قد ينتقد البعض العقوبات المخففة الصادرة تجاه بعض الجرائم والمطالبة بتشديد العقوبات في بعض الجرائم من دون النظر بعين الاعتبار لممارسة القاضي لسلطته التقديرية بإنزال العقوبة المناسبة للجريمة، لذلك علينا توضيح مفهوم هذه السلطة التقديرية للقاضي الجنائي وسبب إعطاء المشرع الجنائي هده الصلاحية للقاضي.
السلطة التقديرية للقاضي الجنائي:
هي تلك الرخصة التي منحها إياه المشرع الجنائي أثناء توقيع العقوبة على الجاني وفق ما لا يزيد عن حد العقوبة الأقصى، ولا يقل عن حد العقوبة الأدنى، ففي قانون العقوبات البحريني حدد المشرع عقوبة لكل جريمة على أساس التناسب بين الخطورة والضرر، ويكتفي المشرع بتحديد العقوبة العادلة والملائمة إزاء شخص عادي ذو ظروف عادية، مسلّما في الوقت ذاته بأنه قد يرتكب الجريمة شخص ذو ظروف غير عادية تستلزم جريمته تشديد العقوبة عليها.
فعمل القاضي محصور في حدود القانون وما ينص عليه من تجريم وعقاب، حتى إن وُجد خروج عن المألوف تقيد القاضي بالحد الأقصى للعقوبة، إلا أن المشرع البحريني ـ تماشيا مع التجديد والتطوير والملائمة ـ أباح للقاضي الجنائي إنزال عقوبة مشددة بسبب ظرف عام أو خاص، ويمكن القاضي في هذه الحالة من الارتقاء بالعقوبة وفق ما نصت عليه المادة (75) من قانون العقوبات البحريني حيث أنه يعتبر من الظروف المشددة للجريمة ارتكابها لبواعث دنيئة، أو ارتكابها بانتهاز فرصة عجز المجني عليه عن المقاومة وفي ظروف لا تمكن الغير من الدفاع عنه، أو اتخاذ طرق وحشية لارتكاب الجريمة أو التمثيل بالمجني عليه أو وقوع الجريمة من موظف عام.
فإن توافر ظرف من الظروف السالف ذكرها أصبح للقاضي سلطة التشديد في العقوبة على النحو الآتي وفق المادة (76) من قانون العقوبات البحريني فإن كانت العقوبة المقررة أصلا للجريمة هي الغرامة ضوعف حدها الأقصى أو قضي بالحبس بدلا عنها، وإذا كانت العقوبة الحبس ضوعف الحد الأقصى له، وإذا كانت العقوبة السجن الذي يقل حده الأقصى عن 15 سنة وصل إلى هذا الحد فإن السجن المؤقت يصل إلى السجن المؤبد.
ومما سلف يتضح أن المشرع البحريني منح صلاحية الملائمة للقاضي الجنائي بين الظروف الواقعية للحالة الإجرامية والعقوبة المقررة لها ومقدرته على التحرك بين الحدين الأدنى والأقصى وإمكانية التشديد بسبب ظرف عام أو خاص وعلة ذلك هو التوزيع المنطقي والمتوازن للاختصاص بين المشرع والقاضي على وجه يتحقق فيه المصالح الاجتماعية والفردية مع مراعاة ظروف الشخصية الإجرامية وطرق تهذيبها وإعدادها لحياة صالحة من الناحية القانونية، وهذه السلطة تنبثق من الثقة الكبيرة التي يفترضها المجتمع والمشرع البحريني للجهاز القضائي وهي ثقة يستحقها هذا الجهاز لعلمه وخبرته وعدله، ثم ليؤكد المشرع البحريني أن القضاء مستقل ونزيه لا سلطان عليه سوى القانون ويتمتع بالصلاحية في تقدير العقوبة وفق القانون.
وزارة الداخلية
العدد 2290 - الجمعة 12 ديسمبر 2008م الموافق 13 ذي الحجة 1429هـ
المحامي محمد محسن علاوي العجيلي
شكرا للبيان ونرجو نشر متقرحات التعديل