العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ

أبيي معركة بلا معترك بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية

ابراهيم خالد ibrahim.khalid [at] alwasatnews.com

أثار تحذير الحركة الشعبية (المتمردة سابقا) أخيرا، من تجدد الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه بسبب الوضع في ابيي المتنازع عليها وعرقلتها لمفاوضات الحكومة مع أميركا من جهة، ووفد مجلس الأمن من جهة أخرى، علامات تعجب كثيرة بشأن ما إذا كانت هناك مشكلة حقيقية في المنطقة، أم أن الأمر لا يتعدى كونه محاولة جديدة من جانب الحركة لانتزاع مكاسب من الخرطوم تسبق انتخابات العام 2009 وموعد حق تقرير المصير العام 2011؟

شهدت منطقة ابيي الحدودية بين غرب السودان وجنوبه خلال الفترة الماضية مواجهات مسلحة بين قبائل المسيرية العربية وقبائل الدينكا الإفريقية التي تتنازع على الأرض، فيما كانت تتعايش بسلام من قبل، وسرعان ما تحول الأمر إلى مواجهة عنيفة بين قوات الحركة الشعبية والجيش السوداني انتهت بتدمير المدينة وسيطرة القوات الحكومية عليها.

أصل الصراع في المنطقة يعود للتداخل بين القبائل القاطنة في المنطقة بسبب المرعى، وزاد من حدة هذا الصراع اكتشاف حقول نفط في حدود هذه المدينة الصغيرة تمتد شمالا. فتطور الخلاف من «قبلي» إلى مواجهة بين حكومة الجنوب وحكومة الخرطوم الاتحادية. وهذه المنطقة كانت بؤرة لحركات التمرد المتعاقبة في جنوب السودان وتسببت من قبل في إفشال اتفاقية أديس أبابا التي وقعتها حكومة الرئيس السابق جعفر نميري مع حركة التمرد الأولى العام 1972.

وضع اتفاق نيفاشا للسلام العام 2005 حدا للحرب الأهلية في جنوب السودان وأصبحت الحركة الشعبية بموجبه شريكا في الحكم مع المؤتمر الوطني. ومنح بروتوكول ملحق بهذا الاتفاق منطقة ابيي وضعا إداريا خاصا تحت إشراف رئاسة الجمهورية، ونص على أن يدلي سكان المنطقة بأصواتهم، بصرف النظر عن حق تقرير مصير جنوب السودان، بشأن تبعية ابيي لولاية كردفان الشمالية أو لولاية بحر الغزال الجنوبية؟

زاد من تعقيد الوضع في ابيي أن البروتوكول نص على أن تضع لجنة خبراء تقريرا بشأن حدود المنطقة الفاصلة بين الشمال والجنوب وأوصت هذه اللجنة في يوليو/ تموز العام 2005، وعقب فشلها في تحديد حدود عموديات قبائل الدينكا نقوك التسعة، بتبعية ابيي للجنوب متجاوزة بذلك حدود العام 1956 (استقلال السودان) التي كانت مرجعا أساسيا لاتفاق نيفاشا، الأمر الذي رفضته الخرطوم بحجة أن تقرير اللجنة النهائي لم تتم المصادقة عليه أساسا من قبل الحكومة صاحبة السيادة.

ويقول مصدر دبلوماسي سوداني متابع لهذا الملف إن قبائل المسيرية هي التي استضافت العام 1905 عموديات قبيلة الدينكا نقوك التسعة في منطقة ابيي بسبب ظروف قتال كانت تواجهها مع بقية قبائل جنوب السودان في ذلك الوقت.

يشار إلى أن الحركة الشعبية مارست ضغوطا مماثلة قبيل أيام من إجراء التعداد السكاني في السودان أبريل/ نيسان الماضي إذ أعلنت مقاطعتها للتعداد ثم عدلت عن رأيها وطلبت تعديل بعض بنود الاستبانة الخاصة بالتعداد ثم وافقت على المشاركة بعد مشاورات بين القيادة العليا في الحكومتين، وأخيرا تراجعت على استحياء ووافقت على إجراء التعداد، لكنها زعمت أنها لن تعترف بنتائجه التي ستؤثر على تحديد الدوائر الانتخابية وتقسيم الثروة.

وكان من الواضح أن الحركة تتخوف من أشياء تخص وضعها كقوى سياسية في جنوب السودان وتريد أن تقنع الحكومة بضمان مقاعدها في الجنوب خوفا من خسارة معركة الانتخابات، لأنها لم تحقق الكثير من شعاراتها المعلنة بشأن السودان الجديد وإعادة إعمار الجنوب الواقع تحت مسئوليتها المباشرة.

وعشية بدء الجولة الثانية من المفاوضات بين الحكومة السودانية والولايات المتحدة واصلت الحركة الشعبية السيناريو ذاته وقررت مقاطعة تلك المفاوضات بحجة أن جهود التطبيع بين الخرطوم وواشنطن دفعت الأولى لاتخاذ مواقف متشددة من مسألة ابيي! وفعلا نجحت الحركة في تعليق مفاوضات التطبيع بين السودان وأميركا. وحولت أنظار وفد مجلس الأمن الذي زار الخرطوم أخيرا من قضية دارفور إلى ابيي أيضا.

وبعد كل تلك المعارك الميدانية والسياسية اتفق الشريكان في حكم السودان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) على وضع ما أسموه «خريطة طريق» لحل «المشكلة» أو اللجوء إلى «التحكيم الدولي» كخيار أخير! ويتضح من كل تلك المواقف أن الحركة الشعبية تعيش أزمة داخلية وتستغل كل الظروف والفرص لافتعال معارك جانبية مع الحكومة الاتحادية بغية تحقيق أهداف والحصول على تنازلات من الحكومة السودانية تفيد موقفها في معركة الانتخابات المقبلة، وليس أمر البترول ببعيد عن ذلك.

إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"

العدد 2105 - الثلثاء 10 يونيو 2008م الموافق 05 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً