العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ

ظهور تنظيمات الجهاد وجماعات التطرف

الحركات الإسلامية والفكر المعاصر (8)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تختلف الآراء في تحديد الفترة الزمنية التي نشأت فيها تنظيمات الجهاد والجماعات الإسلامية، فهناك من يعود بها إلى الخمسينيات، وهناك من يحددها في مطلع الستينيات، وهناك من يؤخرها إلى السبعينيات.

يرجّح الباحث المصري هشام مبارك في كتابه «الإرهابيون قادمون» أن أولى حلقات خط الجهاد نشأت في مصر العام 1960 «بتشكيل مجموعة من الشباب المسلم الذي تأثر بكتاب (الفتاوى) للفقيه الإسلامي ابن تيمية. وترجع النشأة إلى محاولات الشاب نبيل البرعي (...) لإقناع المحيطين به من الشباب المتدين بأفكار معلمه ابن تيمية وفتاويه». وتمحورت فكرته حول موضوعة الجهاد، ونجح في تنظيم حلقة ضمت مجموعة من الطلاب أبرزهم طلال الأنصاري وإسماعيل طنطاوي وأيمن الظواهري، واقتصر نشاطها على الدراسة والتعمق في الفكر الإسلامي ولم تنشط سياسيا إلا في مطلع السبعينات (ص141).

ويرجّح أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسنين توفيق إبراهيم أن بدايات «التطرف الديني» ظهرت في «السجون والمعتقلات خلال الستينات، وذلك نظرا لعمليات التعذيب الجسدي والمعنوي التي تعرّض لها المعتقلون من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في تلك الفترة التي دفعت بعض شباب الجماعة إلى تبني أفكار سيد قطب عن الجاهلية والتكفير والعنف والجيل القرآني» (شؤون الأوسط، العدد 50، مارس/ آذار 1996). بعدها تطورت الأفكار وتبلورت في تنظيمات متخاصمة في مطلع السبعينات. وأخذ التيار المتشدد يعلن نفسه «بشكل سافر اعتبارا من العام 1974 عندما قامت في ذلك العام الجماعة المعروفة إعلاميا بـ(جماعة الفنية العسكرية) بمحاولة لقلب نظام الحكم عن طريق اقتحام الكلية الفنية العسكرية. وعام 1977 عندما قامت جماعة (المسلمون) المعروفة إعلاميا بـ«جماعة التكفير والهجرة» باختطاف الشيخ الذهبي وقتله» (شؤون الأوسط، العدد 50).

تكاد تجمع معظم الدراسات على أن بداية فكرة العنف تأسست وسط الجماعات الإسلامية في السجون المصرية في مطلع الستينات خلال فترة ما يعرف بـ «المحنة الثانية» التي بدأت العام 1965 عندما تعرّضت حركة الإخوان لحملة اعتقالات انتهت بإعدام سيد قطب. وهناك من يعتبر أن النواة الأولى لفكرة العنف تأسست قبل ذلك، عندما ألف قطب كتابه «معالم في الطريق» في فترة «المحنة الأولى» وتسربت فصوله من السجن في العام 1962.

عندما أفرج الرئيس جمال عبدالناصر عن قطب بعد وساطة قام بها الرئيس العراقي عبدالسلام عارف في العام 1964 باشر قطب تأسيس تنظيم مستقل عن حركة الإخوان. ويقال إن بداية فكرة التنظيم الجديد انطلقت من السجن أيضا في العام 1957 عندما «التقى أحمد عبدالمجيد مع علي عشماوي واتفقا على ضرورة تجميع الإخوان مرة أخرى» (مبارك، الإرهابيون قادمون، ص 65). آنذاك لم تكن أفكار قطب الخاصة تبلورت في صيغة بديلة أو مناقضة لأفكار المؤسس حسن البنا، ولكنه أخذ يغير من برنامج القراءات التربوي الذي كانت تتبعه حركة الإخوان فحذف رسائل حسن البنا وأبقى على واحدة فقط وهي «رسالة العقائد»، وأضاف إلى البرنامج «رسالة العبودية» وكتاب «الإيمان» لابن تيمية، وأربعة كتب لأبوالأعلى المودودي، وستة كتب لسيد قطب، وخمسة تتحدث عن مخاطر الصهيونية والاستعمار.

آنذاك تطور الانقسام على أفكار سيد قطب، ورد تيار المرشد العام للإخوان حسن الهضيبي على أفكاره وبلورها في كتاب مضاد صدر تحت عنوان «دعاة لا قضاة». وأهم ما في الأمر أن أفكار الهضيبي كتبت في السجن أيضا.

بعد خروج قطب من السجن (1964) عمد إلى تأسيس مجموعة مستقلة عرفت لاحقا باسم «تنظيم 1965» أشرف على تربيتها بالتعاون مع علي عشماوي والشيخ عبدالفتاح إسماعيل. واعتقل قطب ثانية وأعدم مع ثلاثة من مجموعته وتم تحطيم التنظيم في العام 1966. أثار إعدام قطب الانقسام على أفكاره مرة أخرى بعد أن أخذت تنتشر في صفوف الجيل الشاب من حركة الإخوان. ويلاحظ الباحث مبارك أنه لا يجد في كتاب «معالم في الطريق» أي «أثر لحسن البنا على عكس المنهج المتبع في كتب جميع قادة الإخوان المسلمين (...)، وفي الواقع لا توجد نقاط تماس واضحة بين فكر سيد قطب وفكر الإخوان المسلمين في ما يتعلق بمقولات التحليل الثلاث التي اعتمدها قطب وهي الجاهلية والحاكمية ودار الحرب» (ص 88، 89، 90). وتطور الخلاف إلى أن انتهى إلى انشطار الإخوان فوضعت الحركة سلسلة شروط للعضوية منها أن «على من يخالف ما جاء في كتاب دعاة لا قضاة أن يبحث له عن جماعة أخرى (...) وأصبحت الموافقة على (دعاة لا قضاة) شرطا أساسيا لعودة أي من أفراد تنظيم 1965 إلى جماعة الإخوان» (ص 105).

منذ تلك الفترة تبلورت في صفوف المجموعات الإسلامية ثلاثة تيارات أخذت تبتعد عن بعضها إلى درجة التناقض والمواجهة:

الأول: خط الإخوان المعتدل (البنا - الهضيبي).

الثاني: خط الجهاد باتجاهاته المختلفة.

والثالث: خط سيد قطب الذي بلوره «شكري مصطفى عقب خروجه من السجن»، واعتمد على فكرة التكفير والهجرة. ويعتبر شكري مصطفى «أول من أسس جماعة منظمة ذات عضوية يعتد بها على أساس خط التكفير الذي برز في نهاية الستينات عقب المناقشات التي جرت لأفكار سيد قطب» (مبارك، ص 106).

عرفت المجموعة باسم «التكفير والهجرة» بينما اسمها الحقيقي «جماعة المسلمين» وهي تبلورت في السجن أيضا في العام 1969، وانطلقت تنظيميا بعد الإفراج عن شكري مصطفى في العام 1971. ونجح شكري في ضم أكثر من ألفي عضو إلى أن تم اعتقاله وأعدم في العام 1977.

في وقت كانت أفكار الجماعات وتنظيمات الجهاد تتبلور في حركات مستقلة سياسيا، اتجهت حركة الإخوان إلى المصالحة مع النظام، فجاءت قرارات الإفراج عن قياداتهم في مطلع عهد الرئيس أنور السادات بعد اتصال تولّته في العام 1971 «قيادات الإخوان في المنفى» وحوار جرى «داخل السجون بين الإخوان ومسئولين في أجهزة الأمن كان أبرزهم اللواء فؤاد علام» (ص 112). واستمرت اللقاءات بين 1971 و1973 وتم الاتفاق على «ثلاثة تلتزم بها الدولة» وهي الإفراج عن الإخوان وإسقاط القضية ضدهم وعودتهم إلى أعمالهم، وعدم التعرض لهم في نشر الدعوة، والسماح لهم بالخطابة على المنابر ونشر الدعوة بالكلمة. و «ثلاثة يلتزم بها الإخوان» وهي نبذ العنف، وعدم محاربة الحكومة، وعدم رفع السلاح في وجه الدولة. وأقرت الحركة بالاتفاق وبدأ «الإفراج عن الإخوان المسلمين على دفعات كان آخرها في 22 مارس 1975» (الإرهابيون قادمون، ص 112 - 115).

خرج المرشد الثاني حسن الهضيبي من السجن في العام 1971. وعندما سافر لأداء فريضة الحج في العام 1973 «عقد أول اجتماع موسع للإخوان في الخارج، وجرى الاتفاق على تشكيل لجان للعضوية تعويضا عن الكشوف التي ضاعت خلال الاعتقالات». ثم تطورت شبكة الاتصالات إلى أن كانت سنة 1977 وما تلاها نقطة انطلاق جديدة لحركة الإخوان.

في هذه الفترة تصاعد الخلاف بين حركة الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى ونجحت الحركة منذ العام 1977 في استقطاب قادة الجماعة في القاهرة والاسكندرية، وتمكنت من السيطرة على أجنحتها الرئيسية في العاصمة وبحري وبعض جامعات الصعيد على «حين استمر قادة الجماعة الإسلامية في أسيوط (والمنيا) بمفردهم ورفضوا الانضمام للإخوان» (مبارك، ص 138 - 139). كذلك أخذت مجموعة نبيل البرعي تشق طريقها المستقل بعيدا عن حركة الإخوان والجماعة الإسلامية وتؤسس لنفسها قوة تعتمد على الجهاد وحده.

اختلطت في تلك الفترة الكثير من الأمور، وبات من الصعب تمييز المجموعات الجهادية المختلفة من بعضها. كانت هناك «مجموعات تذوب في بعضها لتظهر مجموعات أخرى. وهكذا في حركة دؤوبة» (مبارك، ص 142). فانشق مصطفى علوي في العام 1973 عن نبيل البرعي وأسس تنظيم الجهاد وانضم إليه الملازم عصام القمري، وأنشأ وكيل النيابة يحيى هاشم تنظيما في الاسكندرية في العام 1975، وأنشأ بين 1977 و1979 مصطفى يسري تنظيما مسلحا في القاهرة، وأنشأ أيمن الظواهري (أصبح لاحقا مساعد أسامة بن دلان في قيادة تنظيم «القاعدة») حلقة تنظيمية في العام 1975 متزعما مجموعة نبيل البرعي. وأسس الفلسطيني صالح سرية بعد وصوله إلى القاهرة في 1971 حلقة تنظيمية مستفيدا من نشاطه في حزب التحرير الإسلامي واتصالاته بالإخوان والجماعات، فاستقطب الطالب في الكلية الفنية العسكرية كارم الأناضولي والطالب في كلية الطب طلال الأنصاري وبدأ يتصل بحلقة البرعي بهدف استقطابها فانضم إليه حسن الهلاوي. وهكذا انتشرت حلقات تنظيم الجهاد في جامعات القاهرة والاسكندرية والأزهر والكلية الفنية، وأصدر سرية وثيقة من تأليفه أطلق عليها «الإيمان» وتعتبر أفكارها العامة من الأسس الايديولوجية لحركات الجهاد، وتختلف في خطوطها عن فكر حركة الإخوان وتتميز عن أفكار سيد قطب بالمزيد من التطرف مع أنها متأثرة بالكثير من آراء صاحب «معالم في الطريق». ويرى الباحث مبارك أن «تنظيم صالح سرية تأثر بشكل واضح بأفكار سيد قطب بعكس المجموعات الجهادية الأخرى مثل مجموعة الظواهري ومحمد عبدالسلام فرج» (الإرهابيون قادمون، ص 150).

تعرّض تنظيم سرية للملاحقة وتمكن أحد عناصره الأردني الجنسية سالم الرحال من الهرب إلى الاسكندرية، وهناك نجح في تنظيم الطالب في كلية الهندسة محمد عبدالسلام فرج. وتمكنت الأجهزة الأمنية من اكتشاف التنظيم الجديد فاعتقلت سالم الرحال وأمرت بترحيله في العام 1979 ونجح فرج في الإفلات وشرع في تأسيس تنظيم جديد يقوم على فكرة الجهاد التي صاغها فرج في كتاب شهير هو «الفريضة الغائبة». كتاب فرج تحول إلى دستور عمل لمختلف حلقات الجهاد، إذ فند فيه التجارب السابقة ونقضها وخصوصا تجارب الإخوان المسلمين وجماعة المسلمين التي تعرف باسم «التكفير والهجرة». رفض فرج في كتابه مقولة التفكير المرحلي (الاستضعاف ثم التمكن) واستخدم تعبير «القلة المؤمنة» التي تستطيع وحدها قلب نظام الحكم من طريق الجهاد. وهكذا أخذت «مجموعات الجهاد وعبر حلقاتها الثلاث تبتعد خطوة خطوة عن التراث النظري والحركي لسيد قطب». ويرى مبارك أن مجموعات الجهاد التي نشأت منذ الستينات حتى تنظيم فرج في العام 1979 الذي قام بالتخطيط لاغتيال السادات في العام 1981، كانت «مستقلة عن جماعة الإخوان المسلمين». ويرد على مقولات بعض الدارسين الذي يردد أنها جاءت من «عباءة الإخوان المسلمين» ويرى أنه «لا تربطها أية صلة مع الإخوان» (الإرهابيون قادمون، ص 150 - 156).

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً