العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ

ولا يجرمنكــم شنـــآن!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

في سياق المتابعة لتغطية مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية للحملة الحازمة التي تشنها الحكومة الكويتية ضد «انتخابات الفرعيات» التي ينظمها عادة الكثير من أبناء القبائل الكويتية؛ بهدف الوصول إلى إجماع على عدد من المترشحين؛ مما يساهم في النهاية في صون حصتهم القبلية البرلمانية وترتيبها بأفضل شكل، وفي سياق الانشغال بموضوعة استشراس الحكومة الكويتية في سبيل الذود عن بنائها المؤسسي المدني اطلعت أخيرا على التقرير الذي نشره مراسل صحيفة «الحياة» اللندنية في الكويت حمد الجاسر في 6 أبريل/ نيسان 2008، تحت عنوان «الكويت: قبيلة العجمان تهرب بانتخاباتها إلى الخارج»، واستعرض فيه مختلف أنواع الحيل وأشكال التمويه التكنولوجي الحذرة التي لجأ لها أفراد قبيلة العجمان الكويتية في سبيل إنجاح إقامة انتخاباتهم الداخلية ورسم قوائمهم الانتخابية، حيث تطلّب منهم ذلك العمل نقل انتخاباتهم غير الشرعية إلى خارج الكويت وعمل التصويت عبر خطوط هاتف خلوية غير كويتية «لحرمان الجهات القضائية الكويتية من أية أدلة». وأشار المراسل إلى أن «من المتوقع أيضا أن تسعى السلطات لاستدعاء الفائزين الأربعة والتحقيق معهم».

هذا حدث ويحدث في الكويت التي من حقها أن تجد نفسها وتتعامل مع شئونها الداخلية بصفة دولة قانون ومؤسسات ودولة مدنية عصرية تحدو حدو سائر الدول العصرية في مواكب التنمية والرقي والتقدم الذي لن يتأتى إلا عبر احترام القانون لا عبر تنكيس رأسه أو تفصيله أساسا لخرقه أو التعامل معه على أنه «فلاتية» بدلا من أن يكون حصنا حصينا للجميع كما تشي بذلك بعض النظريات والأعراف المعمول بها، ولكن ماذا بالنسبة لبلادنا؟

كيف يكون التعامل مع «جلسات» و «محاضر» الفرعيات والسرايا الطائفية والقبلية والحزبية التي قد تكون أسوأ بكثير مما يجري في الكويت وخارجها وفي استثمارها ما هو موجود من ثغرات إلا أنها لن ترقى إلى دهاء «العجمان» وبراعتها وغيرها من قبائل كويتية حسب ما ذكرته الصحيفة. فالعملية المدعومة من قبل متنفذين ضالعين في أوحال التمييز الطائفي والقبلي حتى الخشوم، جرت وستجري بشكل سافر ومكشوف جدا ولا حاجة له للذكاء والتشاطر، بل إن هنالك كتيبا مميزا جدا وصادقا يطرح أسئلة موضوعية كبرى سبق أن أعدته «الوفاق» بالتعاون مع قوى المجتمع المدني عن نماذج تمييز منظم للاستقواء بالخارج من شعوب وقبائل عسى أن يتعارفوا انتخابيا، كأنما هي تطلب «الفزعة» ضد شعوبها!

أحد نماذج الاستشكال الأخرى تكمن في ما يروجه البعض من قوى التبعية السياسية الموالية ويقدموه في المؤتمرات الحوارية بشأن استغلال ازدواجية الجنسية ضمن لعبة سياسية غير عادلة، فهذا البعض برر وأرغى وقرر وقرأ لنا المسعفات التاريخية لمثل هذا التجنيس السياسي برواية «إقحطه» في مقولته الشهيرة «راحوا الطيبين». ولا أظن أن مثل هذا الطرح الاختزالي قد ينفع للتعامل الموضوعي والنموذجي مع قضية التجنيس السياسي المزدوج. فليست المشكلة في الدواسر أنفسهم، أو في إجلاء الدواسر من البديع منذ عقود عدة من قبل الحكم البريطاني، أو في ما لو كان عدد سكان البديع 8000 نسمة حتى لو وصل إلى 8 ملايين نسمة مستقبلا. فلقبيلة الدواسر كامل احترامنا وتقديرنا وللبديع الحبيبة أسمى محبتنا وتقديرنا، وهنالك دول في المنطقة بدساتير تعتبر المواطنين الأصليين الأحق بالجنسية هم من عاش آباؤهم وأجدادهم في البلاد منذ العام 1920، ولكن اللب الأساسي للموضوع إنما هو بشأن التجادل بشأن المعاملة بالمثل في منح الجنسية المزدوجة من قبل الدول الأخرى، فهل تقبل السعودية مثلا منح جنسية مزدوجة للبحرينيين من ذوي الأصول السعودية؟

كما أن هنالك ضرورة للتحاور الوطني بشأن عدد من الأسئلة الرئيسية عن المعايير والآليات التي يتم من خلالها منح الجنسية البحرينية للمجاميع باعتبار أن أجدادها عاشوا في البحرين ولظروف تاريخية معينة غادروها مع مراعاة الحقائق التاريخية واحترامها وتفحص مكوناتها المذكورة وغير المذكورة. فإن كانت بلادنا مشغوفة تاريخيا وأصيلة وكثيرة الاعتزاز بأبنائها في ما يفوق غيرها من دول العالم نبلا ومروءة وصلة للرحم، فهل هي مثلا على استعداد لتجنيس ذوي الأصول البحرينية في ساحل فارس وفي شرق السعودية وفي أفريقيا والعراق والهند وقطر وغيرها من دول العالم أم أن عملية منح الجنسية تخضع للمزاج السياسي بغرض توجيه وحصد الأصوات الانتخابية والسياسية المستغَلة ضد الإرادة الشعبية للمواطنين ضمن إطار منظم ومحسوب بدقة من التمييز الطائفي والقبلي والإثني؟

من تتم معايرتهم لأسباب طائفية وإثنية بمنحهم الجنسية البحرينية هم من سبق أن سجلوا تأييدهم الكامل لعروبة البحرين واستقلالها ولكن ماذا عمن منحوا الجنسية لاستغلالهم سياسيا في الانقلاب على الإرادة الشعبية وتزويرها؟

ألا توجد هنالك مخاوف من أن تساهم تخبطات شياطين الجاهلية تلك في إحداث أبرز اغتيال للروح المدنية والسمة الوطنية العصرية للدولة والمجتمع أو أن ترجع بالدولة والمجتمع إلى حضيض ما قبل الدولة؟

ألا يوجد من خوف على تلك الخلايا الواعية المدركة لذاتها وقد وجدت نفسها مأسورة في كيان مخرف يستحضر قرونا من الإقصاء والاستعباد والتهميش؟

حتى لو كانت «الوفاق» أسوأ محامٍ محتمل لأكثر القضايا نجاحا وذلك في طرحها الاستفزازي الطائفي وفي التهامها الأطعام السياسية البائتة والكائدة من دون تردد، فإن ذلك لا يمكن أن يعني سكوتا عن كل ما هو ظالم وجائر وعن كل ما هو مبهم، ومن الممكن أن يرفد أبشع آيات الاستغلال السياسي وينسف بصدقية «المشروع الإصلاحي» ويقلل كثيرا من احترام البلاد لنفسها ومؤسساتها وقوانينها ومواطنيها الذين قبلوا قلبيا المشاركة في العملية السياسية. فهل يؤمن البعض بالآية القرآنية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (المائدة: 8)؟

ليس المهم في موقع المصلحة السياسية سواء مع الحق أو ضده، وإنما الأهم هو في العدل والإنصاف بتصور إنساني ووطني شامل، فلو كان المستقبل كما يروجه البعض فطوبى للحاضر إذا!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2043 - الأربعاء 09 أبريل 2008م الموافق 02 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً