العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ

زيارة بوش: تأكيد يهودية «إسرائيل»

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في قلب أزمة المنطقة المعقّدة، تبرز زيارة الرئيس الأميركي بوش، الذي حاول في استعراضه الإعلاميّ أن يقدّم «إسرائيل» كدولةٍ يهوديّة، ممهّدا لإيجاد أرضيّة لاستجلاب يهود العالم إلى الدولة المغتصبة، ولرفض عودة اللاجئين إلى أرضهم وبلادهم، ولم يستطع أن يتقدّم بأيّة خطوة في مسألة الدولتين كما وعد سابقا، أو أيّ حلٍّ لمسألة الاستيطان في القدس والضفّة، مؤذنا ببقاء المستوطنات الكُبرى والجدار الفاصل عندما اكتفى بالحديث عمّا سمّاه المستوطنات العشوائيّة غير القانونيّة.

وقد حاول رئيس وزراء العدوّ - في كلمته الترحيبية بالضيف الأميركي - أن يصوّر المشكلة بأنّها مشكلة الصواريخ التي أطلقتها المقاومة، وليست مشكلة الشعب الفلسطيني في احتلال أرضه، وفي سياسة القتل والتدمير والاجتياح التي تمارسها «إسرائيل» ضدّه بشكل يوميّ بحجّة الدفاع عن النفس ومواجهة الإرهاب؛ هذه الكلمة السحريّة التي تهتزّ لها مشاعر الرئيس بوش، لأنّها تمثّل استراتيجيته في تفتيت العالم الإسلامي.

وقد استمع بوش مليّا إلى الرئيس الصهيوني الذي ربط حلّ المسألة الفلسطينيّة بالقضاء على المقاومة، مع إبقاء عمليّات الاجتياح والاغتيال والحصار الاقتصادي الخانق والإذلال المستمرّ للشعب المحاصر على المعابر، الأمر الذي يؤكّد أنّه لا مجال لأيّة تسوية، لأنّ المجاهدين لن يُلقوا بأسلحتهم، وسيستمرّون في مقاومتهم للاحتلال الذي يفرض نفسه على أرضهم وشعبهم وحاضرهم ومستقبلهم.

وقد استغلّت «إسرائيل» هذا الغزل بينها وبين الرئيس بوش، فاستمرّت في قصف قطاع غزّة واجتياح الضفّة، في رسالة إلى العرب، أنّ الأمر كلّه بيد الإسرائيليّين الذين يملكون أكثر موازين القوى، وأنّه ليس هناك من سلامٍ يُمكن أن يتحرّك مع الفلسطينيّين إلا من خلال الإرادة الإسرائيليّة وشروطها التعجيزيّة، وهذا ما ينبغي للجميع أن يفهموه.

أميركا: تهويل ضد إيران

وإبادة فلسطينية

وعلى خطّ آخر، برز التهويل الإسرائيلي واضحا في المسألة الإيرانيّة، كنوع من التحريض للرئيس الأميركي وإدارته المحافظة، للتلويح مجدّدا بالحرب ضدّ إيران.

هذا، إلى جانب التأكيد الأميركي المستمرّ على خنق إيران بالحصار الاقتصادي والعزلة السياسية التي يسعى الرّئيس الأميركيّ إلى تنفيذها بالتعاون مع حلفائه الأوروبّيين وأصدقائه العرب الذين يُراد لهم أن يخضعوا لحال من الإثارة التهويليّة في اعتبار إيران خطرا على أمنهم وأمن العالم بأسره، ما ينعكس سلبا على المنطقة، ولاسيّما دول الخليج التي مدّت لها إيران يد الصداقة والتعاون والاحترام المتبادل للمصالح المشتركة.

ونحن نعتقد أنّ الرئيس الأميركي يسعى جهده لعرقلة الانفتاح الدبلوماسي بين مصر وإيران، إلى جانب محاولاته الرامية إلى إحداث فتنة في الداخل الفلسطيني، مع تقديمه الوعود المعسولة الغامضة للسلطة الفلسطينيّة التي اعتادت عليها الإدارة الأميركية في علاقتها بالفلسطينيّين.

إنّنا نعتقد أنّ زيارة بوش سارت في خطّين: الأوّل يتمثّل في خلق مناخ تهويلي ضدّ إيران، بالتوازي مع التخطيط الأميركي - الإسرائيلي المتواصل لاستهدافها ومحاصرتها. والثاني يتركّز على إبقاء المسألة الفلسطينية في القبضة الإسرائيليّة لتظلّ دوّامة الاحتلال في دائرة الحلقة المفرغة التي تجعل الشعب الفلسطيني يواجه عمليّة الإبادة الجماعيّة التي يصفّق لها العالم المستكبر.

إنّ على الشعب الفلسطينيّ كلّه أن يأخذ بأسباب الوعي، في دراسته للنتائج السلبيّة للمواقف الدوليّة السلبيّة الحاضنة لـ «إسرائيل»، والمؤيّدة لما تمارسه هذه الدولة الغاصبة من الظلم والقهر والتشريد والقتل، وأن يعرف أنّ شرعة حقوق الإنسان الدوليّة تقف عند حدود الدولة العبريّة، فلا تتجاوزها إلى كلّ الممارسات الوحشيّة للعدوّ ضدّ الشعب الفلسطيني.

الحلول العربية بصياغات ضبابية

أمّا لبنان، فقد عاش شعبه الأجواء الاحتفاليّة التي انفتحت على أزمته الداخليّة من خلال اجتماع وزراء الخارجيّة العرب، وإصدار القرارات الإجماعيّة التي صيغت بطريقة ضبابيّة مغلقة، لا تملك أيّ وضوح في المفردات التي تمثّلها أوضاع الأزمة منذ أكثر من عام، وعاد الجدل في الأرقام والمواقف من هذا الفريق أو ذاك، في استعادة للمشكلات العالقة المنطلقة من فقدان الثقة، ومن الخلفيّات الإقليمية والدوليّة التي تتحرّك في الساحة اللبنانيّة من خلال اللبنانيّين أنفسهم، لأنّ الأزمة لم تعد لبنانيّة كما بات واضحا للجميع.

ويبقى الشعب اللبنانيّ حائرا أمام المتاهات السياسية، في التصريحات الاستهلاكيّة التي يفطر عليها، ويتناول منها غداءه وعشاءه... وتبقى صرخات الجوع تهزّ كلّ كيانه.

إنّنا لا نريد أن نقطع على اللبنانيّين أحلامهم الورديّة وتفاؤلهم بما يأتي في قادم الأيّام، ولكنّنا نريد لهم أن يُنعشوا ذاكرتهم من خلال ما عاشوه في التجارب السابقة، وفي حركة الوساطات الدوليّة والعربيّة، ليتواضعوا في أحلامهم، وليرصدوا المستقبل بكثير من الحذر والواقعيّة.

إنّ مشكلة لبنان أن شبابه فقدوا الأمل في فرصة الحصول على العيش الكريم، وأنّ المواقع الدينية تتبع المواقع السياسية في مواعظها وفي التزاماتها بهذا الفريق أو ذاك، من أجل الإمعان في تخدير الناس في جانب، وإدخالهم في المتاهات في جانب آخر.

وتبقى المواقع الدوليّة تتحرّك في الساحة من أجل الأزمة الداخليّة المربوطة بأزمة المنطقة التي ستمتدّ إلى المدى الذي يحقّق فيه المستكبرون، ولاسيّما الإدارة الأميركية، مصالحهم الاستراتيجية على حساب مصالح لبنان التي لا يفكّر فيها غالب النادي السياسي اللبناني، وكلّ لبنان وأنتم بخير نتمنّاه، وإن كان الشرّ هو الذي نعيش فيه.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً