العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ

احفظوا كرامة الناس

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خرجت غالبية الصحف المحلية يوم الخميس الماضي، بمانشيتات أو أخبار رئيسية عن علاوة الغلاء البالغة خمسين دينارا لكل رب أسرة يقل دخله عن 1500 دينار.

الخبر بَشّرَ الأسر بصرف المبلغ ابتداء من مارس المقبل بأثر رجعي إلى يناير الماضي ولمدة عام كامل. وتأتي هذه الخطوة بعد مناقشات ومداولات طويلة وعريضة في البرلمان، وبعد اتصالات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، و(طَحْنَة وحَنّة) في الصحافة والمجالس والديوانيات.

صرف هذه العلاوة هو أحد أبسط الطرق لشكلٍ من أشكال التوزيع العادل و«المؤقت» للثروة، بقصد التخفيف من موجة الغلاء الحادّ التي عصفت بوضع الأسرة البحرينية، وضعضعت ميزانيتها الشهرية وضربت استقرارها النفسي.

نحن اليوم على أبواب تجربة جديدة، ووراء ظهورنا عدة تجارب مريرة، كلها تتعلق بـ «سوء التصرف» مع المال العام. فالجميع مازال يتذكّر كيف ضاعت الـ 25 مليونا التي رُصدت لتدريب الشباب العاطل عن العمل، ولم يستفد منها إلاّ معاهد التدريب. كما يتذكّر الجميع ما جرى في عملية «تصفير» قوائم الكهرباء من تلاعبات، استفاد منها بعض الكبار من أصحاب المزارع والأطيان، ولم يصل خيرها إلى المستحقين، لأسبابٍ يعرفها الجميع.

اليوم، تم الإعلان عن معايير معينة بعلاوة الغلاء، وهي معايير مقبولة ومنصفة إلى حدٍّ كبير، إلاّ فيما يتعلق بـ «أماكن التسجيل»، فهي إجراءٌ متخلفٌ وغير مقبول على الإطلاق. فنحن في دولةٍ منظّمةٍ تمتلك إحصاءات تفصيلية ودقيقة عن مواطنيها، ليس فيما يتعلق بمستوى الدخل والقروض والأنشطة الاقتصادية... بل حتى فيما يتعلق بمعتقدات أفراد العائلة وانتماءاتهم السياسية! فالتحقّق من مستوى الدخل الموجب للاستحقاق ليس صعبا، في بلدٍ يتفاخر بما قطعه من مشوار على طريق «الحكومة الالكترونية».

المتوقّع أن يقوم النواب بواجبهم في تصحيح هذا الخطأ، أما الاستمرار في فرض هذا الإجراء فيعد إصرارا على الخطأ. في تجربة «تصفير فواتير الكهرباء» تم استدعاء الأسر المحتاجة إلى بعض الأماكن المحددة (مراكز وجمعيات وحتى صناديق خيرية)، واستغل البعض المناسبة لالتقاط صورٍ للنشر في الصحف، كأنّ تلك «المعونة» من جيوبهم الخاصة! حينها انتقدتُ وآخرون هذه المهزلة، وطالبنا بحفظ كرامة الناس، التي لا يجب سفحها من أجل إرضاء غرور هذا المسئول أو ذاك. يومها اتخذتْ بعض الصناديق موقفا لا يُنسى، برفض المشاركة في هذه المسرحية الهزيلة حتى عاد بعض محبي الـ (show) إلى رشدهم والتزموا طريق العدل والمنطق.

المسألة مسألة مبدأ، حتى حينما شاركت بعض المؤسسات الاجتماعية في توزيع بعض المبالغ علنا على المشاركين في حفلات الزواج الجماعي انتقدناها، حفاظا على كرامة الناس، وصونا لماء وجوه إخواننا المحتاجين. فهؤلاء سيغنيهم اللهُ من فضلِهِ يوما ما، ولا ينبغي أن نتسبّب في خدش مشاعرهم في أزمنة الحاجة المادية مع بدء تأسيس حياتهم الزوجية.

بكلّ صدق... أتوجّه اليوم للنواب من مختلف الكتل، وبغض النظر عن كل الاختلافات التي تعجُّ بها الساحة، لإلغاء هذا الإجراء الأعوج المتخلّف، فالمسألة مسألة مبدأ يجمل بكم أن تراعوه، لأنه يحفظ كرامة البشر. فالأربعون مليونا، لا تساوي قطرة من ماء وجه مواطن متعفّف كريم، يتم استدعاؤه إلى أحد مراكز «إذلال البشر» من أجل خمسين دينارا. هذه أمانةٌ في أعناقكم كما هي أمانةٌ في عنق الحكومة... فاحفظوا كرامة الناس.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1983 - السبت 09 فبراير 2008م الموافق 01 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً