العدد 2027 - الإثنين 24 مارس 2008م الموافق 16 ربيع الاول 1429هـ

المرحوم عيسى الحادي وتربية الرجال

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

للتو قفلت راجعا من مقبرة المحرق. فلقد فارق دنيانا الفانية الحاج عيسى بن إبراهيم بن حمد الحادي. «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» (الرحمن: 26 و27). هو أحد رجالات المحرق الذين عانقوا البحر سنين طويلة، ثم تمرسوا في المهن الجديدة في الدوائر الحكومية أو الخاصة.

عاش حياة المعاناة والشدائد والصعوبات، وتمرّغ في مُرِّ الحياة ولعق علقمها؛ حتى ذاق حلاوتها. تلك الحلاوة التي يهنأ المرء بها ليست مالا أو جاها أو مكانة اجتماعية معينة، بل هي بر أبنائه به كأب. هذه الحلاوة أنسته مُرَّ السنين وشقاء الأيام.

إن تربية الأبناء على معاني الرجولة والمروءة والشهامة والنخوة، لهو خير حافظ لهويتهم ومعدنهم الأصيل، والتفريط في تربيتهم على تلك المعاني والقيم هو أيضا تفريط فيهم ابتداء ومن ثم تفريط في جعلهم أبناء بارين بوالديهم، وقاطعين لأرحامهم وصلات قرابتهم.

تبقى علامة فارقة في جبين الزمن تربية أبي إبراهيم لأبنائه. ولذا، فإنه قد لا يعرف الناس من هو الحاج عيسى الحادي، إلا أن من يرى أبناءه يعرف أباهم، فـ «الولد سر أبيه».

ابنه البكر إبراهيم «بوعيسى» وهو أحد رجالات المحرق، «مردانه» ومن أهلها، صاحب نخوة ومروءة وشجاعة وقيم ومبادئ سامية. وعن نفسي لطالما تعلمت منه الكثير والكثير... ويعجز القلم أن يحصي ما تعلمت وتعلمه الكثير من الشباب منه. ولعل إحدى القيم الأساسية والمعاني السامية النبيلة التي تعلمتها وتعلمها الكثيرون غيري من «بوعيسى» البر بالوالدين، ليس بالأقوال بل بالأفعال، فهو الابن البار بوالديه، رحم الله والده عيسى، وأطال الله في عمر والدته الكريمة.

ومن صور بر المعلم إبراهيم «بوعيسى»، بوالديه المرور عليهم يوميا وإلقاء التحية والانحناء مقبلا رأسيهما، وتقليم أظفارهما بنفسه، وحلاقة لحية والده وتشذيبها، وذلك في حنان دافق من قلب الابن إبراهيم إلى ذاك الوالد الفاضل عيسى. وقد لا يصدق القارئ بأن هذا الزمان يجود بهكذا أبناء؛ إلا أن نموذج تربية الحاج عيسى بن إبراهيم الحادي هي خير مثال للتربية السليمة للأبناء. فهذا الوالد الذي رعى أبناءه وهم صغار، وسهر الليالي من أجل توفير لقمة العيش الكريمة لهم، يكرمه الله بهذا البر غير المقطوع منهم تجاهه، في كهولته وشيخوخته وهو طريح الفراش وقد هدَّ جسده المرض والأسقام.

إن تربية الأبناء وهم صغار على معاني الرجولة والمروءة والنخوة والشهامة لهو خير حافظ لهويتهم ومعدنهم الأصيل، ويجعل منهم رجالا وهم كبار. وأيضا التفريط في تربيتهم على تلك المعاني والقيم هو أيضا تفريط فيهم ابتداء، ومن ثم تفريط في جعلهم أبناء بارين بوالديهم، وقاطعين لأرحامهم وصلاتهم القرابية. ورحمك الله يا حاج عيسى «بوإبراهيم» فلقد كنت خير سلف لخير خلف. اللهم أسكنه فسيح جناتك وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون»

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 2027 - الإثنين 24 مارس 2008م الموافق 16 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً