العدد 2025 - السبت 22 مارس 2008م الموافق 14 ربيع الاول 1429هـ

لبنان وقمّة دمشق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآنَ لم تحسم الحكومة اللبنانية أمرها بالتوجّه إلى دمشق وحضور القمّة العربية هناك. فالحكومة قررت تأجيل القرار إلى يوم انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. فإذا عقدت الجلسة وانتخب العماد ميشال سليمان بناء على توصية وردت في المبادرة العربية تكون المشكلة قد انتهت مبدئيا وبات بإمكان «المنتخب» رئاسة الوفد والمشاركة في القمّة. وإذا لم تعقد الجلسة وتأجّل الانتخاب إلى موعد آخر يكون البلد قد دخل من جديد في مجهول يحتمل الكثير من المخاطر الأمنية والسياسية.

عقدة الرئاسة اللبنانية تحوّلت فعلا إلى مشكلة تتجاوز الحدود ولم يعد بإمكان القوى المحلية تجاهل الدور السوري في تعطيل أو تأخير أو تجميد الخطوة نظرا لموقع دمشق الخاص في إدارة أجزاء مهمّة من الأزمة. فالعقدة، التي وصلت إلى طور متقدّم في تأزيم العلاقات الأهلية، أخذت تضغط دستوريا على مختلف المواقع وبدأت ترسم خطوط تماس ناجمة عن فراغ الموقع الأوّل في التراتب الهرمي للدولة. وشكّلت الضغوط حالة فريدة من نوعها حين بادرت القوى الدولية الكبرى في التدخل لتسهيل الطرقات وتعبيدها أمام استحقاق يأخذ قيمته الرمزية من توازن السلطات اللبنانية. فالبلد الذي اعتمد نظام المحاصصة لا يستطيع الصمود من دون إعادة تأهيل سلطاته وفق منظومة علاقات دستورية تعطي لكلّ فئة نفوذها في هيكل الدولة. وامتناع مجلس النواب عن فتح أبوابه للقيام بمهمته التشريعية أعطى اشارة سيئة باتجاه دفع الفوضى المنظمة (الفراغ الهادئ) نحو منعطف سلبي في حال استمر التأزم يأخذ مداه الزمني.

المدى الزمني لاتزال تتحكّم به مجموعة اعتبارات دولية وإقليمية وجوارية تمنع القوى الأهلية من الانزلاق نحو اقتتال يؤدّي إلى تفجير فتنة تتجاوز حدود لبنان الجغرافية. وبسبب تحكم العوامل المحيطة بالبلد الصغير بصواعق التفجير أو مفاتيح الحل اتجهت الحكومة اللبنانية إلى التروّي في إعطاء جواب نهائي بانتظار الشوط الأخير من موضوع انتخاب الرئيس. وربط الحكومة حضور القمّة بالانتخابات الرئاسية مسألة حيوية؛ لأنّ الربط يتصل بقواعد اللعبة الدستورية وشروطها الأهلية. فالحكومة لا تستطيع أنْ تقرر نيابة عن مجلس مقفل ورئاسة فارغة. كذلك لا تستطيع الحكومة تجاوز صلاحياتها الدستورية واتخاذ خطوة قد تكون صحيحة سياسيا ولكنها متعثرة أهليا.

ولهذه الأسباب قررت الحكومة استئناف الاتصالات لتجميع الأوراق على الطاولة وإعادة قراءة عناوينها في ضوء المتغيرات المتوقع أنْ تستقر على خطوات عربية واضحة بهذا الشأن.

تبلور المواقف العربية مسألة مهمّة. لأنّ هذه المواقف على تنوعها تشكّل الجانب الإقليمي من مسألة تعثر انتخاب رئيس للجمهورية. وهي في مجموعها تمثل الوجه السياسي المقابل للوجه الدستوري (الأهلي) اللبناني. وانتظار الحكومة تبلور المواقف العربية يوازي في ثقله السياسي ذاك الربط بين القمّة وانتخاب الرئيس. فالعقدة الداخلية التي امتدّت جواريا ودوليا لا يمكن فك خيوطها من دون استكمال العناصر المكوّنة لأزمة ليست لبنانية كلّها.

اعتبارات رمزية

هذه الاعتبارات الدستورية والأهلية والرمزية والجوارية والإقليمية والدولية تجمعت كلّها في إطار زمني ضيّق وضغطت على الحكومة التي لم يعد أمامها أكثر من أسبوع لحسم خيارها. فهل توافق على الحضور أم تقاطع أم تشارك رمزيا؟ الجواب مرهونٌ بالنقطتين: حل عقدة الرئاسة وتبلور المواقف العربية.

لكن المشكلة تتأزم في حال واجهت الحكومة اتخاذ خطوة تقوم على فراغين وهما تعطيل جلسة انتخاب الرئيس في 25 مارس/ آذار الجاري وعدم توافق الدول العربية وتحديدا مصر والسعودية على موقف موحّد من استحقاق القمّة العربية.

الحكومة اللبنانية في هذه الحال ستكون في وضع صعب؛ لأنّها ستجد نفسها محكومة باتخاذ خيار دقيق وستتحمل مسئولية نتائجه منفردة. فهي إذا وافقت على الحضور متجاوزة عقدة انتخاب الرئيس ستكون مضطرة إلى شرح ملابسات قرارها للمراجعيات السياسية والمارونية. وإذا رفضت الحضور في وقت تكون كلّ الدول العربية مجتمعة في دمشق ستخسر ورقة للتفاوض على مجموعة ملفات تتصل مباشرة بالأمن الوطني ومصالح لبنان العليا. وإذا قاطعت مدعومة من الدول العربية المعنية مباشرة بالأزمة تكون الحكومة وضعت أوراقها في سياق إقليمي يتسم الآنَ بالتجاذب بانتظار اتضاح الخطوط الأخيرة في إستراتيجية إدارة واشنطن الحالية.

الخيارات صعبة وخصوصا أنّ القوى السياسية اللبنانية طرحت مجموعة تصورات غير متوافقة في توجهاتها. فهناك من دعا الحكومة إلى مقاطعة القمة حتى لا تعطى دمشق براءة ذمة لدورها السلبي في تعطيل الحياة المدنية والدستورية في لبنان. وهناك من دعا إلى مشاركة على أعلى المستويات حتى لا تفوت الحكومة على لبنان دوره العربي الخاص وحقه في الدفاع مباشرة عن قضاياه الجوهرية. وهناك من دعا إلى حضور رمزي بقصد توجيه رسالة تؤكد من جهة على أهلية لبنان في تمثيل نفسه وتعترض من جهة على ذاك التعامل السلبي وقلة احترام مؤسساته وهيئاته الدستورية والتراتبية. وهناك مَنْ يدفع الحكومة إلى مغادرة المبادرة العربية والتوجّه فورا إلى المنظمات الدولية والضغط عليها لزيادة جرعة تدخلها والمساعدة على حل أزمة دستورية ولكنها قابلة للاشتعال أهليا.

لبنان في المعنى المذكور يعتبر الدولة العربيّة الوحيدة التي تملك ذرائع تعطيها حق التفكير بعدم حضور قمّة دمشق. فهذه الدولة المغلوبة على أمرها تمتلك الأسباب التخفيفية التي تبررلها المقاطعة أو التردد في الحضور نظرا لوجود اعتبارات خاصة أملت على قواها السياسية التصرف تحت سقف من الحساسيات الكيانية اصطنعت ذاك الحائط في العلاقة الثنائية السورية - اللبنانية. وزاد الطين بلة الأسلوب الذي اتبعته القيادة السياسية السورية حين قررت توجيه دعوة للطرف الرسمي فلجأت إلى قنوات غير مباشرة ما رفع من درجة التوتر وأعطى ذريعة منطقية لبعض الأطراف للمطالبة بالمقاطعة.

التعاطي السوري الرسمي مع الجانب الرسمي اللبناني أشار مداورة إلى وجود رغبة لدى القيادة السياسية بعدم حضور لبنان حتى يشكّل غيابه حجّة لشطب مشكلاته من جدول أعمال القمّة. فالدعوة تعمدت اللجوء إلى أسلوب غير سوي زاد من ملابسات العلاقة «الأخوية» وأعطى أشارة إلى وجود نية رسمية بعدم ترحيب دمشق بوفد لبناني للمشاركة في القمّة.

هناك مصلحة سورية كما ظهر من أسلوب التعامل الملتوي لعدم حضور وفد لبناني إلى القمّة. ولكن دمشق لم توضح حتى الآنَ الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تلك الرغبة. فهل تريد شطب اسم لبنان من جدول أعمال القمة أم لا تريد إثارة مشكلات تشكل برأيها هواجس سورية لا يحق للدول العربية التدخل بها أم تريد عزل بلاد الأرز عن المحيط العربي (الإقليمي) باعتباره يشكل ساحة خاصة لتوجيه الرسائل الجوارية والدولية؟

كلّ هذه الاحتمالات واردة ولكنها تعتبر مجرد فرضيات سياسية تحتاج إلى أدلة تؤكد صحتها. وهذا الغموض في العلاقة الثنائية يزيد من حاجة لبنان للحضور. فالمشاركة في القمّة لن تنقص من قيمة البلد الصغير ولن ترفع شأنه؛ لأنّ التأثير «الأخوي» موجود بغض النظر عن نسبته وإمكانات ترجيحه لهذه الكفة أو تلك. المقاطعة أسوأ خيار بينما المشاركة تعتبر سياسة مفضلة حتى لو كانت ملتوية وملتبسة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2025 - السبت 22 مارس 2008م الموافق 14 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً