العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ

في غياب البنى القانونية العادلة... من يصدق الحكومة؟

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

البحرين كلها مشدودة هذه الأيام إلى ما سيتقرر بشأن مصائر الشباب المعتقلين بعد مسيرة 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي... تلك المسيرة التي فارق فيها ابن البلد الشهيد علي جاسم الحياة إثر تفريق رجال الأمن المسيرة باستخدام القوة المفرطة... وتزايدت شكاوى وشهادات الأهالي والاحتجاجات الشعبية بشأن الانتهاكات الكثيرة من قبل رجال الأمن ومعاونيهم من الأفراد الملثمين المسلحين في جميع العمليات الأمنية والمداهمات... هؤلاء الملثمون المروعون الذين ظهروا بوضوح في أفلام تسجيلية نشرت عبر الكثير من المواقع الالكترونية، وهم يتحركون ويركضون بسرعة فائقة ربما لا تقوى عليها الكفاءات الأمنية البحرينية. ويبدو أن بعض من أفرج عنهم آثر الصمت بعد تعرضه للتعذيب الشديد أو التهديد بالمزيد من الانتقام والتعذيب... ويوما بعد يوم يتعاظم الشك في نزاهة وحيادية ومعيارية النيابة العامة وأجهزة وآليات عمل وزارة الداخلية، إذ لا أحد يعلم حقيقة ما حدث ويحدث أثناء التحقيقات وخصوصا في غياب المحامين.

عندما يصبح التلفزيون الرسمي تعبويا

يردد الكثير من الكتاب بامتعاض عند تعليقهم على أنشطة المعارضة والقادة الجماهيريين، عبارات مثل التحشيد والتعبئة وغسل العقول والتضليل والتغرير بالشباب، إلا أنهم ينسون توجيه الملاحظات نفسها للسلطة التنفيذية ومسانديها عندما يمارسون الفعل بعينه، وباستخدام وسائل الإعلام الأكثر رواجا، هكذا «عيني عينك»...

الكثيرون وكاتبة المقال، راقبوا برنامج «كلمة أخيرة»، الذي خصص لمناقشة مجريات الحوادث بعد مسيرة 17 ديسمبر. ومنذ الوهلة الأولى تخال نفسك تشاهد برنامجا بإعداد مشترك بين وزارة الإعلام ووزارة الداخلية يستهدف التبرير لكل ما حدث والتجريم المسبق للشباب والناشطين المقبوض عليهم، في تغييب متعمد للمحامين أو الأهالي الذين يمتلكون تفاصيل الانتهاكات، وفي تمثيل للمعارضة في أقل الحدود حتى لا تستهلك وقت البرنامج الذي خصص مسبقا لتحقيق هدف منشود وهو تبرئة الأمن وتجريم المحتجين.

هذا يحدث في إعلامنا العربي بالطبع دائما ولكن ليس عندما تصف الدولة نفسها بالديمقراطية وتحاول تسويق أجهزتها بسمات النزاهة والحيادية... برنامج موجه أعدت أسئلته بحذر وانتقاء شديدين، على طريقة أتدين العنف (نعم أم لا)؟ الشباب بدأوا الاعتداء وعلينا رد الفعل. توافق أم لا؟ وتم عرض فيلم يخدم الموقف الرسمي ويتعمد صراحة عدم عرض الأفعال الاستفزازية والمخططة التي مارستها قوات الأمن ومجموعات الملثمين... أسئلة البرنامج تماما كتلك الأسئلة المصممة في الاستبانات الموجهة والمعدة للحصول على إجابات محددة من المستجيبين ليس إلا.

ولقد اجتهد ممثلو وزارة الداخلية لإضفاء الصفة الحضارية على ممارسات الأجهزة الأمنية، تارة بالتعريفات غير المنطبقة وتارة بالسخرية والتهكم على ما ورد من ملاحظات وفي الغالب في التوصيفات المثالية التي أضفوها على سلوكيات موظفي إنفاذ القانون في البحرين... والمنهجية الأخيرة كانت الأكثر فشلا لأن الناس جربوا تلك السلوكيات عمليا، وذاقوا المر والمهانة وخصوصا النساء هذه المرة، الكبيرات في السن والصغيرات، وبدا التصديق أمرا مضحكا...

ويبدو أن البرنامج ولَّد ردة فعل مغايرة لما كان مطلوبا منه، إذ كثرت التعليقات بين الناس، لتفنيد المواقف الرسمية الأربعة لتتعاطف مع رأي ممثل المعارضة الوحيد الذي نجح في طرح محاور أساسية غير المحور الأمني، مثل فكرة تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة وكذلك البحث عن الأسباب الحقيقية لتأزم الأوضاع في البحرين، نذكر من بينها المسألة الدستورية وصلاحيات البرلمان المعطل وعوامل الفقر المتزايد والبطالة وصعوبة الحصول على مسكن كريم والتمييز الطائفي المؤسسي والتجنيس العشوائي وإهدار الثروات والعوائد النفطية وفقدان محاسبة المتنفذين وتوسع الفساد وتراجع الحريات وآليات المشاركة الشعبية وغيرها.

لا تصديق مع غياب الثقة في نزاهة المؤسسات

المتابع يراقب جهتين أساسيتين... من جهة، هناك الناس من أمهات وأهالي الموقوفين وهم يتظلمون للصحافة ويعتصمون يوميا حتى يمنَّ عليهم المسئولون بتصاريح إضافية، في حين أن ذلك من أبسط حقوقهم وحقوق الموقوفين... وهناك الأقاويل المتداولة عن أساليب تعذيب شرسة وضرب مبرح للموقوفين وإكراه وإجبار على الاعتراف... هذه الممارسات والأقاويل تدعمها شهادات هيئة الدفاع المؤلفة من المحامين، الذين وضعوا عنوة في الظلام وخارج دائرة التأثير من قبل موظفي إنفاذ القانون وتحقيق العدالة من داخلية ونيابة عامة. وهناك المؤسسة الأمنية وشخوصها ومن يساندهم منهمكين، في حياكة سيناريو معين، يكبر يوميا بالتقسيط والتصعيد، والمزيد من الاعتقالات المختارة لنشطاء حقوق الإنسان والمطالبين بالملفات الشعبية الذين ربما لم يشاركوا في تلك المسيرة.

ثمة تأمل مرغوب... الأمر بدأ بمسيرة صغيرة، وتطور إلى حرق مركبة تركها رجال الأمن بسهولة أمام الشباب المنفعل وتركوا بالمركبة أسلحة، ثم تمت سرقة السلاح وأصبح هناك شروع في قتل اثنين من قوات الأمن، ثم بدأ الحديث عن استحداث مادة قانونية تجرم حيازة المولوتوف، وهلم جرا... هل هناك مؤامرة هذه المرة؟ ومن قبل من؟ يبدو أن دولتنا ماضية في سياسة الركض إلى الأمام وتهيئة الأجواء الاستباقية لتمرير المزيد من قوانين إرهاب الدولة ضد المواطنين في الحين الذي ترسل فيه أجمل التقارير إلى الهيئات الدولية المعنية بالتدابير الصديقة للإنسان.

قيمة الحياة والكرامة الإنسانية

لاشك أن لحياة أي فرد مهما كان موقع وطبيعة عمله قيمة عالية، ومن الواجب عدم تعريض حياة أي شخص للخطر، فهو جزء من عائلة أو مسئول عن أحد... إلا أنه يبدو أن هذه القيمة يراد حصرها على حياة رجال الأمن ومجموعات الملثمين. وأترككم مع عدد من المواد الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يخص الحياة والحرية والكرامة، لتتأمل فيها سلطات إنفاذ القانون في البحرين. المادة 3 «لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه» المادة 5 «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة»، المادة 8 «لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون». المادة 10 «لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة محايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه»، المادة 12 «لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شئون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات».

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً