العدد 2113 - الأربعاء 18 يونيو 2008م الموافق 13 جمادى الآخرة 1429هـ

تقي البحارنة

ذكريات جامعية «2»

وبعد رجوعي إلى البحرين، استمرت زياراتي لعدد من الأساتذة و العلماء المختصين في جامعة القاهرة وأطلعت على عدد من الأبحاث والدراسات والمشاريع الزراعية والصناعية التي تحتاج الى تمويل للاستفادة منها في البحرين ومنطقة الخليج العربي. وأطلعت في بعض تلك الزيارات على دراسات تفصيلية لمصادر المياه في جمهورية مصر وليبيا وذلك بمناسبة مشروع النهر العظيم في ليبيا الذي تبناه الرئيس معمر القذافي. والذي تبين تلك الدراسات الشكوك في جدوى المشروع اقتصاديا علاوة على كونه يستنزف احتياطيات مائية من أراضي مصر المجاورة للمشروع.

وأخيرا فمن الجدير ذكره عن جامعة القاهرة الدور البارز للأساتذة والطلاب في تأييد الحركات الوطنية سواء في عهد الاستعمار الإنجليزي أو بالنسبة إلى الحركات الوطنية والقومية بعد ذلك إلى يومنا هذا.

4- المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف - سوسيرا

تعرفت بـ (مارسيل بوازار) في أثناء عملي في القاهرة وكان ممثلا لجمعية الصليب الأحمر الدولي لشمال إفريقيا ومركزها جنيف. وكنت أتبادل معه النقاش والأفكار حول الإسلام والثقافة العربية حتى ارتحلنا أنا وهو عن مصر في العام 1974. ذهب هو إلى مقره في جنيف ورجعتُ البحرين بعد انتهاء مهمتي في مصر.

وبدأتْ بيننا المراسلات فأخبرني أنه يُزاول التدريس في المعهد العالي للدراسات الدولية وقد قمتُ بزيارته في المعهد المذكور المتخصص في تدريس العلاقات الدولية وتدريب السفراء والدبلوماسيين الجدد وتأهيلهم كدبلوماسيين لخدمة بلدانهم. وكان المعهد حافلا بالطلاب من مختلف انحاء العالم وقد وجّه المعهد رسائل لجميع دول الخليج العربي مرحبا باستقبال أعداد الطلاب الذي يرغبون تدريبهم كدبلوماسيين وسفراء وذوي خبره في العلاقات الدولية. وقد استجابت دول الخليج ولا سيما الإمارات وعُمان والسعودية وقطر فأرسلت عددا من الطلاب إلى المعهد وحمّلني السيد مارسيل دعوة مماثلة للبحرين سلّمتها شخصيا إلى وزارة الخارحية.

وفي أثناء زياراتي للمعهد الدولي لفت نظري موقع المعهد الرومانسي الجميل وسط غابات الأشجار الباسقة والمياه المتدفقة والنافورات المضاءة والأزهار المنسقة على جوانب الطرق والمساحة الواسعة المشتملة على قصر تراثي قديم تحوّل الى مكتبة عامّة ومرافق أخرى تابعة للقصر فسألت السيد مارسيل عن ذلك فأجابني مبتسما أن لهذا القصر قصة غريبة فقد كان لأحد الأمراء الأثرياء في جنيف وبعد وفاته تحيّر الورثة في أمره. إذ يتطلب منهم القانون رعاية القصر وكلّ ما يتبعه من حدائق وبساتين وطرق وممرات والمحافظة عليه وصيانته بحيث لا يتغيّر منه شيء عما كان عليه سابقا. وذلك بالإضافة إلى دفع رسوم بلدية وحكومية باهظة أدّت بورثته إلى الإفلاس وتراكمت عليه الديون والمصاريف , ولم يستطيعوا أن يحصلوا على مَنْ يرغب في شرائه فقرر الورثة إهداءه مجانا للدولة للاستفادة منه فلم توافق الدولة. فنصحهم المحامي برفع دعوى على الدولة وبعد مضي عدد من السنوات أمرت المحكمة الحكومة باستلام القصر... وارتاح الورثة من أعباء القصر والحدائق الملحقة به فجعلت منه الحكومة مقرا للدراسات الدولية وسكنا للطلبة ومكتبة عاما ومنتزها جميلا، وانشأت فيه مرافق رياضية وفنية وثقافية ... إنها فعلا قصة لا تخلو من طرافة وعِبرة.

ومن المشاريع ذات الأهداف النبيلة التي أقامها السيد مارسيل بوازار هو تأسس رابطة دولية باسم « الإسلام والغرب» مقرها جنيف. وذلك للتقريب بين الإسلام والغرب ولا سيما في مجال الثقافة والفكر وبرامج التدريس وسرعان ما اكتسب أصدقاء مساندين له من رجال السياسة والنفوذ بعد عقدا المؤتمر الأوّل وذلك من امثال ( لورد كاراغون) في بريطانيا ووزير الخارجية السعودي آنذاك السفير ( السقاف) والمرحوم عبد الملك الحمر والحبيب الشطي، أمين عام المؤتمر الإسلامي آنئذن ومعروف الدواليي وأحمد بهاء الدين، وشخصيات أخرى من دول الخليج وأوروبا وأميركا اللاتينية حيث تم عقد المؤتمر الثاني في باريس.

أمّا المؤتمر الثالث لرابطة (الإسلام والغرب) فقد تم عقده في إشبيلية بإقليم الأندلس من إسبانيا العام 1984 حيث افتتح المؤتمر برسالة من (خوان كارلوس) ملك إسبانيا. وحضره أكبرتجمع في مسيرة الرابطة ضم نخبة من الأساتذه الجامعيين ومن رجال الفكر والسياسة والثقافة في معظم دول العالم وقد دعيت إلى هذا المؤتمر وشاركت فيه ... وأذكر أن الحفل الختامي تعرض الى أزمة مفاجئة حين تقدّم للخطابة أحد الإسبان المسلمين وهو رئيس رابطة المسلمين في الاندلس (عبد الرحمن مدينا) فقد هاجم بشدة غير مألوفة حكومة إسبانيا وأتهمها باضطهاد المسلمين الإسبان وتجفيف المساعدات عنهم ومنع بناء المساجد أو تعليم الدين الإسلامي وتضمين مناهج الدراسة معلومات خاطئة عن الإسلام والمسلمين وقال: نحن في اشبيلية إسبان أصليون وعددنا فوق الثلاثمئة إسباني ننتمي إلى أجدادنا مسلمي الأندلس ولكنا لا نتمتع بالامتيازات والحقوق التي يتمتع بها المواطنون الإسبان وذلك بسبب الإسلام الذي توارثناه أبا عن جد.

واذا كان ما سمعته هو الحقيقة فهي أوّل مرة أجد فيها مسلمين إسبان من العهد الأندلسي، وليسوا ممن هاجر الى إسبانيا في العصر الحديث. وقد وصلني فيما بعد المؤتمر بيانٌ من عدد من الرابطات الإسلامية في إسبانيا يتبرأون فيها مما قاله الشيخ عبد الرحمن مدينا وانه لا يمثلهم!

وقد واصلت الجمعية نشاطها لسنوات وأنشأت لها جمعيات وطنية في العالم بما في ذلك العالمان العربي والإسلامي ... ثم انقطعت عني أخبارها.

5-جامعة ماك جيل McGill في مونتريال

تحتل جامعة (ماك جيل) موقعا متميزا من حديث الجامعات... فهي التي تولت تعليم ثلاثة من أبنائي في أول بعثة تعليمة بين البحرين وكندا بدأت حين قررت ابنتي إكمال دراستها الجامعية في المملكة الأردنية العام 1976 وبينما كنا منشغلين في اتخاذ الإجراءات اللازمة وصلنا نبأ مفاده أنّ وزارة التعليم الأردنية اعتذرت عن استقبال بعثة البحرين التعليمية الرسمية لعدم توافر المقاعد الدراسية... فقلت في نفسي: هي اذن أولى بالاعتذار لمن يبتغون إكمال الدراسة كأفراد.

وكان من بين الأساتذة في (ماك جيل) الأستاذ أحمد أبو حكيمة وهو من الأردن الذي لم يرتح لهذا الخبر وبذل جهده في إقناع إدارة جامعة «ماك جيل» بقبول طلاب البحرين خصوصا. ولما وافقت الجامعة حضر الى البحرين وتم ترتيب سفر الطلاب للالتحاق بجامعات مونتريال. وقمت بتسجيل ابنتي في جامعة ماك جيل بعدما تأكّدت من سمعتها ومستواها الأكاديمي المعترف به في العالم، وقد واصلت ابنتي تعليمها بنجاح حتى التخرج والتحق بها بعد ذلك أخواها وتخرجا منها كذلك.

... يتبع

العدد 2113 - الأربعاء 18 يونيو 2008م الموافق 13 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً