العدد 1971 - الإثنين 28 يناير 2008م الموافق 19 محرم 1429هـ

«الكومبارس» الفاشل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مسكين الممثل المصري أحمد السقا... فقد أصيب بشظايا من الرصاص «الحي» أثناء تمثيله بأحد الأفلام في مدينة الأقصر في مايو/ أيار 2007! وهو ما اضطر أسرة الفيلم إلى العودة إلى القاهرة بعد إصابة السقا في إحدى عينيه بشظية من الرصاص «الفشنك» أثناء التصوير، فنُقل فورا إلى مستشفى في القاهرة وأجريت له عملية لإيقاف النزيف الداخلي بالعين حتى كتب له الشفاء.

أما في الأفلام الأجنبية، فالبطل لا يقوم بعملٍ خطيرٍ كالقفز من النافذة الزجاجية نطحا برأسه، أو قيادة سيارة متهورة على حافة النهر كالبهلوان، أو القفز من الطابق العشرين مثل «سوبرمان»، وإنّما توكل هذه الأعمال «الخطيرة» والقذرة لـ «الكومبارس» المجهولين، يؤدّونها بأرخص الأثمان.

الأجيال السابقة لم تكن تعرف «الحيل» السينمائية أو الخدع الفنية المستخدمة للتمويه، فتظن كل ممثل بطلا، ولذلك ظلت السينما سحرا يبهر الأبصار. أما هذا الجيل، فقد أخذ التلفزيون ينتج برامج عن صناعة السينما، فكشف الكثير من خفاياها وخباياها، فأصبح الجمهور يدرك أسرار لعبة «الإبهار».

ما يجري في عالم السينما، يجري أيضا في عالم السياسة، وخصوصا في البلاد التي لم تشهد مصالحة حقيقية بين حكوماتها وشعوبها وماضيها، ولذلك تستمر عملية التمويه والإبهار. ولكي تستمر اللعبة لابد من وجود طابور من «الكومبارس» الرخيص الثمن ليؤدي الأدوار القذرة، كعمليات الحقن والإثارات الطائفية التي يتعفّف عنها كل وطني حر شريف.

هؤلاء «الكومبارس» تعطى لهم تعليماتٌ محدّدة، كاستهداف بعض الشخصيات أو مهاجمة بعض الجمعيات السياسية والحقوقية، حتى يخيّل للمرء أنها هي السبب وراء كل الفساد المالي والإداري والسياسي في البلاد. وكل ما هو مطلوب من «الكومبارس» العمل على حقن الشارع وتهييجه بكتاباتهم ومشاغباتهم، وإشغال الساحة بالقضايا الجانبية، وإشعالها بالخلافات المذهبية التي لا تنتهي.

الخطة باتت مكشوفة ومفضوحة، إذ تقتضي تحريك الدمى الذين يحسبون أنفسهم «مفكّرين» و «مفكّرات»، لإشغال الرأي العام بملفاتهم الفارغة، بعضهم يتكلّم عن «الشيعة والتصحيح» بلغة فوقية متعجرفة كأنه مرسلٌ من السماء، وبعضهم يستعرض يوميا أسماء المخترعين الغربيين ليحفظها الشباب ليقدّموا أمامه امتحانا في التربية الوطنية! يرون الشعرة في أعين غيرهم ولا يرون الخشبة في عيونهم العمياء. تستهويهم لغة الأرقام، ولكن لا يملكون الشجاعة الأدبية في الحديث عما يجري من استباحة للفضاء العام، واستئثار بالأراضي، ولا يعرفون رقما واحدا عن «التجنيس» الذي سيغرق البلد، ولا يسألون قط عن إدارة المال العام، أو مداخيل الدولة من النفط، أو أعداد الفقراء، وهذه صفات من شبع فتجشأ.

المحللون النفسانيون يقولون: إن «الكومبارس» يشعرون دائما بعقدة الحقارة والنقص، فهم يقومون بأقذر الأدوار، بينما الشهرة والأضواء للممثلين الحقيقيين، الذين يمشون على البساط الأحمر ويحصدون جوائز المهرجانات.

فلسفة «استئجار» هؤلاء، تشبه فلسفة استخدام الرصاص «الفشنك» في الأفلام، فهي لا تصيب ولكنها «تدوِش»، فالمطلوب إشغال الجمهور والصحافة والجمعيات السياسية والبرلمان عن قضايا المال العام، والأراضي وسياسات «التمييز» و «التجنيس» التي بدأت تحرق أصابع جميع أبناء الوطن. وحسنا تفعل «الوفاق» إذا تمسّكت بملفات الأراضي والمال العام ومناهضة التمييز والتجنيس، حفاظا على مقدرات هذا الشعب الذي لا ينقصه غير تسلّق «الكومبارس» الفاشلين!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1971 - الإثنين 28 يناير 2008م الموافق 19 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً