العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ

سَلْحَفَة الصحَافة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

تستطيع صناعة مسلسلات الأطفال أنْ تربك مخيلة الإنسان في فهم الأشياء وتغيير قراءاته لها وبما يشمل دلالاتها، فالسلحفاة البطيئة والتي بالكاد استطاعت في بداية شاشات التلفزة أنْ تتفوق على الأرنب، تستطيع اليوم - كما تظهر في مسلسل الأطفال سلاحف النينجا - أنْ تحارب الأشرار وأن تمسك بالسيوف والمعاول وأن تقود الحملات الإنسانية ضد قوى الشر.

إن أحدا لا يصدق ذلك، ولا يمكن للسلحفاة في أيّ تطور لها أنْ تكون ممثلة للرأي العام أو حتى صحافية ما خلا أن تنتج ذلك «ديزني» ليكون صورة تلفزيونية افتراضية لا أكثر. وخلاف أنْ يكون انتصار السلحفاة على الأرنب نتيجة إهماله وكسله، فإنّ صورتها الجديدة كمحارب في سبيل العدل والدفاع عن الخير أو حتى ككاتب عمود يستحق الاهتمام هي صورة فراغية، لا واقعية ولا عظة فيها أو منها.

الصحافي بوصفه مهووسا بألقاب «صاحب القلم الشريف» و«المدافع عن الشعب» و«صوت الطائفة الأصيل» و«القلم المبدع» قد يتسحلف على شاكلة النينجا، قد يغامر بالخروج من «بلاعته» على طريقة النينجا ليقول: أنا هنا. وخلاف أنْ يكون فعل «التسلحف» في حد ذاته مغامرة قد تسوء نتائجها، فإنّ التفاعل مع هذا النوع من السلاحف والمتصحفِنة، او الصحافيون المتسلحفون، لا يزيد عما تقتضيه زاوية الفكاهة والتندر والسخرية على من هو أهل لذلك، أمّا التفاعل بالرد المباشر العلمي والمنطقي فهو في العادة لا يليق إلا لمن يستحق أولا، أو لمن يملك في أقل تقدير، أبسط مقومات القدرة على الفهم ثانيا.

كان خروج سلاحف النينجا دراميا نتاج عمليات تدريب وتأهيل فوق العادة على يد الجرذ الكبير، ورغم أن البناء الدرامي لهذا النوع من المسلسلات هو تخيلي افتراضي إلا أنّ السلاحف الأبطال تلقت التدريب والتأهيل الكافيين حتى تستطيع رفع سقف «البلاعة» من جهة، والقيام بما هو مطلوب من أدوار وواجبات ووظائف من جهة أخرى. فالخروج في حرب مفتوحة دون «تدريب» و«تأهيل» و«تثقيف» هو خروج متهورين لا يدركون أن العواقب قد تكون كارثية، خصوصا أنّ من اعتادوا على الحياة تحت الأرض وعلى فتات الآخرين لا يستطيعون الولوج لساحات المعارك المفتوحة والمعقدة.

في الختام، تشير إحدى الإشارات في التقرير المثير للجدل (الجزء الأوّل)، إلى ضرورة إعداد إعلاميين وصحافيين محترفينَ يمتلكون القدرة على الرد والمقارعة وتفعيل الحس الطائفي في المجتمع، والملاحظ أنّ تسارع الوقت وحدة الساحة أجبرت البعض على رمي بعض المشروعات العاجزة وغير الناضجة، والتي تحاول البروز وخلق المعارك لكنها تبدو عاجزة حتى عن أن ترفع سقف «البلاعة»، لذا، كانت صورة السلحفاة التي تدور بالورود منذ البدء، مدعاة للسخرية.

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً