العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ

السعداوي صنع النص...وخلفان هو هكذا لمّا يكتمل

الأكاديمي إبراهيم غلوم معلقا على «وفجأة لم يهطل المطر» ...

من صندوق أسود ثقبت كل جوانبه طلعا علينا، من هذا الصندوق الأسود انطلقت القصة، وإلى الصندوق الأسود ذاته انتهت القصة، وفيما بين البداية والنهاية سردا الحكاية، لمحات، ومضات ولقطات قصيرة روت كل الحكاية.

مسرحية «وفجأة لم يهطل المطر»، خرجت بالمشاهد من مكانه المعتاد، انتشلته من كرسي المتلقي ونصبته شريكا فاعلا في الأحداث، منحته كرسيا على خشبة المسرح، علّه يكون أقرب إلى كواليس المسرح وربما أقرب إلى أحداث المسرحية، التي خلت من كل إنواع المؤثرات الصوتية والضوئية وحتى الديكور، إذ ما خلا بضعة صناديق سوداء، لم يعتمد مخرج المسرحية ابراهيم الخلفان في صياغة نص عبد الله السعداوي إلا على قوة الإقناع لدى ممثلي المسرحية، محمد الصفار وحسن منصور.

تنطلق المسرحية التي عرضت مساء الأحد الماضي بالصالة الثقافية في إطار الإحتفالات باليوم العالمي للمسرح التي ينظمها مسرح الصواري، بعبارة: «أنت من؟» يرددها الممثل الأول أكثر من مرة في نسق تصاعدي يكشف عن توتر الشخصية، وتحث الحاضرين على التساؤل :ماذا بعد؟، لكن الممثل الثاني، حسن منصور لا يجيب الجمهور ولكنه يجيب صديقه بالقول: «أنا أنت»، ولكن الإجابة لا تشفي غليل المشاهد وإنما تزيده حيرة، ولاتزال هذه الحيرة تلازمه إلى نهاية المسرحية، فالأحداث لم تكن بذاك الوضوح الذي يفهمه الجمهور دون تعب، وكأني بالمخرج أراد منه أن يخلع سترة المشاهد السلبي ويلبس سترة المشاهد الفاعل.

مجرد لمحات أو ومضات كانت كل حكاية المسرحية، كلمات ليست دون معنى، كان يطلقها الممثلان على امتداد المسرحية، كلمات تحكي قصة شخص، قصة شعب، وربما أيضا قصة أمة بكاملها، قصة أماني لم تحقق، وقصة وعود لم يوف بها. قصة فساد، قصة غرور، قصة أماني ، قصة سرقات، قصة سيطرة الآخرين، وقصة القمع، قصة الصمت والسكوت والمنع من الكلام، قصة «الأجساد الطرية التي تفتتت ولونت الغيمة بلون أحمر» وقصة الأمل «افتح الشباك خلي الغيمة تمر».

يقول عميد كلية الآداب بجامعة البحرين الناقد ابراهيم غلوم في الندوة التي أعقبت عرض المسرحية متحدثا عنها وعن تجربة المخرج تحديدا «فجأة لم يهطل المطر» نص يتسلل من «بساط الليل» - وهي تجربة إخراجية قدمها خلفان في منتصف التسعينات وأعاد تقديمها في مهرجان العام الماضي - أو أن ابراهيم نفسه جعل هذا النص يتسلل من بساط الليل» مضيفا أن المخرج، ابراهيم خلفان «أطلق الممثلين في حالة من العوز، لا شيء يساندهما ليُخلِصا في الأداء»، مؤكدا أن هذا الممثل الذي رأيناه اليوم وفي تجارب أخرى لإبراهيم خلفان لم يأت عبثا بهذا الشكل».

ويصف غلوم هذا المُنطلق في إطلاق إمكانيات الممثلين دون مساعدة من الديكور أو أي مؤثرات أخرى خصوصا مع ضعف مستوى الإضاءة، بأنه منطلق «مشروع للمخرج في أن يطلق عضلات هذين الممثلين» مشيرا إلى أن «عبد الله السعداوي في هذا النص أضاف مسافة كبيرة جدا لنفس هذا التراكن في التجربة الذي يمسك المخرج والممثلين أيضا، وهي ثيمة أصبحت صفة ملازمة لمسرح الصواري بشكل عام» ويضيف في هذا الخصوص» استطاع السعداوي أن يمنح مساحة لكي يقيم المخرج بناءه وتصوره للمسرحية، فأهم ما أيقظته كلمات السعداوي في هذا النص هو هذه الفكرة نفسها عن الأمس والماضي والكارثة والشخصية».

ويذهب غلوم في حديثه إلى حد الإقرار بأنه «يوجد في نص السعداوي من المأساة إلى حد الكوميديا ما يغني ويثري البناء الذي قدمه ابراهيم خلفان، ذلك أن تعامل الأخير مع النص كان خاضعا لهيمنة التصور المسبق عنده وليس لهيمنة النص»، منتهيا إلى التأكيد بأن خلفان لا يزال يخرج عروضا لم تكتمل وما يزال يبحث عن بقع سوداء أخرى ليخرج الممثلين.

العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً