العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ

الجهد الإماراتي الوازن بين العقل والأحاسيس!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

رغم الحديث المتزايد عن وجود اصطفاف غير مسبوق بين مَنْ يسمّونهم بقوى الاعتدال العربي وبين ما بات يُطلق عليه بالمحور الإيراني السوري, لايزال العقل العربي الجمعي والفردي أحيانا فعّالا ويلعب دورا مهمّا في إرسال إشارات إيجابية إلى الرأيين العام العربي والإيراني.

زيارة رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي محمّد بن راشد إلى إيران ومنها إلى سورية قبل أيام جاءت في هذا الاتجاه العقلاني اللافت والذي يستحق التأمل والكثير من التدقيق!

مَنْ يعرف قصة سوء التفاهم الطويلة زمنيا بين أبوظبي وطهران بشأن قضية الجزر من جهة والشحن الاستعماري الموجّه للنيل من تعايش الجوار العربي الإيراني من جهة أخرى، وكذلك مَنْ يعرف الأجواء المشحونة حول الموقف السوري من الملف اللبناني، والوضع اللبناني الداخلي شبه المتفجر المتهمة به سورية، يستطيع أنْ يكتشف أهمية مثل هذه الخطوة في هذه اللحظة بالذات!

أيا كانت المهمّة التي تصدّى لها المسئول الإماراتي الكبير، فسواء كانت وساطة بين المعسكرين الأنفي الذكر كما قيل أو نقل رسالة معيّنة من الغرب إلى كلتا العاصمتين، أو إرسال رسائل إيجابية إلى قادة البلدين في إطار استمالتهم إلى نقطة ما في وسط الطريق بين الجناحين المشار إليهما أعلاه، فإنّ القدر المتيقن الذي يجب أنْ يخرج منه المحلل العاقل، هو أنّ الإمارات أرادت وربما نجحت في التخفيف كثيرا من حدة الاستقطاب سواء الكاذب والتوهمي أو الاصطناعي منه والذي عمل عليه أعداء الأمّة كثيرا، أو ذاك الواقعي الناتج عن اختلاف حقيقي في قراءة الأحداث من قبل الجانبين، وهذا يعتبر إنجازا مهمّا في كلّ الأحوال سيترك أثره على سياسات البلدين المعنيين في الزيارة واللذان لابدّ لهما أن يردا التحية بأحسن منها مهما تكن قراءاتهما للوقائع والأحداث!

أقول هذا وأنا مطمئن لهذه النتيجة، أوّلا لطبيعة العَلاقات الإنسانية بين البشر، وثانيا للتجربة الطويلة المتراكمة في هذا النوع من الجهد الإنساني، وثالثا للمعلومات التي تسرّبت عقب اللقاءات والتي تفيد بشكل مؤكّد لا يقبل الشك أو الترديد بان المهمّة كللت بالنجاح!

فالمسئول الإماراتي الكبير أكّد أن لا مصلحة مطلقا لدولة الإمارات العربية الشقيقة في أيّ حشد عدائي ضد الجارة إيران، بل العكس تماما فإنّ مصلحة الإمارات تكمن في تعزيز المشتركات وما أكثرها وتجسير الثقة وما أحوج الطرفين لها وفي منع حصول أيّ توتر أو تشنج فضلا عن حرب جديدة وما أكرهها وأشدها ضررا على جميع سكّان الإقليم المتآخي والمتكامل اقتصاديا والمحتاج لبعضه بعضا كما تفترض كلّ مقومات مشروعات التنمية الشاملة والمتوازنة!

والأمر ذاته بالنسبة لإعادة تفعيل التضامن العربي - العربي حيث تفيد المعلومات المتوافرة بان المسئول الإماراتي الكبير في طريقه إلى النجاح في مهمته بالقدر الكافي بما يضمن عقد قمّة عربية بالحد الأدنى من الشروط التضامنية وهي أجواء قطعا ستفيد في مجال اجتراح الحلول الممكنة للبنان الشقيق، وهو عمل سيكون أفضل بكثير من التخندق عند الحدود القصوى من شروط التفاهم والتمترس عندها حتى لو أدّى ذلك -لا سمح الله- إلى إشعال فتيل حرب أهلية جديدة في لبنان كما يحاول البعض في الإقليم وفي المعادلة الدولية، وهو لعب بالنار خطير قد يحرق الأخضر واليابس!

مستقبل العراق الجريح والمستباح، وفلسطين المكلومة والمظلومة على امتداد التاريخ العربي الحديث، هي الأخرى لم تكن بعيدة عن المحادثات ومحاولات البحث عمّا هو متيّسر من حلول توافقية متاحة في الأفق لأبعاد شبح حروب الإبادة الجماعية التي تخطط لها دولة الإرهاب الصهيوني.

اعرف أنّ هذا ليس كافيا وأن المطلوب أكثر بكثير لمن يبحث عن الحلول الثورية وأنا منهم، ولكن مجرد أنْ يحرص المسئولون في بلادنا عن طريق الحوار والمكاشفة والتشاور الدائم والخروج على اللغة الخشبية والبروتوكولية فيما بينهم ويبدأون بالتزاور السلس والسهل وفتح الملفات من دون تعقيدات ويكلمون بعضهم بعضا بلغة شفافة حتى وهم مختلفون أو حتى وهم متنازعون -لا سمح الله-، فإن هذا المنهاج بشارة خير للمنطقة كلّها؛ لأنه دليل على انتصار العقل والمحاسبة والدراية والحكمة على العاطفة والأحاسيس والحماس والغٍيرة والهمّة والحميّة المطلوبة بدورها جميعا ولكن بوجه العدو الخارجي الذي يسعى للفتنة والخراب وتهييج النزاعات وإشعال الحروب العبثية وتجربة الماضي القريب اكبر برهان!

لا معنى لدولة كبيرة وأخرى صغيرة في الحجم والجغرافيا أو بأي مقياس آخر عندما تكون الأمّة في خطر!

لا معنى لمقولات من نوع العصبية القبلية أو الفئوية أو المذهبية أو الطائفية أو الدينية أو القومية أو المصالح العليا القومية لهذا البلد الصديق والجار أو ذاك تجاه جيرانه وأهله أو المشتركين معه في المصالح الاقتصادية الممتشابكة عندما يكون التحدي كبيرا وكبيرا جدا ومن نوع الوجود والبقاء المشترك أو الهدم والدمار الشامل -لا سمح الله- خصوصا ونحن في مركب واحد لا بديل لنا إلاّ ترميم كلّ الثقوب والعيوب والمثالب أيا كان الثمن حيث يكون الموقف أما أن نستمر معا أو نغرق سويا!

من هنا وفي هذا السياق ينبغي رؤية وتحليل وقراءة خطوة الشيخ محمد بن راشد تجاه كل من إيران وسورية أيا كان موقفنا من المبدئي تجاه الحرب والسلام مع «إسرائيل» أو الحرب والسلام مع أميركا!

لقد تلقف المسئول الإماراتي الرسالة الإيرانية المطمئنة بخصوص النووي الإيراني بكلّ حنكة وسعة صدر, ولابدّ انه سينقلها إلى العالم الخارجي بكلّ أمانة، كما استمع المسئول الإيراني إلى الملاحظات الإماراتية والخليجية والعربية بالتأكيد التي حملها جاره الإماراتي، بكلّ الانفتاح والحكمة والدراية والمداراة المعروفة عنه، ولابدّ أنْ ينتج من مثل هذه المفاتحات والمكاشفات ما يمنع الاستقطاب الحاد الكاذب والوهمي والاصطناعي المفروض على المنطقة ولاسيما بين العرب والإيرانيين، ومن جهة أولى بين العرب والعرب

وكذلك ما يخفف من حدة التوتر والتشنج والعداء المصطنع الذي يحاول الأعداء الخارجيون الترويج له بين الأشقاء والإخوة والجيران، وهذا هو عين المطلوب من الساسة والنخب الموالين منهم والمعارضون في هذه اللحظة التاريخية المصيرية التي تمر بها الأمّة!

أعرف أنّ كلامي هذا قد لا يعجب البعض، وقد يعتبره آخرون تملّقا لهذا الحاكم أو ذاك، وقد يعتبره ثالث، خروج على مبادئ ثورية كنت ولاأزال أؤمن بها في ضرورة نصرة المقاومة ولاغير باعتبارها السبيل الوحيد والناجع وحدَه لحل النزاع الوجودي مع عدو الأمّة والدين؛ إي الكيان الصهيوني الغاصب, ولكن هذا شئ وهذا شئ، والإشادة بكل خطوة عاقلة على طريق التخفيف من آلام الأمّة، ودعم أيّ خطوة للتلاقي بين أهل البيت العربي والإسلامي الواحد ما دام غير مفرّط بأيّ من الثوابت الآنفة الذكر ليس فقط امرأ محمودا بل واجبا على كلّ مسلم ومسلمة وكل إنسان حر شريف، خصوصا أن المقاومة العربية والإسلامية واللبنانية بحاجة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى الشعر الفلسطيني القديم الذي رفعتنه حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح: كلّ البنادق نحو العدو... والذي اعتقد أنه مازال يصلح لها بل هي أحوج ما تكون إليه الآنَ وهو يصلح كذلك للمقاومة الإسلامية في لبنان وحزبها القائد حزب الله!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً