 

12 ديسمبر 2007

اختتمت يوم أمس (الأربعاء) جلسات المؤتمر الدولي للآثار «عشرون عاما من الآثار في البحرين 1986-2006» الذي كان بدأ أعماله السبت الماضي برعاية ولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بالدعوة إلى الاستثمار في الثقافة، واستكمال الأبحاث وتحويلها إلى النظام الرقمي لكي تكون في متناول الباحثين.

وقد شارك في الجلسة الصباحية من أعمال المؤتمر التي رأسها الأكاديمي الكويتي فهد الوهيبي كل من البحاثة: مصطفى إبراهيم سلمان بورقة «تلال المدافن بموقع الجنبية»، كريستسان فيلدي بورقة «قبور موقع كرانة ومرحلة دلمون المتأخرة»، أكسل روغيل بورقة «المواقع الإسلامية بالبحرين: ملاحظات حول مشروع خريطة البحرين الأثرية». ديجاناريه سيلفا كوتو بورقة «آثار البحرين في ضوء مصادر المعلومات البرتغالية - مرجعية تقريبية للحملات من سنة 1520 - 1529».

قلعة البحرين الميناء التجاري لدلمون وموقع الحضارة الأولى

المؤتمر أوصى في ختام جلساته بأهمية تكملة الأبحاث السابقة التي وضعت في آثار البحرين عموما وفترتي دلمون تايلوس تحديدا، وبضرورة توثيق كل الأبحاث السابقة والحالية من خلال تحويلها إلى النظام الرقمي لكي تستكمل الصورة وتكون في متناول الباحثين. كما أوصى بالاستمرار في الدعوة إلى الاستثمار في الثقافة بهدف المحافظة وتطوير تراث وآثار البحرين وجعل مواقعها مناطق جذب للسياحة الثقافية، وكذلك فتح المجال للراغبين من أبناء البحرين للمشاركة في دورات وندوات أو الدراسة في الجامعات العالمية التي شارك ممثلون عنها في المؤتمر.

وكان أهم ما خلص له المؤتمر هو البعد الإسلامي في التاريخ البحريني، واكتشاف الألواح المسمارية في موقع قلعة البحرين التي تمكن أحد الباحثين من فك رموزها والتوصل إلى معلومة جديدة مفادها أن ملوك دلمون وملوك آخرين دخلوا البحرين من وادي النهرين، واكتشاف أن موقع قلعة البحرين كان الميناء التجاري لدلمون وموقع الحضارة الأولى، إذ أثبتت المكتشفات الأثرية ارتباط البحرين بحضارة وادي السند وعيلام في إيران ومجان في عمان.

ومن الاكتشافات التي تم توثيقها في المؤتمر الدراسة التي قامت بها البعثة اليابانية لقطع الخزف الصيني التي أثبتت من خلالها وجود علاقة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر مع الشرق الأقصى، ووجود الذوق الرفيع لسكان البحرين في ذلك الوقت الذي تمثل في إقبالهم على الأطعمة الصينية المستوردة وقتها. وتوصل المؤتمر من خلال دراسة لباحث بحريني إلى أن بعض القبور في فترة تايلوس كانت عبارة عن غرف لتماثيل أو بالأحرى معابد وليست قبورا، وأن سكان تايلوس كانوا يقيمون الولائم في تلك المعابد إذ تم العثور على العظام وبقايا أسماك وغيرها من الأطمعة.

وكانت الجلسة الختامية للمؤتمر شهدت تقديم سبع أوراق عمل بدأها الباحث البحريني مصطفى إبراهيم سلمان بورقة عن «تلال المدافن بموقع الجنبية»، أشار فيها إلى أن مدافن موقع الجنبية تعود لفترة دلمون والألف الثالث قبل الميلاد، وقال إن إدارة الآثار والتراث قامت بتشكيل فريق بحريني يتولى الإشراف على أعمال التنقيب في تلال مدافن الجنبية واستمر العمل فيها من نوفمبر/ تشرين الأول 98 حتى شهر فبراير/ شباط 1999. وأوضح سلمان أنه تم الكشف عن 16 تلا مختلفة الأحجام محصورة في الأطراف الجنوبية للموقع الذي يضم عددا كبيرا من التلال نقبت خلال مواسم مختلفة. وكشفت التنقيبات عن 56 مدفنا بأحجام مختلفة، وقد شيدت وفق أساليب معمارية متنوعة ومميزة. وقال إنه يعتبر أحد أهم المواقع الأثرية في البحرين نظرا لاحتوائه على ثلاثة أنواع من التلال: النوع الأول تتميز بكبر حجهما والمعروفة بالتلال الملكية المشابهة لما هو موجود في تلال عالي ويتكون التل من غرفتين للدفن حجارة جدرانها مشذبة من الداخل وبنيت الواحدة فوق الأخرى، والنوع الثاني يسمى بالتلال العائلية وتنتشر في مدينة حمد وسار وفي موقع الجنبية، أما النوع الثالث فهو الأكثر انتشارا في مدافن البحرين وهو ما يسمى بالتلال الفردية ويوجد منها اثنا عشر تلا وتتكون من غرفة دفن رئيسية في الوسط يحيط بها جدار دائري.

أما الدكتور الأركيولوجي كرستيان فالدي فقدم ورقة بعنوان «قبور موقع كرانة ومرحلة دلمون المتأخرة»، أشار فيها إلى أن «المقبرة الدلمونية بكرانة التي نقب عليها فريق أثري من جامعة غوتنغن بألمانيا سنة 1992 تكتسب أهمية بالغة نظرا للمرحلة التاريخية المتأخرة للمقابر التي تحتويها التي يمكن تأريخها إلى حوالي سنة 1700 قبل الميلاد».

وأضاف «أن الكثير من المقابر في موقع كرانة هي مقابر فردية محفورة في الصخر التي ميزت الجزء الشمالي لجزيرة البحرين معظم فترة دلمون، ومن جهة أخرى فإن مقابر الفترة المتأخرة تبرز تغييرا مهما في عادات الدفن التي تحولت من الدفن الفردي إلى الدفن الجماعي بالإضافة إلى موجودات ومواد القبر غير المألوفة التي قلما يوجد لها مثيل في المراحل المبكرة لفترة دلمون».

وأشار إلى أن المقابر الجماعية بكرانة بالإضافة إلى الأنواع المتنوعة من موجودات القبور غير المألوفة وجدت كذلك في مقابر أخرى في البحرين، موضحا أنه لا يوجد شك في أن هذه المدافن والتغييرات التي شهدتها في المرحلة المتأخرة ليست ظاهرة فريدة وليست حكرا على مقبرة كرانة دون غيرها.

وأشار الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية في القرون الوسطى الإسلامية أكسل روغيل في ورقته التي جاءت تحت عنوان «المواقع الإسلامية بالبحرين: ملاحظات بشأن مشروع خريطة البحرين الأثرية» إلى أن تنفيذ مشروع خريطة البحرين الأثرية بدأ العام 1985-1986 وانتهى العام 1992، وقال إن هذا المشروع الطموح أدى إلى تسجيل 200 موقع أثري تقريبا لتشمل كل الفترات التاريخية المهمة دون النظر للدراسات الإحصائية المتعلقة بالهندسة المعمارية التقليدية والبيوت والمساجد. وأوضح أن القائمين على المشروع نجحوا بفضل اعتمادهم على دراسة جديدة شاملة للجزيرة كما هو الحال في الأعمال السابقة الأخرى، بما في ذلك المسح الذي أجراه الدنماركيون والبريطانيون والفرنسيون في الخمسينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي كما يوجد أيضا قرابة 120 موقعا من المواقع التي تعود للفترة الإسلامية.

وأضاف «أصبح بالإمكان تأريخ مخزون كبير من المواد الأثرية السطحية بدقة متناهية، وبصفة خاصة تحديد الأواني الفخارية الشائعة التي ظلت إلى زمن قريب تفتقر للتوثيق العلمي الصحيح. ويعود الفضل في هذا إلى تلك الدراسات الصادرة عن أهم المواقع الأثرية الإسلامية والمجموعات الخزفية الطبقية المتراكمة في موقع قلعة البحرين وبلاد القديم». وأضاف أنه «على رغم أن التوسع العمراني أتى على الكثير من المواقع الأثرية خلال الثمانينيات فإنه لايزال بإمكاننا رسم مخطط دقيق وشامل لتطور المواد المستعملة في المستوطنات السكانية بالبحرين خلال الفترة الإسلامية، كما يدل على وجود بعض المواد المستوردة في الكثير من المواقع الأثرية على أهمية الدور المتنامي الذي لعبته البحرين في نسج العلاقات التجارية التي امتدت من منطقة الخليج وحتى المحيط الهندي في ذلك الوقت».

مدير الدراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا بقسم العلوم التاريخية وفقه اللغات بفرنسا ديجانارية سيلفا كوتو قدم ورقة عن «آثار البحرين في ضوء مصادر المعلومات البرتغالية: مرجعية تقريبية للحملات من سنة 1520 إلى 1529»، افتتح ورقته بقوله إن «بالنظر إلى السياق الأثري للبحرين في الفترات التاريخية التي سبقت هذا القرن فإن تواصل موضوع النقاش هنا قد طرأ مع الحملات البرتغالية الأولى على البحرين بعد أن استقر البرتغاليون في هرمز العام 1515». وقدم ديجانارية دراسة دقيقة للحملات البرتغالية من سنة 1521 إلى سنة 1529 قدمت إفادات لقراءة مجموعة الوثائق البرتغالية المهمة والرئيسية التي تتعلق بالموضوع واكتسبت أهمية كبرى بعد الاكتشافات الأثرية الأخيرة.

وقال إن هدفنا في ذلك تحليل التناقضات والفروقات إن وجدت في النصوص، وبناء صدقية لبعض المصادر المكتوبة التي لها أهمية بالغة في تاريخ البحرين في النصف الأول من القرن السادس عشر ميلادي.

الجلسة الثانية ترأسها الباحث عيسى أمين وابتدرها الباحث الكويتي سلطان الدوريش بورقة عن «الصبية وأم جدر سمات مشتركة» أوضح فيها أن الدراسة الأولية تظهر أن «هناك صلات وثيقة بين مدافن شرق السعودية ومملكة البحرين ومدافن شمال جون الكويت (الصبية) التي تمتد بداية نشأتها إلى حضارة الألف الرابع والثالث قبل الميلاد، وأشار إلى أن الفترة الأولى تناظر فترة مدافن الصبية وهي شبيه لمدافن الكويت في موقع الصمّان كما أثبتت المقارنة الأولى أنها قريبة الصلة من مدافن واحة جبرين ومدافن أبقيق وتاروت، أما الفترة الثانية وهي فترة دلمون المبكرة فلم نجد دليلا على انتشارها في الصبية ولكن حضارة دلمون منتشرة بشكل كبيرة ولها استقرار في جزيرة فيلكا (2000-1800ق.م).

وأوضح أن أعمال الفريق التنقيبي كشفت «خمسة أنواع من المدافن المهمة التي من الواضح أنها تختلف عن مدافن دلمون في مملكة البحرين، وإن وجد تشابه لبعض مدافن الصبية مع المدافن المبكرة في موقع أم جدر في الشكل العام للتل البيضاوي وطريقة تصميم المدفن والمواد المستخدمة في تشييد المدافن ووضعية المتوفى وتشابه محتوى الأثاث الجنائزي. وقال «من خلال المقارنة مع مدافن العصر البرونزي في دول مجلس التعاون الخليجي نعتقد أن هناك تشابها بين مدافن الصبية ومدافن حفيت في الإمارات العربية المتحدة ومدافن جمدة نصر التي تؤرخ في الألف الثالث وخاصة المدافن القمعية الشكل، كما ظهر لنا أن هناك تشابها لمدافن الصبية مع مثيلاتها في منطقة جبرين والصمان في المملكة العربية السعودية وخاصة في نماذج المدافن البيضاوي والمذيل وذي الجدار الدائري وهي على شكل فرن التي أُرِخت في العصر البرونزي الوسيط 1500 ق. م وتعاصر الفترة الكاشية في بلاد الرافدين، كما أن المدفن smgi يشابه مدافن شمل في رأس الخيمة الإمارات العربية المتحدة التي أُرِخت في 1700ق.م».

مراقب المسح والآثار الإماراتي عيسي يوسف قدم ورقة أوضح فيها أن العلاقات التجارية ما بين الحضارات القديمة تعد عنصرا مهما في التواصل، معتبرا أن المواد التي تم الاتجار بها من أهم الشواهد على تلك العلاقة. وقال «على رغم تنوع اللقى الأثرية في المواقع الأثرية بالإمارات فإن بعض المكتشف من هذه المواد الأثرية له أهمية في العلاقة مع البحرين، وهي التي ترسم الشواهد التجارية القديمة بين المنطقتين». وقال إن المكتشفات تتنوع في فتراتها التاريخية إذ إن بعضها يعود لفترة دلمون والآخر لفترة تايلوس، والمواقع التي يمكن سردها تقع ضمن مواقع الشارقة وتل الأبرق وجبل البحيص ومليحة ودبا وكلباء. وطرح عيسى كيفية وصول مواد دلمون وتايلوس لبحر العرب وخليج عمان، موضحا أنها تبين خروج التجارة من نطاق حوض الخليج العربي إلى مناطق أبعد وكذلك وصول بعض الأختام الدلمونية إلى المناطق الداخلية من الشارقة مثل موقع جبل البحيص الذي يبعد عن ساحل الخليج العربي 50 كم.

وقال إن العلاقات التجارية يمكن توزيعها على عدة فترات، وعلى رغم الفترة الحضارية الطويلة فإنه يمكن تقسيم هذه المواقع لفترتين هما: المواقع ذات العلاقة التجارية بدلمون وهي (تل الأبرق- كلباء- جبل البحيص)، والمواقع ذات العلاقة التجارية بتايلوس وهي ( مليحة - دبا).

الورقة الأخيرة في الجلسة قدمها الباحث السعودي نبيل الشيخ، أشار فيها إلى أن هناك قوتين تجاريتين محليتين نشأتا وسيطرتا على ساحل الخليج العربي الغربي في الفترة الهلنستية هما: تايلوس على أرض البحرين والجرهاء في المنطقة الشرقية من السعودية، وأوضح أنه بحكم الجوار الجغرافي فقد تشاركت هاتان القوتان في الكثير من عادات وطقوس الدفن الجنائزية كان يدفن الميت مسجى على ظهره في قبور مستطيلة الشكل وأن يقلب إناء حرق البخور على القبر أو بالقرب منه بعد إنهاء مراسم الدفن كما أن اعتقاده بالبعث كان جزءا رئيسيا من العقيدة.

وقال إنه في صيف 1998 تم التنقيب في تل الزاير بموقع ثاج من قبل فريق من متحف الدمام الإقليمي، وكانت المكتشفات الأثرية التي وجدت في قبر من الحجارة المقطوعة المشذبة مذهلة وغير متوقعة من قناع وحلي ذهبية وسرير جنائزي لأميرة صغيرة السن. وأشار كذلك إلى النقص في البحث التخصصي والميداني والمكتبي في بناء الوضع الحياتي والاجتماعي والسياسي والديني لسكان منطقة الخليج، وقال إن المواصلة في التنقيب والدراسة في ثاج وفي مواقع أخرى من الخليج العربي للخروج بنتائج ومعطيات أفضل ستكشف لنا غموض حضارة شرق الجزيرة العربية التي كانت سائدة في تلك الفترة من الزمان إلى أن اندثرت وبقيت ذكرياتها مدفونة في باطن الأرض.

من جهة أخرى، جددت الوكيل المساعد لشؤون الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في كلمة اختتامية شكرها لولي العهد على تفضله برعاية هذا الحدث المهم، وشكرت اللجنة العلمية التي أعدت لهذا المؤتمر وللمشاركين من كل أنحاء العالم الذين اجتمعوا حبا في البحرين وتراثها الإنساني.

العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً