العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ

عبدالله خليفة... الفوتوغرافيا في زمان الديجتال

الوسط - حسام أبوأصبع 

تحديث: 12 مايو 2017

ربما كان «عبدالله خليفة» أحد أبرز الكتاب الذين أخلصوا بشكل منقطع النظير للاستراتيجية ذاتها التي بدأ بها منذ أن أصبحت الكتابة الإبداعية هاجسا أساسيا لا مناص منه. فقد وضع نصب ناظريه ما يحيط به، ما يعانيه، وما يشكل بؤرة اشتغال على غير صعيد من الأصعدة الحياتية. لم يكتف خليفة بالكشف، بالفضح، بل راح ينشد أغنية سردية تخلقت عبر الإرهاصات التي زج بها في كتبه، لنكتشف نهاية المطاف صيرورة حكاية ممتدة وراسخة.

الرائي سيجد امتدادا وتواصلا في كل المثبت في مجموعاته القصصية وأعماله الروائية، فمنذ «لحن الشتاء» التي صدرت في العقد السابع من القرن الماضي، والكاتب لم يبرح المنطقة التي ارتضاها لنفسه منذ عمله الافتتاحي السابق. وللسبب نفسه فقد منحه هذا الأمر قدرة وكفاءة لافتة في الوصول إلى المخبوء والمستور والمحتجب. إن هذا الانتماء الغريب لحقل واحد من الحقول السردية مكن القاص والروائي من تشريح حقيقي ودقيق لبعض مفصليات الواقع الذي جبل عليه والذي شكله وتشكل منه. إن مزية نهج إبداعي كهذا يدل بصورة حتمية على إيغال متعمق في قراءة السطوح وصولا إلى أكثر الطبقات غورا، وهذا التوجه - بلاشك - على رغم التنويع الذي وفره اختلاف الجنس الأدبي (القصة / الرواية ) وتغير المنظور وتطور التجربة من كتاب لآخر فإننا إزاء معادلة تفضي إلى القول بأن خليفة لم يكتب إلا نصا واحدا، والبقية الباقية يمكننا عدها تفصيلات أو حواش لهذا النص الواحد.

وتفصيل ذلك، أن السؤال الإبداعي عند كاتبنا قد انشطر إلى مبدأين: المبدأ الأول: ويتمثل في الوفاء للحمولة الفكرية الواقفة خلف الكتابة، والثاني: ويتحقق في الطبيعة الفنية للرسالة التي يبثها رواة مجموع ما كتب. إن الالتحام الشديد وغياب الفواصل الجلية أفرزت تلك الإشكالية المزعجة، حيثما انفك المبدأ الأول يحضر بصورته الفاقعة في الثاني على طول التجربة وامتدادها، ما فوت فرصة أكيدة للظفر بالنسبة إلى مجموع من كان متلقيا لهذه التجربة، بسبب امتلاك خليفة لأسلوبية قادرة على أن تكون ذات فرادة، ومقدرته اللافتة على الإمساك بزمام السرد وبالتفصيل في الوصف، وفي بناء نماذج من شخوص تتحلى بأبعاد مادية وروحية مختلفة، وذات بناء نفسي يتأسس على معرفة أكيدة بأنماط ونماذج شتى، وتبحر عميق في النفس البشرية.

وبين إخلاص للأرض والبشر ولأحلامهم العريضة، وبين تكريس خطابي لا يخلو من تكرار، يكون مشروع عبدالله خليفة السردي. هذه الثنائية المتجذرة بتغلغل عميق تحد كثيرا من الفعل الإبداعي الحقيقي. وإذا كان الأدب مسئولية، فحتما ولابد أن تكون المسئولية الكبرى فنية. ولوحدثت زحزحة ما في قابل الأيام عن الرؤية ذاتها فستكون لنا مفازة حقيقية، في ظل كل تلك الإمكانات والتجربة والخبرة الإنسانية والسردية سواء بسواء.

ومع ذلك، لقد مخر «خليفة» الأزقة والحواري والشوارع، وعالج مأساة المدينة الحديثة، ومسح بقلمه كما هائلا من الأنماط البشرية/ الهامشية، وناقش وحاور مشكلات إنسانية ووجودية أصيلة، حلق وابتعد بأحلامه بعيدا، صور البهاء، وأوغل في تسليط الضوء على القحط والفقر. اليابسة والبحر فضاءات قصصه ورواياته، والواقع والخيال ميادين اشتغاله، والسواد يغلب البياض ويتفوق عليه، والفراغ واليأس موضوعات أثيرة، واتخاذ العزلة ليست واردة. والمواجهة - الحالمة - حتى لو لم تخلف أثرا فهي المصير القدري، إننا نقف أمام حالات نعرفها، وربما نحن من يقصدنا الخطاب، والعنف الذي تستبطنه رواياته مزية ليست بحاجة إلى كبير تدليل.

عبدالله خليفة يمثل اتجاها سرديا متفاعلا أشد التفاعل مع ما يراه ويقرأه. إنه شبيه بالمصور الفوتوغرافي الكلاسيكي - في زمن الكاميرا الديجتال - الذي يعد منجزه بمثابة الوثيقة الدامغة المحلاة بشيء من فتنة السرد، ومن مراودة التخييل.

أخيرا، تلك هوامش قرائية وليدة قراءات متباعدة... وللمهتمين بإبداع وأفكار عبدالله خليفة، ولكيفية تصوره لمشروع الحداثة في هذه المنطقة من العالم، تقيم أسرة الأدباء والكتاب مساء الاثنين 9/6/2003م: ندوة يحاضر فيها عن ذاكرة الحداثة في الخليج والجزيرة العربية سيتحدث فيها عن تجربته الشخصية، وهي من تقديم كمال الذيب





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً