العدد 1952 - الأربعاء 09 يناير 2008م الموافق 30 ذي الحجة 1428هـ

عراقيون... يكتبون من قلوب مثقوبة

16 قاصا وقاصة في «جروح من شجر النخيل»... يشاركهم نحات

الوجع، الألم، الموت، الدفن، الحزن، الخراب، المجهول، الذكريات والمتاهة... في الحديث عن العراق لا يمكن الحديث إلا بمثل هذه الكلمات، ولا مكان للأمل وسط الخراب الذي آل إليه العراق الذي توالت على شعبه حروب أقل ما أنتجته «ثقب في القلب» بحسب ما ذهبت إليه الكاتبة العراقية نرمين الفقي في أقصوصتها «وللألم لون وطعم ورائحة»، حروب لم تخلف غير أمل مفقود، عكسته رواية نرمين الفقي إلى جانب عدد من الكتّاب العراقيين من مختلف المذاهب والأعراق، جمعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كتاب بعنوان «جروح في شجر النخيل، قصص من واقع العراق».

ويشير رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في معرض تقديمه للكتاب الذي صدر في أبريل/ نيسان 2007، إلى أن اللجنة «ارتأت منح منبر للعراقيين لإسماع صوتهم فوق صخب العنف»، مضيفا أن «هذا الكتاب ليس بسرد تاريخي ولا يدّعي الشمولية أو الاكتمال، بل يرمي من خلال مجموعة الشهادات إلى تظهير ما عاناه العراقيون ولايزالون؛ جراء حروب متتالية وحصار ونزاعات داخلية واحتلال وتهجير قسري وعنف طائفي».

ست عشرة قصة يرويها أهل العراق، ست عشرة قصة حاكت حوادثها وأطوارها وقائع حقيقية، لم يعمد كتّابها إلى الاستنجاد بالخيال لبنائها، فالواقع في العراق كتب بالدم قصصا لا تعد, ولا تموت.

لم يكن على الكتّاب العراقيين الذين أثثوا كتاب «جروح في شجر النخيل، قصص من واقع العراق» أن يذهبوا بعيدا في الخيال أو الواقع ليكتبوا، لينفسوا عن هموم ضاقت بها صدورهم، وفي الواقع ثلاث أقصوصات فقط هي التي لجأت إلى الآخر، تحدثت عنه، وروت حكايته، ونقلت معاناته، ولكن ما عدا ذلك لم يجد المؤلفون العراقيون اقرب من الذات لنقل معاناتها. علمونا في دراستنا الإعلام أن اصدق الأخبار وأكثرها صدقية هي تلك التي تنقلها عن واقعك، ولأن الحكايات كثيرة، اختار الكتاب العراقيون الذين منحتهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر منبرا ينفسون فيه عن لوعة دامت طويلا، ولذلك من أصل 16 أقصوصة احتواها الكتاب الذي صدر في 263 صفحة، كتبت 13 أقصوصة بضمير المتكلم «أنا». ولأن المعاناة الفردية ما هي إلا صورة مصغرة عن المعاناة الجماعية جاءت روايات الكتاب مشحونة ألما مزدوجا، ألم الذات وألم الوطن، ألم طال على العراقي، ألم عجز على التأقلم معه.

لا تكاد القصص التي تضمّنها كتاب «جروح في شجر النخيل» تخلو من الحديث عن الموت، هو الخوف من الموت، وهو انتظاره في أوقات ثانية، وهو فظاعته في أحيان أخرى.

يقول أحمد سعداوي - وهو كاتب عراقي من المشاركين في الكتاب الذي أصدرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر - في قصته «صورة لجسد ناقص»: «ما حدود إمكانية الافتراض بأن الخوف يعوق الحياة ويعوق الجسد؟ بالإمكان التحقق من ذلك بالتجوال في شوارع بغداد. هاهنا تستطيع أن تلمس حقيقة مرهفة وشبحية: أنت أكثر هشاشة من فراشة، ولا تستطيع روحك إنقاذ جسدك حين تريد». ويضيف سعداوي «إنه الموت الذي نراه (هناك) دائما، ومازال مستمرا منذ أكثر من ثلاثة عقود، منذ أن استيقظ أبناء جيلي على هذه الحياة ولم يعرفوا غيرها. إنه موت الآخرين، هذا ما نتشبث به، في حالة متدنية من التعاطف الإنساني، حين يصبح تلمس الجسد - جسدي أنا - والتأكد من سلامته، هو الشاغل الأساس قبل أي شيء آخر».

وفي قصتها «محنة البقاء في بلد الظلال» تتحدث الكاتبة لطفية الدليمي عن الموت قائلة: «من يمنحني وطنا لا يغص بالموتى والقتلة؟ من يأخذني إلى أمسية بلا هلع أعانق فيها الموسيقى وأغفو على سرير الموج؟ متى يصمت الجنون لأغفو؟ متى تغادرني الظلمات لأفيق من ليل البلاد؟ متى يموت الموت لأحيا؟ من سيطرق الباب على وحشتي ويسمعني موّالات الحنين العتيقة؟ لا أحد...لا أحد...».

هي القصة ذاتها تتكرر في كل جرة قلم، وفي كل تنفيس عن الذات، في كل بوح، وفي كل لحظة انفراد مع الذات، وفي ذلك يقول الكاتب حسن العاني في قصته «ملثم ومقبرة وحلم كبير»، واصفا وجها آخرَ من وجوه الموت، صيغة أخرى يموت بموجبها العراقيون: «إنسانية الإنسان في الأرض التي أنجبت سومر وآشور وبابل وجلجامش والمتنبي وجواد سليم تغذّ السير للإفصاح عن شخصيتها الحقيقية، تود، تلح في خلق ألف زقورة وجنائن معلقة ونصب للحرية، تبني عالم الحلم الجميل، تغفو ثم تصحو على الموت المغروس وراء الأقنعة البنية. عيون لها رائحة الخراب ولون الدم تغذ السير، تثلم روح الإنسان، ولا تجيد غير مهنة المقابر. بلد الرافدين أم بلد الجنائز؟»!

16 قصة، و16 صورة من صور الوجع في العراق، قصص لم ترتبط بسقوط بغداد، بقدرما ارتبطت بمعاناة دامت لأكثر من ثلاثة عقود ولاتزال، ولا أحد يدفع الفاتورة غير الإنسان العراقي.

وبالإضافة إلى كونه منبرا للكتّاب الذين نقلوا صورا من معاناة العراقيين، كان كتاب «جروح في شجر النخيل» بمثابة المعرِض التشكيلي إذ تضمن 15 لوحة حملت توقيع النحات العراقي محمد غني حكمت - أحد المشاركين في تنفيذ نصب الحرية في ساحة الحرية في بغداد - كما أنه كما غيره من العراقيين عانى من الأزمات الكثيرة التي مرت على العراق، ذلك أن حوالي 150 عملا من المنحوتات المصنوعة من البرونز والخشب والجبس، كان يعرضها في مركز صدام للفنون، تعرضت للسرقة والكسر والتدمير في أبريل 2003.

العدد 1952 - الأربعاء 09 يناير 2008م الموافق 30 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً