العدد 2046 - السبت 12 أبريل 2008م الموافق 05 ربيع الثاني 1429هـ

عندما يصبح مفتاح العالم في العراق!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لا احد في المجتمع الدولي مهتم بأمر غير امر العراق، ولكن ليس من اجل العراق والعراقيين وللاسف الشديد، وانما من اجل ايجاد المخرج المناسب للمأزق الاميركي هناك بعد ان تحول العراق الى ناخب اساسي في الانتخابات الرئاسية الاميركية، وبما ان المجتمع الدولي غالبا ما يختصر بالدول الكبرى او العظمى والباقي ليسوا سوى احجار على رقعة الشطرنج بحسب مفهوم هذه الدول ولما كانت المعادلة الدولية اليوم مختصرة في ما يسمى بالدولة الاعظم يصبح من الطبيعي ان يختصر العالم كله بالهم الامريكي في العراق والامن المطلوب لقواتها هناك وليس للعراق وشعبه المستباح!

حتى الحديث عن المناورات الاسرائيلية الذي اخذ حجما اكثر مما يستحق في الاعلام الدولي والاقليمي, وكذلك الوضع المتدهور في غزة واحتمالات الحرب على لبنان او سورية او صنع محرقة جديدة في غزة من قبل القوات الاسرائلية المحتلة انما يتم تناوله في اطار الاستراتيجية الاميركية العامة للعالم وللمنطقة في ظل المرحلة الانتقالية التي تعيشها الدولة الاعظم التي تمسك بتلابيب المعادلة الدولية من جهة في الوقت الذي يمسك الوضع المتأزم بالعراق بتلابيبها هي بامتياز!

فعلى رغم كثرة الحديث عن لبنان واستحقاقاته الرئاسية وغير الرئاسية في دوائر المجتمع الدولي والاقليمي مثلا وعلى رغم كثافة تحرك اللبنانيين نحو الدوائر الآنفة الذكر بحثا عن تسوية لازمتهم المستعصية ظنا منهم انها هي المحور لاهتمامات العالم القريب والبعيد وانها هي المعضلة التي تخطف النوم والهدوء والاستقرار من رؤساء العالم وزعمائه لاسيما زعيمة المجتمع الدولي المخطوف، الا ان العالم منشغل بهم آخر تماما اسمه «العراق» وكيفية التعاطي مع هذا الملف بما يؤمن نقل السلطة من الرئيس الاميركي الراهن الغارق في المستنقع العراقي الى الرئيس المقبل ديمقراطيا كان ام جمهوريا - لا فرق - لادارة الهزائم المتلاحقة والاخطار المحدقة بمستقبل اميركا بشكل مشفق !

حتى القضية الفلسطينية التي يسميها «العالم الحر» بازمة الشرق الاوسط والذي لطالما تغنى بها هذا العالم «المتمدن» وعقد المئات من المؤتمرات وشكل العشرات من اللجان والهيئات وبدد الكثير من ثروات المنطقة باسم البحث عن «تسويات» لها، لم تعد اليوم اولوية بالنسبة لهم بقدر ما هي لعبة تمويهية لذر الرماد في العيون و نوع من «الحركة الخالية من البركة» في الوقت الضائع المتبقي للرئيس الاميركي المنتهية ولايته بعد نحو 300 يوم من الان!

لقد خسرت اميركا الحرب في العراق باعتراف غالبية ما تبقى من عقلاء اميركا وقد خسرت بطانة الاحتلال الاميركي في العراق الرهان على الحصان الاميركي بامتياز ايضا وهم الآن يبحثون عن مخرج «مشرف» لهذا الخسران المبين كما اوصت لجنة بيكر -هاملتون في حين بدأت اصوات تعلو وتتحدث صراحة عن انه «لا يجوز الاستمرار في الفشل في العراق» كما صرحت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون هذا في الوقت الذي اعلنت فيه رئيسة المجلس بيلوسي «بان الحكومة العراقية الراهنة لا تستأهل تضحيات الاميركيين»!

وهذا الامر لم يعد سرا على احد بل انه بات قناعة شبه شاملة والشغل الشاغل حتى لاكثر الناس تفاؤلا بانجازات ما سمي على لسانهم يوما بمهمة «تحرير» العراق!

ان اي مراقب «كيس فطن» ومن خلال متابعة دقيقة لما يجري على الارض العراقية يستطيع ان يستنبط بسهولة بان الموصل والبصرة والعاصمة بغداد بما فيها المنطقة الخضراء وعلى رغم مرور خمس سنوات على الاحتلال لاتزال مدن عصية على الاحتلال وعلى بطانته المستقوية به!

هذا فضلا عن عشرات المدن والقرى التي وان بدت في الظاهر او في النهار مثلا تحت سيطرة ظاهرة لما يسمى بالحكومة المركزية فانها تحكم في الباطن وفي الليل دائما من قبل قوى اخرى غير تلك المنظوية تحت راية الاحتلال!

يكفي ان نقرأ آخر تقريرا اميركيا عن العراق لنسمع عبارة «ان الامن لا يزال هشا» في هذا البلد تتكرر في اكثر من فقرة!

يكفي ان ينفجر اي خلاف بين الحكومة المركزية وبين اي جماعة عراقية في اي مكان ما في العراق حتى نرى كيف ان الانفلات الامني هو الحاكم في عموم البلاد وتجربة البصرة الاخيرة خير دليل على ذلك!

ويكفي ان نسمع عن وجود نحو 28 ميليشيا هذا غير قوى المقاومة السرية ناهيك عن الاختراقات الجدية لقوى الجيش والشرطة من قبل الميليشيات او المقاومة!

هذا غيض من فيض مما يعاني منه الاميركيون الذين يعتبرون انفسهم قد خسروا الحرب في العراق ولم يبق امامهم الا الخروج المشفق و»المشرف» منه كما اسلفنا، بما لا يعطي انطباع الهزيمة للدولة الاقوى في العالم وبما لا يعطي انطباع الانتصار للقوى المقاومة والممانعة والتي يصنفونها طبعا ضمن قوى «الشر او الارهاب» لا فرق!

نستنتج مما سبق بان الاميركيين غارقون في هم ايجاد المخرج المناسب لهم من العراق اولا وقبل كل شيء! وهذا يعني ان مركز ثقل الصراع بين المشروع الاميركي والمشروع المضاد والممانع له انما انتقل عمليا نحو العراق وما حول العراق وتحديدا ما يسمى بالنفوذ الايراني او الدور الايراني رغم كل الكلام والضجة الكبرى التي يتم الحديث فيها عن الملف اللبناني مرة او القضية الفلسطينية او ما يحلو لهم بتسميته بملف النزاع الشرق اوسطي!

الاميركيون في لبنان لا يملكون من امرهم وامر حلفائهم الا تجميد موازين القوى الراهنة الى حين انقشاع الرؤية في العراق , ولا يملكون من امرهم في فلسطين الا اللعب في الوقت الضائع الى حين انتهاء ولاية بوش وتحميل الادارة الجديدة الملف الدائم والمزمن!

نعم حزب الله اللبناني قد يستطيع في لحظة ما ان يقلب موازين القوى على غير ما هي عليه الآن ولديه القدرة على فعل الكثير الا ان ذلك لا يحصل دون اخذ الحقيقة الآنفة الذكر بعين الاعتبار !

«اسرائيل» من جهتها تستطيع هي الاخرى ان تجازف ولديها الرغبة الجامحة بمثل تلك المجازفة, لكنها ستورط امريكا هذه المرة، بمقامرة لا قبل لها بها وهي تعرف ذلك تماما ولذلك حرصت على ايصال اكثر من رسالة ملحة الى من يعنيهم الامر بان مناوراتها ليست مقدمة لحرب ضد احد بمن فيهم سورية او حزب الله اللبناني وان ابقت الباب مواربا تجاه ايران في اشارة واضحة الى المحيط العراقي وهو ما لم تعد تخفيه اسرائيل بقولها ان مركز الخطر الاستراتيجي بات في ايران !

وهنا ثمة من يعتبر ان تجربة البصرة الاخيرة كانت احدى المغامرات الاميركية الاخرى الخاسرة في اطار الاصطفاف العسكري الذي تحاوله امريكا بين الفينة والاخرى ضد ايران!

لكن هذه المغامرة قد تتحول اذا ما تكررت في مدينة الصدر كما يقول البعض الى مقامرة قد تودي بحكومة المالكي والعملية السياسية كلها, والانتقال بالعراق الى مفصل حقيقي يصار من خلاله الى خلط الاوراق على الساحات الاقليمية كلها!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2046 - السبت 12 أبريل 2008م الموافق 05 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً