العدد 2052 - الجمعة 18 أبريل 2008م الموافق 11 ربيع الثاني 1429هـ

النموذج الكوري في الشفافية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وجهت هيئة ادعاء خاصة كورية، أمس الأول (الخميس) الموافق 17 أبريل / نيسان الجاري، تهما بالتهرب من الضرائب وخيانة الأمانة إلى رئيس مجموعة سامسونغ الكورية العملاقة لي كونهي، بينما برأت مزاعم بشأن دفع رشا كانت تحوم حول كونهي.

وجاء توجيه التهم بعد نحو ثلاثة أشهر من التحقيق في عدد من التهم طالت أكبر تكتل صناعي في كوريا الجنوبية، إذ تم التحقيق مع كونهي وأفراد عائلته.

لقد بدأت التحقيقات بشأن شركة سامسونغ منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما قال كيم يونغ شول، وهو كبير المحامين في الشركة، إن هذه الأخيرة رصدت مبالغ مالية تتجاوز 200 مليون دولار لرشوة مسئولين حكوميين وقضاة.

وادعى شول أن زوجة رئيس الشركة لي كونهي استخدمت أموالا من تلك المبالغ لشراء لوحات وأعمال فنية مرتفعة الثمن، إلا أن الشركة نفت تلك المزاعم فور صدورها.

وتم التحقيق مع زوجة كونهي، وتم استدعاء ابنه وصهره أيضا، إلى جانب مسئولين كبار في الشركة الذين تم التحقيق معهم منذ بدء القضية. وكانت الجمعية الوطنية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 قد وافقت على إجراء تحقيق مستقل بشأن المجموعة التي تنتمي إليها شركة سامسونغ إليكترونيكس للإلكترونيات.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم توجيه التهم إلى لي كونهي، ففي العام 2005 وفي فضيحة فساد مماثلة. حينها لم يتم استدعاء لي ولم يحقق معه، ذلك أنه كان في رحلة علاجية خارج البلاد، وتم تبرئته مع مجموعة من كبار المسئولين في الشركة.

بالمقابل، جاءت ردة فعل رئيس مجموعة شركات سامسونغ العملاقة لي كونهي معبرة عن درجة الشفافية التي تحكم آلية عمل المؤسسات الكورية العملاقة العامة من أمثال سامسونغ، التي تتألف من عشرات الشركات، بعضها غير مدرج، ولها هيكلة ملكية معقدة و يديرها كونهي نفسه منذ أكثر من عشرين عاما، إذ قال إن «ما يحصل الآن سببه إهمالي، وأنا سأتحمل المسئولية كاملة عن أفعالي»، لكنه لم يوضح فيما إذا كانت تهم الفساد التي وجهت إليه صحيحة.

على رغم كل ما أحاط بالشركة منذ العام 2005، واصلت سامسونغ احتفاظها بحال صحية ملحوظة، إذ حققت في العام 2006 مبيعات قدرها 63.4 مليار دولار بزيادة قدرها نحو 6 مليارات دولار عن العام 2005. وفي السعودية وحدها قفزت مبيعات شركة سامسونغ خلال العام 2007 إلى أكثر من 453 مليون دولار.

هذا على صعيد الشركة أما بالنسبة للاقتصاد الكوري فهو يتمتع بحال صحية جيدة أيضا وصفته بها المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي «آني كروزر» قائلة إنه «يُعد أنضج تجارب النمور الآسيوية، وأنه نما من رماد الحرب كحالة ناجحة. فبعد أن كانت كوريا ثالث البلدان الآسيوية فقرا في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، أصبح الاقتصاد الكوري في المرتبة الثالثة آسيويا بعد اليابان والصين، وعاشر أكبر اقتصاد على مستوى العالم».

في الاتجاه ذاته، ذكر تقرير لمصرف «دويتش بنك» الألماني أن اقتصاد كوريا الجنوبية سيحقق زيادة سنوية بنسبة 3.3 في المئة عن العام 2006 حتى نهاية العام 2020، وتوقع المصرف أن تحتل كوريا الجنوبية المركز الثامن عالميا من ناحية سرعة النمو، في غضون 15 سنة، أي حتى العام 2020.

وتجدر الإشارة هنا إلى القيمة الأسمية للناتج القومي الكوري بلغت 667.4 مليار دولار في العام 2004، بعد أن كانت 605.4 مليارات دولار خلال العام 2003، وتجاوز الناتج القومي لكل فرد 12.030 دولارا في العام 2004، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 21.068 خلال العام 2008.

أما بالنسبة لحجم الاستثمار الكوري في الخارج فقد بلغ في العام 2004 إلى نحو 8 مليارات دولار بزيادة بنسبة 36.8 في المئة عن العام 2003، كما بلغ حجم الاستثمار الأجنبي في الدولة نحو 3 مليارات دولار بنهاية العام 2004 ، وشارف على ما يقارب من 5 مليارات دولار بنهاية العام 2005.

وتعتبر السيارات من أهم المنتجات التي تصدرها كوريا إلى دول العالم، وتمثل نصيبا كبيرا من صادراتها. وقد ذكر تقرير صادر عن المعهد الكوري للاقتصاديات الصناعية والتجارة أن صادرات كوريا الجنوبية من السيارات ستصل العام 2012 إلى 3.2 ملايين سيارة. ووفقا للتقرير فإن صناعة السيارات الكورية الجنوبية، ستضيف إلى الاقتصاد الكوري الجنوبي خلال السنوات السبع المقبلة نحو 54.8 مليار دولار.

يثير ما يجري في كوريا اليوم في أذهاننا ما نسمعه أو نراه على الساحة الاقتصادية البحرينية، فهناك اتهامات لمسئولين في شركات، وهناك إدعاءات تمس بعض من كانوا أو ما يزالون في مناصب قيادية في مؤسسات اقتصادية، بعضها مدرجة وبعضها مملوك للدولة، من دون أن نصل إلى نهايات قضاياهم. ليس القصد هنا سوق اتهامات باطلة، أو توجيه الأصابع نحو هذا أو ذاك من المسئولين في تلك الشركات، فهذا من حق القضاء وحده، لكن الفرق بين ما يجري في المنامة، وذلك الذي تحدثنا عنه في كوريا، أنه هناك تصل المسائل إلى نهايات محددة بحكم نزاهة القضاء والسلطات التشريعية ذات العلاقة، بينما تضيع الأمور هنا في دهاليز المنامة وأروقة المؤسسات ذات العلاقة، أو من جراء التسويف في اتخاذ القرارات المناسبة بشأنها. ولعل هذه المفارقة تمدنا بشيء من الفهم عن سر نجاح الكوريين وتعثرنا. ولربما حان الوقت كي نستفيد من شفافية التجربة الكورية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2052 - الجمعة 18 أبريل 2008م الموافق 11 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً