العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ

وزراء الإعلام... حدّث العاقل بما لا يليق!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

آخر إنجازات وزراء الإعلام العرب، اتفاقهم الأسبوع الماضي على فرض عقوبات على الفضائيات التي تسيء إلى الزعماء العرب والرموز الدينية!

الاجتماع الذي دعا إليه بلَدَان من معسكر «الاعتدال»، أقرّ بالإجماع تقريبا وثيقة تسمح للحكومات بسحب تراخيص العمل من القنوات «المسيئة»، فهذا هو كلّ ما يملكون! الطرف الوحيد الذي أبدى اعتراضه دولة قطر؛ لأنّ الاقتراح كان موجّها ضدها، بينما أبدى لبنان تحفظا على هذا التهديد المفضوح لحرية التعبير.

السادة الوزراء المسئولون عن الإعلام، باتوا يَحسدون شعوبهم على هذا البحر الواسع من الحريات الذي تغرق فيه! ولكي لا تنكشف اللعبة، وعلى طريقة «كاد المريب أنْ يقول خذوني»، تحدّث البند الأوّل عن ضرورة «كفالة حق التعبير عن الرأي وانتشار الثقافة وتفعيل الحوار من خلال البث الفضائي»!

الغريب أنّ السادة وزراء الإعلام ربطوا الزعماء والرؤساء بالرموز الدينية، التي يأتي على رأسها الأنبياء والرسل دون شك أو خلاف. وهو طرحٌ موروثٌ من القرون الوسطى، أيام السلاجقة والمغول ومن قبلهم، يرفع الحكّام إلى مصاف الأنبياء والمعصومين.

ولزيادة التمويه، قام وزراء الإعلام بعمليةٍ فاشلةٍ أخرى، حين ساووا القنوات السياسية بـ «الإباحية»، من حيث درجة الخطر على السلم الاجتماعي والآداب العامّة والاستقرار السياسي!

وبغض النظر عمّا في ذلك من مغالطات وتزوير، فإنها تكشف عن ارتباكٍ للأنظمة العربية، إذ لم تعد تتحمّل أعصابها بعض البرامج الحوارية، تتناول السياسات التي تدار بها الدول العربية في مطلع الألفية الثالثة، وعلى رأسها «توريث الحكم» في بعض «الجمهوريات»، ما جعل الشعوب الأخرى تضحك علينا حتى استلقت على قفاها!

هنا مربط الفرس، حكّامٌ من سلالة ماء السماء، لا يُرد لهم رأيٌ ولا يُعصى لهم أمرٌ، ودعوا عنكم الحديث عن الفضائيات «الإباحية» التي تهدّد أخلاق المجتمع، فتلك بضاعةٌ لا يشتريها زبونٌ ساذج. فالدول «صاحبة الوثيقة» هي أوّل المتهمين بتشغيل وتمويل القنوات «الهايفة»، وإنتاج برامج «الرقص أكاديمي» الأكثر «هيافة». وهم مسئولون أمام الشعوب عن نشر السطحية والتفسّخ والابتذال، وأمام الله بتخريب قيم وأخلاق الشباب بل وحتى «الشيّاب».

دهاقنة الإعلام العرب يتخيّلون إمكانية رجوع عقارب الساعة للوراء، بعد أنْ فقدوا سلطتهم اللاهوتية على الإعلام، وهجر المشاهد قنواتهم «الأرضية» المُفلسة لصالح بعض القنوات الفضائية التي تلاحق الخبر وقت حدوثه، وتثريه بتقديم الرأي والتحليل.

دهاقنة الإعلام يحلمون بعودة زمن الرقابة على الأخبار، والوصاية على الآراء، وأن تظل الشعوب غارقة في غيبوبتها الطويلة، تقاد إلى المقصلة من دون تفكير. والويل لها عندما تطالب بحقوقها أو تفكّر في أوضاعها وأوجاعها، فتلك سياسةٌ لا يحسنها إلاّ الحكّام الذين اصطفاهم الله ليحكموا المنطقة العربية.

اليوم، الشاب العربي الذي لم يخط شاربه بعد، يضغط على زرٍ فتنفتح أمامه فضاءات الثورة المعلوماتية، من كلّ بابٍ في الشبكة العنكبويتة ينفتح له ألف باب... بينما يحسد وزراء الإعلام العرب شعوبهم على هذه الحرية «الفائضة»، ويحلمون بعودة المارد من السماوات إلى القفص من جديد!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً