العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ

عملية تبادل الأسرى وحاجة لبنان إليها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخيرا وافقت حكومة إيهود أولمرت على عملية تبادل الأسرى مع حزب الله بعد أن فشلت كل خياراتها الأخرى واكتشفت بالملموس أن مختلف البدائل ستصطدم في النهاية بعقبات تمنع على تل أبيب إمكانات التوصل إلى حل من نوع آخر. الحلول الأخرى باتت صعبة وربما مستحيلة بعد أن اعترفت حكومة تل أبيب بالفشل في عدوان 2006 وأخفقت في تحقيق أغراضها من سياسة التقويض التي اتبعتها خلال الحرب التي دامت نحو 34 يوما.

الآن وصلت المفاوضات إلى الشوط الأخير من الحل وباتت حكومة أولمرت على قناعة بان القناة الدبلوماسية الألمانية تشكل الملاذ الأخير لإنهاء ملف مهم في موضوع حرب صيف 2006. وتوصل حكومة أولمرت إلى هذه القناعة المنطقية يسد حاجة إسرائيلية محلية تريد إقفال البوابة اللبنانية للتفرغ إلى مهمات تضغط عليها تتصل بالتفاوض مع الجانب الفلسطيني لتقرير طبيعة الاحتلال في الضفة والقطاع كذلك ليست بعيدة عن أجواء المفاوضات مع الجانب السوري وموضوع احتلال الجولان وتداعيات التهدئة على الحدود.

موافقة حكومة أولمرت على القبول بفكرة تبادل الأسرى بعد تردد طويل تؤكد وجود حاجة داخلية فرضت على تل أبيب التعامل معها كأمر واقع. والحاجة يمكن قراءة تفصيلاتها في الكثير من التعليقات التي صدرت عن جهات إسرائيلية رسمية واضعة المسألة تحت بنود الفشل والإخفاق والهزيمة وعدم القدرة على تعديل خريطة الطريق. والتعليقات الإسرائيلية المتنوعة تشير إلى أن الحاجة المحلية أسست معادلة وضعت الحكومة في زاوية حادة لا تستطيع فتحها على احتمالات أخرى. فالموافقة تعادل الاعتراف بالفشل وخطوة لابد منها لإقفال بوابة شكلت نقطة عبور عصفت ميدانيا بالأمن الإسرائيلي.

في المقابل تعتبر عملية المبادلة حاجة وطنية لبنانية لأنها ربما تشكل مناسبة لإعادة تصحيح علاقات محلية انكسرت أهليا بفعل ضربات العدوان وعصفت بالسلم القلق القائم داخليا على معادلة توازن الطوائف والمذاهب.

لبنان أيضا بحاجة إلى عملية تبادل الأسرى في اعتبار أن هذا الملف شكل في السنوات الماضية نقطة تجاذب سياسية ساهمت في توليد شرارات محلية انكشفت ميدانيا على خلافات تلونت واقعيا بتلك الانقسامات التي تأسس عليها تقليديا الكيان اللبناني.

المقاومة بدورها بحاجة إلى عملية التبادل بعد أن تورطت في الفترة الأخيرة بمنزلقات كادت أن تدخلها في قنوات طائفية ومذهبية تعطل عليها إمكانات إعادة تأسيس مهمتها الأساسية على قاعدة مشتركة تشد الأهواء والهواجس إلى نقطة توحد المصالح تحت سقفها.

خطاب المقاومة بعد العدوان الإسرائيلي المدمر بات بدوره بحاجة إلى إنعاش يعطيه القوة المعنوية للخروج من دائرة الشك. وعملية الإنعاش تتطلب بدورها سياسة تذكير بأن مهمة المقاومة ليست داخلية وبالتالي فإن تجديد وظائف المقاومة تحتاج إلى وحدة الداخل لمواجهة احتمال تجدد العدوان. فالخطاب تعرض في السنوات الأخيرة إلى قصف أهلي داخلي بعد انسحاب قوات الاحتلال من الجنوب في العام 2000. وأدى هذا القصف المستمر إلى تراجع خطاب المقاومة وارتداده إلى الداخل بنسبة عالية الأمر الذي أورثه مشكلات أهلية كان بالإمكان تجاوزها لو استقرت أوضاع لبنان المحلية وعلاقاته بالمحيط.

مشكلة خطاب

مشكلة خطاب المقاومة تصاعدت تدريجيا منذ العام 2004 بعد تمديد رئاسة اميل لحود وصدور القرار الدولي 1559 الذي نصت إحدى فقراته على مصادرة سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. هذه الفقرة شكلت نقطة تجاذب سياسية تلونت بالطوائف والمذاهب والمناطق إلى أن وقعت جريمة اغتيال رفيق الحريري وما تبعها من تشنجات دولية وإقليمية وأهلية أسفرت عن خروج القوات السورية من لبنان وصعود المقاومة آليا إلى الواجهة في معادلة غير مستقرة داخليا وفي محيطها الجغرافي.

ساهم الاضطراب العام في تكوين لغة سياسية في خطاب المقاومة تختلف نسبيا عن تلك التي كانت متداولة قبل العام 2000. وبسبب ضغوط الحاجة المحلية ونمو آليات داخلية تهدد المقاومة تبدل الخطاب وأخذ ينتقل رويدا من الحدود إلى خطوط تماس أهلية. ومن يراجع أو يقارب لغة الخطاب ما بين العام 2000 و2004 وثم ما بين 2005 و2008 يلاحظ النمو المضطرد في تناول نقاط الخلاف المحلية وطغيانها على المهمات المركزية التي تأسست بسببها المقاومة. هذا التبدل يمكن تفسيره وشرحه وتقديم الاعذار التي أدت إلى تغيره اضطرارا للرد على تلك الانقسامات المحلية. ولكن التبدل بات في الآونة الأخيرة بحاجة الى تعديل يجدد قوة العناصر الأولى التي تأسست بسببها فكرة المقاومة وينقذ تلك التضحيات والخسائر من الانزلاق في أزقة وقنوات أهلية ضيقة تعطل إمكانات نهوض الكيان اللبناني على مصير مشترك يوحد مختلف الطوائف والمذاهب لمواجهة الأخطار والتحديات.

عملية تبادل الأسرى جاءت في وقتها المناسب للدولة والمقاومة في آن. فالأسرى ينتمون إلى مناطق وطوائف مختلفة وبعضهم قاتل في صفوف مقاومة سابقة وقبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 وأيضا قبل أن يرى حزب الله النور. هوية الأسرى مهمة كذلك توقيت أسرهم ومناسبة الإفراج عنهم. فهذا التنوع يمكن استثماره سياسيا لإعادة تأكيد وحدة مشتركة أخذت تفقد زخمها بحكم الخلافات الأهلية التي استحكمت بالخطابات السلبية المتبادلة في السنوات الأربع الماضية. والإفراج المتوقع عن الأسرى خلال أسبوع أو أسبوعين يمكن أن يتحول إلى مناسبة وطنية مشتركة تجدد خطاب المقاومة وتعيد تشكيل وظائفه الداخلية في إطار وحدوي يؤكد على ضرورة هيكلة الدولة لتتناسب قدراتها مع متغيرات دولية وإقليمية قد تعصف بالمنطقة في المرحلة المقبلة.

هذا الاحتمال يواجه الكثير من العيوب التي تتمثل في عقلية النكايات والسياسة الكيدية المتبعة. والخوف على نجاح عملية تبادل الأسرى هو أن تتحول في الحسابات اللبنانية الأهلية إلى نوع من الاستثمار السياسي السلبي الذي يؤجج الانقسامات ويوظفها في سياقات محلية لا تحسن شروط المقاومة ولا تجدد خطاب تعرض في الآونة الأخيرة إلى قصف مدفعي أهلي أدخله في دائرة الشك. عملية تبادل الأسرى تلبي حاجة لبنانية لكونها تشكل خطوة نوعية إلى الأمام تعوض خسائر خطوات تراجعية ناقصة انزلقت بحكم آليات الواقع بالاتجاه الذي يشوش على المقاومة ويضعف إمكانات الدفاع عن مشروعها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً