العدد 259 - الخميس 22 مايو 2003م الموافق 20 ربيع الاول 1424هـ

فترة استرخاء

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل اكتفت الولايات المتحدة بالعراق، أم انها تستعد للهجوم على دولة عربية أو مسلمة أخرى مجاورة لبلاد الرافدين؟

سؤال من الصعب الاجابة عنه الآن. فالمعلومات الدقيقة غير متوافرة، إلا أن المؤشرات تدل على أن واشنطن لم تتراجع عن خطتها الهجومية على رغم العقبات التي تواجهها أمنيا وسياسيا في العراق وأفغانستان.

يمكن القول ان الإدارة الأميركية تمر الآن في فترة ترميم العزلة من خلال اعادة بناء جسور الثقة مع دول الضد المعارضة للحرب. ودول الضد ايضا تريد الاستفادة من عزلة أميركا الدولية لاعادة وصل ما دمرته سياسة الحرب على العراق من خلال تمرير التصويت على رفع العقوبات وفتح الباب امام الشركات والمؤسسات للبدء في ورشة إعمار العراق.

الخطوة الأوروبية - الروسية في مجلس الأمن ردت عليها واشنطن إيجابيا بالموافقة على إرسال وزير الخارجية كولن باول الى البندقية (فينيسيا) للمشاركة في قمة مجموعة الثماني، الأمر الذي يعتبر بداية انفراج في العلاقات الدولية التي تأزمت منذ صدور القرار 1441 في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

عراقيا أيضا تبدو الأمور غير مستقرة لمصلحة الجانب الأميركي. فالفوز العسكري الذي حققته القوة لم يترجم الى علاقات داخلية مربحة. وحتى الآن يـظهر الاجتياح الأميركي من دون غطاء دولي أو عربي كذلك لا يبدو أنه ينجح في تأمين أفق سياسي له. وحتى الآن تبدو القوات الفائزة في الحرب تبحث عن انتصار سياسي لعملها العدواني فهي لا تستطيع الانسحاب وكذلك غير قادرة على البقاء في مكانها من دون حصانة دبلوماسية وضمانات داخلية تعطيها شرعية سياسية للاحتلال.

فالولايات المتحدة حتى الآن حائرة في سياستها العراقية الداخلية ولم تحسم أمرها في تحديد الجهات المحلية التي يمكن التعامل معها وتشكيل حكومة متعاونة تلبي شروط الاحتلال وتحديدا تلك المتعلقة بالمصالح الدولية (النفط والغاز والسوق الحرة واعادة الإعمار) أو تلك المتعلقة بالعلاقات مع الدول العربية ودول الجوار ومشروع «الشرق الأوسط الجديد» والاعتراف بـ «اسرائيل».

وبسبب تلك الحيرة لاتزال واشنطن تميل إلى دبلوماسية الخطوة - خطوة والمماطلة في عقد المؤتمر الوطني وتكرار تأجيله حتى تستطيع تحديد الجهات التي تريد التعاون والتفاهم على الاتجاهات التي تريد السير نحوها. لذلك قررت الإدارة العسكرية الحاكمة في بغداد تأجيل عقد المؤتمر الى يوليو/تموز المقبل ملمحة الى امكان بقاء القوات الأميركية مدة لا تقل عن سنتين تجري خلالها الانتخابات لاختيار البرلمان وتشكيل حكومة وطنية عن طريق صناديق الاقتراع.

اضافة الى العراق تبدو الأمور في فلسطين غير سالكة. فلسطينيا جاءت كل الخطوات الأميركية ناقصة وغير مكتملة. فخطة «خريطة الطريق» أحبطها رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون بملاحظاته الكثيرة عليها وسلوكه العسكري ضد المدنيين في وقت يجد نفسه في موقع الأقوى ولا يستطيع الرئيس الأميركي مواجهته في مرحلة يستعد خلالها الى خوض جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية.

إلى العراق وفلسطين تبدو الأمور غير واضحة في أفغانستان، فحتى الآن لم تنجح الولايات المتحدة في ترجمة فوزها العسكري على «طالبان» الى انتصار سياسي في وقت تراجعت معظم الدول التي اجتمعت في طوكيو عشية السيطرة على كابول عن وعودها بدعم «حكومة قرضاي» وتمويله ودعمه اقتصاديا لاعادة ترميم دمار الحروب في أفغانستان.

كذلك لا يبدو ان الولايات المتحدة مرتاحة الى مكاسبها الأمنية. فالرئيس بوش يقول انه دمر نصف تنظيم «القاعدة» وهناك النصف الآخر لايزال يتحرك - كما يدعي - في الكثير من الدول العربية والمسلمة.

الى «القاعدة» هناك ايضا ازدياد التوتر الأمني في مناطق كانت مستقرة سياسيا في المحيط والخليج.

وهذا ما يشير الى ان النجاح العسكري الذي حققته القوة الباطشة للآلة الحربية الأميركية ليس بالضرورة هو المدخل الوحيد الذي يمكن ان تفرض واشنطن من خلاله سياساتها على العالم. فالاسلوب العسكري - الأمني يختصر الكثير من الأمور الا أنه لا يساعد على حلها وتجاوزها نحو أفق سياسي جديد.

نعود الى السؤال: هل اكتفت الولايات المتحدة بالعراق أم انها تستعد للهجوم على دولة جديدة؟

الاجوبة كثيرة بسبب عدم توافر معلومات محددة الا ان التحليل العام يشير الى دخول اميركا في فترة من الاسترخاء السياسي في محاولة منها لاستيعاب ردود الفعل الدولية والاقليمية والعربية على تحذيراتها الطائشة التي أطلقتها بعد فوزها العسكري على العراق، والاسترخاء السياسي لا يدعو الى الاطمئنان لأن ذلك لا يعني ان واشنطن تخلت عن استراتيجيتها الهجومية ونظرية «الحروب الدائمة»، بل ربما تكون استراحة محارب استعدادا لهجوم جديد. والاتهامات الأخيرة التي أطلقتها الإدارة الأميركية ضد ايران تعزز فكرة ضرورة اليقظة والانتباه الدائم لكل التحركات الاميركية وتحديدا في فترة الخريف المقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 259 - الخميس 22 مايو 2003م الموافق 20 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً